متى تتكون شخصياتنا؟ وهل تستمر في التكون أم تقف عند حد معين؟ هل تبقى صفاتنا وطباع شخصياتنا كما هي بمرور أعوام أعمارنا أم أنها تتغير؟ وكيف تتغير؟ وما الذي يغيرها؟
هناك العديد من الأسئلة حول موضوع الشخصية والعمر، مما يتطلب الإجابة عليه تفصيلات لا يتسع المجال هنا لإيرادها، خصوصاً أن هناك العديد من وجهات النظر والفرضيات المتنوعة.
يبدأ وضع اللبنات الأولى للشخصية في الطفولة، وتستمر عملية البناء عبر المراحل العمرية اللاحقة (المراهقة والرشد...) وتتشكل الشخصية بمعالمها الأساسية في أواسط العشرينات من العمر، وتبدأ بعد ذلك بالتماسك والنضج العقلي والانفعالي والاجتماعي إلى أن يبلغ المرء أشده عند عمر الأربعين كما قال - تعالى -: }حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعِينَ سَنَةً{(الاحقاف: 15).وهو السن الذي بلغه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما بعثه الله - تعالى -بالإسلام وحمله الأمانة العظيمة.
يغلب على شخصية الطفل الاندفاعية وراء الرغبات، وضعف الصبر، وقلة الاحتمال، والميل إلى اللهو واللعب.
ويغلب على شخصية المراهق التقلب العاطفي، وسرعة الاستثارة، وقوة الانفعال والحماس، وسرعة التنفيذ، وضعف المثابرة.
ويغلب على شخصية الشاب الجرأة والعجلة وبعض الحماس العاطفي.
وكلما تقدمت بالشاب السنون، ومرت به التجارب والخبرات، وخاض معترك الحياةº تأثرت طباع شخصيته بحسب ما يمر به من أحوال وظروف، وبحسب تفاعله هو مع الأحداث من حوله. فقد تتهذب شخصيته وتزداد نضجاً واستقراراً، وقد تعوجٌّ وتزداد عوجاً.
ومن العوامل المؤثرة في نمو الشخصية، البيئة الاجتماعية وما فيها من مؤثرات ثقافية، وأساليب تربويةº فالفتى الصغير ـ حديث العهد بالبلوغ ـ قد ينمو نمواً حسناً إذا ساعدته بيئتهº فيسلك مسلك الرجال في أقواله وأفعاله (وإن بقي فيه بعض الطيش اليسير)، وقد يتعثر نموه النفسي والاجتماعي ويتأخر كثيراً، فتجد أحدهم يتخطى الثلاثين من عمره، ولا يزال ينقصه الشيء الكثير في شخصيته.
وأما العلل الشخصية، فإنها بمرور الزمن قد يتحسن بعض الصفات السلبية فيها، ولكن بعض صفات العلل الشخصية لا تزداد بمرور الزمن إلا رسوخاً واستمراراً، كالعجب والكبر والاحتيالº لأنها تتعزز بمرور الزمن، وما يتم فيه من إنجازات متنوعة، فالشاب المعجب بنفسه، يفتخر بتعليمه وشهاداته وقت شبابه، وإذا كبر وجمع المال فاخر بالمال والجاه، ثم إذا صار له أولاد تركز افتخاره على أولاده وهكذا.
والخلاصة أن العامل الزمني وحده ليس بذي أثر كبير في الشخصية، وإنما المؤثر الحقيقي هو الأحداث والخبرات والتجارب والتحصيل العلمي والعملي، فمن استثمر الزمن عملياً، وحقق فيه ما يبني شخصيتهº نضج قبل غيره ممن ينتظر النضج من تعاقب الشهور دون جهد شخصي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد