الشباب في الغرب : يأس من السياسة والدين .. وتفاؤل بالمستقبل والتعليم


  

بسم الله الرحمن الرحيم

يشتكي المجتمع الغربي من قلة المواليد منذ عقدين أو أكثر، وبدأ تحقق التوقعات المخيفة، بانخفاض أعداد الشباب، مما يهدد من ناحية بعدم وجود موظفين وعمال، في سن الكسب، بحيث يدفعون الضرائب، التي يمكن منها تمويل المعاشات، لكبار السن، الذين ارتفعت متوسط أعمارهم، في ظل تحسن فرص العلاج، والرعاية الصحية، علاوة على خطر داهم آخر من ناحية أخرى، وهو أن تنقرض هذه المجتمعات الغربية على المدى البعيد.

إذًا فلا داعي أيها الشباب للمغامرة والسفر في مراكب الموت إلى أوروبا، بل انتظروا عند الشاطئ، قريبًا سـتأتيكم سفن مكيفة، تستقبلكم وتأتي بكم، وسترحب بكم البقية الباقية من الشباب الأوروبي قبل انقراضه.

ولكن حتى يحدث ذلك، لابد أن نتعرف على أنماط حياة هؤلاء الشباب الأوروبي، حتى نعرف أفضل الطرق للحفاظ على بقاء هذه الدول، أعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، لا أن نعمل مستقبلاً على تحويل أوروبا، إلى قارة إفريقية-آسيوية أخرى، في شمال الكرة الأرضية.

ولعلنا لو أحسنا الظن، لفهمنا سبب مطالبة وزير الداخلية الألماني الاتحادي أوتو شيلي، بإنشاء معسكرات في شمال إفريقيا، (لاستقبال) الراغبين في تقديم طلبات اللجوء إلى أوروبا، وهم في بلادهم، ولاعتبرناها أول خطوة في الترحيب بالشباب الراغب في الهجرة.

 

هناك أيضًا يلعنون الظلام

لو قرأ أي واحد منا العبارات التالية، لشعر أنها مألوفة لأذنيه، لأنه يبدو أن الخطب التي يقال أو وزارات الأوقاف توزعها في الخفاء على خطباء المساجد، أصبحت تترجم إلى اللغات الأجنبية، وتستخدم في دور العبادة في الغرب.

فقد كتب رجلا دين مسيحيان، من المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي، كتابًا بعنوان: (هل مازال من الممكن مخاطبة الشباب الغربي في أمور دينية؟)، ورد في مقدمته ما يلي:

لقد أصبح المجتمع عابدًا لصنم جديد، ألا وهو الرفاهية، ومبتعدًا عن الدين، سطحي التفكير، أما الفرد فصار يعيش لنفسه فقط، بلا رب يعبده، ولا قيم تربطه بالمجتمع الإنساني من حوله، وانفصم العقد الرابط بين الأجيال، وفقدت المبادئ صلاحيتها. أصبح الناس يقبلون على الملاعب الرياضية، ويتركون دور العبادة خاوية، يتسابقون على المراقص، ويديرون ظهورهم لما ينفع آخرتهم، أصبح الممثلون ولاعبو الكرة مثلهم الأعلى، وما عادوا يعرفون رسلهم.

ولم يتوقف شتيفان رايموند سنجه، وآدم فيناند، عند هذا الحد، بل أكملوا رسم الصورة القاتمة البغيضة، متهمين الأهل بأنهم يهملون في التربية، ولا يعطون المثل الأعلى في الالتزام بالصلوات، والخلق الديني، وحتى إن وجد هذا التأثير، يكون واهنًا للغاية، مقارنة بما يتعرض له الشباب في المدرسة، من معالجة للدين كمعلومات عامة، وليست كعقيدة، وفي الشارع، والنادي، وجميع الأنشطة خارج المنزل، والتي نادرًا ما تسهم في اقتراب الشاب من دينه.

وبذلك رفض رجال الدين هناك أيضًا إضاءة الشموع، بل قرروا أن يلعنوا الظلام، كما يفعل بعض خطبائنا، في النقد والنقد فقط، دون أن يدلّوا من يسألهم على الطريق.

 

كيف يمكن فهم الشباب؟

تلتزم المؤسسات الصناعية في الغرب، بإنشاء مراكز لتمويل دراسة الشباب النابغ، حتى تكسبه مستقبلاً، وتوفر مؤسسات دوائية وأخرى كيميائية، الأموال اللازمة لتمويل أبحاث علمية للتخرج، تعتقد أنها ستخدم العلم. أما مؤسسات النفط العملاقة، فإنها تتبارى في مجالات معينة لخدمة المجتمع، وقد اختارت إحداها أن تمول منذ عام 1952م، وبانتظام (أبحاث دراسة الشباب).

 

وتتناول في هذه الدراسات، النقاط التالية:

* الشباب ونظرته إلى المستقبل

* دور الأسرة، والمدرسة، وأوقات الفراغ.

* علاقة الشباب بالسياسة.

*مفاهيم عصرية لقيم موروثة.

* الفروق بين الجنسين في الاهتمامات.

وتقع الدراسة التي مولتها في ألمانيا، شركة (شل) العملاقة، في أكثر من مئتي صفحة، وعكف عليها أربعة من كبار علماء الاجتماع، بالتعاون مع معهد دراسات المجتمع، والكثير من الاختصاصيين الذين طرحوا الأسئلة على أكثر من 2500 شاب وشابة، تتراوح أعمارهم بين 12 و25 عامًا.

ويكفي للتدليل على أهمية هذه الدراسة، أن نعرف أن كل المسؤولين الذين يتحدثون عن قضايا الشباب، يستندون دائمًا إلى نتائج هذه الدراسة، باعتبارها المرجع الأساسي في هذا الشأن، (حتى كتاب حقائق عن ألمانيا، الذي توزعه الدوائر الحكومية الألمانية بالكثير من اللغات، يعتمد على معلومات هذه الدراسة).

متفائل وعملي

فرضت عملية توسيع الاتحاد الأوروبي، لتشمل دول شرق أوروبا، واقعًا جديدًا يتمثل في انتقال الكثير من الشركات الصناعية الأوروبية الغربية إلى جهة الشرق لخفض التكاليف، الأمر الذي قلل من حظوظ الشباب في غرب أوروبا، في الحصول على وظيفة، إلا إذا توفرت لديه من المؤهلات، ما يجعله متفوقًا على أترابه هناك، وقادرًا على خوض الزحام في سوق العمل، والعثور على أكثر من فرصة.

ورغم كل هذه الصعوبات، فقد توصلت الدراسة إلى أن أهم ما يتصف به الشباب، هو التفاؤل في الغد، والثقة بأن تعب اليوم في المدرسة وخارجها من دورات لغات، ودراسات في الكمبيوتر، وغيرها كثير، سيؤتي ثماره بعد الالتحاق بالعمل المناسب.

كما أبدى علماء الاجتماع اهتمامًا بظاهرة عجيبة، تتمثل في القدرة الفائقة للشباب على الجمع بين قيم مختلفة في إطار واحد، فمثلاً يرى كثيرون منهم، عدم وجود أي تناقض بين الاجتهاد وحب السلطة، أو بين القدرة الإبداعية والارتقاء بالمستوى المعيشي، وكذلك بين دفء الأسرة، والشعور بالأمن.

ولا يعتقد الشباب أن حياتهم ستكون خالية من الصعاب، ولكن هناك إصرار لدى الكثيرين منهم على الحفاظ على استقلاليته، والمطالبة بإتاحة الفرصة له لحل مشاكله بنفسه.

أما ما توصلت إليه الدراسة وكان متوقعًا، فهو أن الشباب يولي حسن المظهر والأناقة أهمية كبرى، والحرص على ارتداء ملابس من ماركات عالمية، واقتناء التقنيات الحديثة من كمبيوتر إلى الهاتف النقال، واعتبار المنصب الكبير، والوفاء في العلاقات الاجتماعية، من أسمى الأهداف والمبادئ.

نتيجة هامة أخرى توصل إليها الباحثون، وهي أن الصورة المرسومة في أذهان الكثيرين للشباب، الثائر على كل ما حوله، الرافض للتراث والتقاليد، لم تعد صحيحة، إذ توصل الجيل الجديد، على ما يبدو، إلى قناعة بأن الرفض من أجل الرفض لم يعد ذا معزى، واستفزاز الأهل بوضع الحلي في الأنوف والألسنة، ينجح في تحقيق ذلك، ولكنه في الوقت نفسه يجعل نظرة المجتمع إليهم سلبية، ويقف حائلاً أمام تعيينهم في وظيفة مرموقة، مهما كانت المؤهلات.

 

إدراك أهمية التعليم

ما عاد الشباب يشعر بأنه مرغم على التوجه للمدرسة أو المعهد أو الجامعة، بسبب إكراه الأهل له على ذلك، ولا لأن هناك إلزامية تعليم، بل ترسخت في السنوات الماضية قناعة بأن الوظائف العضلية لا الذهنية لم يعد لها وجود، وأن أجورها زهيدة للغاية، ولم تعد تكفي لتمويل حتى أساسيات الحياة.

وقد توصلت الدراسة إلى أن 48% من فئة الشباب، وهم الفئة العمرية التي تتراوح بين 12 و25 سنة، ما زالت في التعليم المدرسي، مقابل 12% في التعليم الجامعي، و17% قد دخلوا بالفعل سوق العمل، و2% فقط عاطلون عن العمل. أما النسبة المتبقية فهي بصدد الحصول على وظيفة، لكنها لم تلتحق بها بعد، أو لم تحسم أمرها بعد.

وبعد أن كان الحصول على شهادة الثانوية العامة، للالتحاق بالتعليم الجامعي، أملاً لا يسعى الكثيرون إلى تحقيقه سابقًا، أصبح نصف الشباب تقريبًا، عازماً على الدراسة في الجامعة، أو في معهد فني عال، وقد ظهر أن نسبة الفتيات الحاصلات على الثانوية العامة أكثر من البنين.

ومن النتائج المؤلمة لهذه الدراسة، أن التعليم الجامعي أصبح (موروثًا)، بمعني أن ثلاثة أرباع الطلاب الجامعيين، جاؤوا من أسر حصل الوالدان أو أحدهما، على الأقل، على مؤهل جامعي من قبل، ولم يتمكن أبناء الأسر المتواضعة ثقافيًا من إلحاق أبنائها بالجامعات، إلا بنسبة ربع الجامعيين. مما يعني سلفًا أن فرص العمل، والمستوى المعيشي، والمكانة الاجتماعية قدر محتوم على الأبناء، حتى من قبل أن يولدوا.

 

(الشّلة) والأسرة والوظيفة

رغم ما تحظى به جماعة الأصدقاء (الشلة) من أهمية لدى الشباب، حيث أدلى 70% منهم، بأنهم أعضاء في مثل هذه (الشلل)، يجدون فيها الصديق، والصاحب في الرحلات، والناصح عند الأزمات، والمتفهم للمشاعر، فإن نسبة متزايدة من الشباب، تصل إلى حوالي 25%، لا تجد ضرورة لترك بيت الأهل، حتى تتمكن من اكتساب الشعور بالاستقلال والنضج، بل تفضل البقاء في كنف الأسرة.

ولعلها المرة الأولى التي تبلغ فيها نسبة الشباب الذي يعلن عدم وجود مشكلات كبيرة بينه وبين والديه، معدلاً خياليًا مقداره 90%. ولا يقف الأمر عند ذلك، بل اعتبر ثلاثة أرباع الشباب أنهم يتمنون أن يقدموا لأبنائهم من التربية والرعاية، ما تلقوه من أهلهم. كل ذلك دفع بعض علماء الاجتماع لاعتبار الشباب الحالي (جيلاً أسريًا).

ويظهر هذا التوجه أيضًا في تغير النظرة السابقة، التي كانت تتمثل في رفض الشباب للزواج أمام الدوائر الحكومية، وتفضيل العلاقات غير المقننة، بحيث تبدأ وتنتهي دون أي عواقب قانونية، ولا التزامات إنفاق. أما الآن فقد تبين أن 75% من الفتيات، و65% من الفتيان، يعتزمون تكوين أسرة، ويرون أنها (مصدر السعادة)، وبلغت نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25سنة، ولديهم أطفال 4% فقط، وفي الفئة العمرية بين 22 و 25 سنة، لا تزيد نسبة من عندهم أطفال عن 7%. ويتضح أيضًا أن هناك فرقاً كبيرًا بين الطموحات والواقع، فيما يتعلق بتربية أطفال. ويعود التراجع الحاد في أعداد المواليد، إلى حرص الكثير من الفتيات على مستقبلهن الوظيفي، وعندما ينتبهن إلى تقدم أعمارهم، ويحاولن الإنجاب يتعرضن للإجهاض، أو يكون أوان الإنجاب قد فات.

 

تبدل القيم والمفاهيم السياسية

بعد أن كان جيل الشباب فيما مضى يعشق الخروج في المظاهرات للاحتجاج على كل شيء، على تلوث البيئة، على النفايات النووية، على الحرب في كل مكان، وعلى دخول الأحزاب اليمينية العنصرية في بعض البرلمانات الأوروبية، أصبح الجيل الجديد أكثر ميلاً للانشغال بمشاكله الشخصية، فيسعى إلى تطوير مؤهلاته، وإلى طريقة لتمويل الدراسة، أو للحصول على مكان للتدريب على عمل مهني، في أثناء الدراسة، حتى يجمع بين النظرية والتطبيق، ويكتسب الخبرة في واقع الحياة العملية.

وأصبحت أولويات الجيل الحالي، هي: القدرة على الإنجاز، والشعور بالأمان، وامتلاك القوة والقدرة على التأثير في الآخرين، في حين كانت في الثمانينيات من القرن العشرين، هي الاجتهاد والطموح، إضافة إلى المشاركة في العمل السياسي.

وبعد أن كان الشباب في الماضي الفئة الناقدة للمجتمع، أصبحوا الفئة النابعة من وسط المجتمع، وحتى الطلاب الجامعيون الذين كانوا يقودون الثورات الاجتماعية، أصبحوا جزءًا رئيسًا من الاتجاه العام السائد في المجتمع، البعيد عن السياسة.

ورغم تأكيد الأغلبية العظمى من الشباب في الغرب تمسكهم بالديموقراطية، والتعددية، وحرية الرأي، وحرية الصحافة، فإن 52% منهم، يبدون تشككًا في دور الأحزاب السياسية، ولا يعتقدون أنها تمثل مصالحهم، بقدر سعي هذه الأحزاب إلى الوصول إلى السلطة، وتنفيذ البرنامج الحزبي، بدلاً من التركيز على مصالح المواطنين. ولكنهم في المقابل يمنحون المزيد من الثقة لمؤسسات المجتمع المدني، مثل القضاء، والنقابات العمالية، وكذلك المؤسسات الدينية، والجمعيات الخيرية، إضافة إلى الشرطة، وجمعيات حقوق الإنسان وحماية البيئة.

ويعتبر أغلبيتهم أنهم من تيار يسار الوسط، ولكن هناك نفور متزايد من (حزب الخضر)، لأنه منذ شارك في الائتلافات الحاكمة، أصبح صورة باهتة من بعض الأحزاب الأخرى، وتخلى عن الكثير من المبادئ التي طالما دعا إليها، مثل تصدير الأسلحة، وخروج القوات المسلحة في مهام خارج الحدود، وتصدير أخطر أنواع الأسلحة على مناطق الأزمات في كل مكان من العالم.

ويبدو أن انشغال الشباب في الغرب بالبحث عن لقمة العيش، والخوف من البطالة، يدفعهم إلى الأنانية الشخصية، وعدم التفكير في المجتمع الإقليمي، ناهيك من القضايا الكونية، وبالعكس يتنامى الاهتمام بالقضايا الإنسانية الكبرى بعد أن تشبع البطن في مجتمع الرفاهية.

 

اختلافات بين الجنسين

وترى الدراسة أن تبدل القيم يظهر في أجلى صوره عند الفتيات، وتصف الإناث في الجيل الجديد، بأنهن أكبر طموحًا، وأكثر ثقة بالنفس، بل إنهن أصبحن يتبنين المثل العليا التي كانت مميزة للذكور من قبل، فأصبحن لا يتورعن عن الاعتراف برغبتهن في امتلاك السلطة، وأن يكون لهن تأثير فيمن حولهن، ولكن بدرجة أقل قليلاً من الذكور، ويشتركن معهم في الحرص على المستقبل الوظيفي، والاستقلالية الشخصية، وتحمل المسؤولية.

ولكنّ الباحثين توصلوا إلى استمرار وجود بعض الخصوصيات للفتيات والشابات، فهن مازلن أكثر تأثرًا بالعواطف، وأكثر تسامحًا، وأكبر وعيًا بحماية البيئة، وأكثر عطاء لتحقيق العدالة الاجتماعية، مع استمرار الفجوة بينهن وبين الذكور من الشباب، في الاهتمام بالتقنية الحديثة، لصالح الذكور. كما تحتل الحياة الأسرية، والوفاء لشريك الحياة، لديهن مكانة أكبر.

أما الظاهرة التي أثارت إعجاب علماء الاجتماع أيضًا، هي ما أطلقوا عليه (نفض الغبار عن قيم الماضي)، وذلك لأنهم استبدلوا بالمحتوى القديم لهذه القيم، مضمونًا يتوافق مع روح العصر، وبذلك أمكن الاحتفاظ بركائز الأجيال السابقة، مثل: النظام والشعور بالأمان والاجتهاد.

 

أربع شخصيات في مجتمع الشباب

وخلص الباحثون إلى أن هناك أربع شخصيات مختلفة في مجتمع الشباب، وهي:

* الشخص المبادر الواثق في نفسه.

* الشخص المثالي العملي.

* الشخص المادي الصلد.

* الشخص الخجل المتردد.

ويمثل الشخص الأول، المبادر الواثق بنفسه، الجماعة الصاعدة من الطبقة العريضة، وهي الطبقة المتوسطة في المجتمع، من كلا الجنسين، ويتصف أفراد هذه الجماعة بالطموح الكبير، والسعي للحصول على موقع مؤثر في المجتمع، و بالمشاركة الفعالة في نمو المجتمع. وقد تشكلت هذه الجماعة تبعاً لأسلوب تربيتها، المحفزّ لها إلى الأمام، والذي تعلمت منه المطالبة بحقها كاملاً غير منقوص، مما وفر لها سندًا نفسيًا قوياً، وتتميز أيضًا بشخصية قوية، وبتفاعل نشط مع المجتمع.

والشخص الثاني، المثالي العملي، يعتبر دعامة قوية للشخص الأول، وهو يمثل جماعة المتفائلين، المثاليين العمليين، والتي ينحدر أفرادها من صفوة المجتمع أكاديميًا، في أغلب الأحيان، علمًا بأن 60% من أفراد هذه الجماعة، هي من الإناث، ويكون تركيز هذه المجموعة منصبًا على الجوانب الإنسانية من الحياة، وتجدهم ينشطون لمساعدة الآخرين، ولحماية البيئة، ولكنهم يختلفون عن جماعة (ما بعد المادية)، التي كانت موجودة في السبعينيات من القرن الماضي، في أن الجيل الحالي من المثاليين، يكون أكثر وعيًا بعنصر الأمان، فلا يربط نفسه بقضبان السكك الحديدية، حتى يحول دون نقل حاويات النفايات النووية، ولا يعلن نفسه فوق ناطحة سحاب، ليلفت أنظار العالم إلى نزع أشجار الغابات، بل يصر على احترام القوانين والأنظمة السائدة، ويؤمن بالتنافس الشريف، لإثبات القدرة على العطاء.

وفي مقابل هذين النموذجين من الأشخاص اللذين غالبًا ما يحالفهما التوفيق في حياتهما، فإن الشخصين الثالث والرابع يمثلان شريحتين يميل أفرادهما إلى الفشل، فهما ضعاف في المدرسة، بسبب مشاكل في الشخصية، لكن الفرق بينهما يتمثل في أن الشخص الثالث، المادي الصلد، وهو غالبًا ما يكون من الذكور، لا يستطيع كتم مشاعره، بل يسعى دومًا لإظهار قوته، الخارجية على الأقل، ولا يبالي بالقواعد المنظمة للعلاقات، بل يتعمد خرق النظم.

ورغم أن أفراد هذه المجموعة، كثيرًا ما يكونون منحدرين من (الطبقة السفلى) في المجتمع، فإنهم ينظرون بازدراء إلى من هم دونهم، أو مثلهم، وهذه المجموعة هي التي تمارس العنف ضد الأجانب، لاعتقادها بضعفهم، وبأنهم منافسون لهم في خيرات مجتمعهم. وينظر أفراد هذه الفئة إلى النظامين الاجتماعي والسياسي السائدين، بريبة بالغة، وبسخط كبير، ويميل جزء من هؤلاء إلى التطرف في أفكاره السياسية. ويحتاج أفراد هذه المجموعة، خصوصاً إذا كانت ميالة إلى العنف، إلى فرض قيود صارمة عليهم، لأنهم لا يفهمون لغة أخرى، ولا يجوز التراجع عن هذه الصرامة في التعامل معهم، حتى تظهر دلائل التبدل الكبير، في شخصياتهم، وعندها يمكن اللجوء إلى أساليب أكثر رقة، ودعم عودتهم للمجتمع.

أما الشخص الرابع، الخجل المتردد، فهو سريع الشعور بالإحباط والنفور من الآخرين، في حالة التعرض لموقف محرج، ولم يتعلم كيف يبادر بالدفاع عن مصالحه، أو لا يريد من الأساس الدفاع عنها، وتنشأ لديه تدريجيًا، حالة من الميل لأقرانه من الضعاف فقط، مقابل البعد عن أي شخصية قوية. ويحتاج أفراد هذه الجماعة، إلى إعادة جسور العلاقة مع المجتمع، للخروج بهم من سلبيتهم، وعزلتهم عن بقية أفراد المجتمع.

 

ختامًا:

لو خرجنا من الحلقة المفرغة، المتمثلة في اعتبار فترة الشباب، فترة مراهقة جنسية، لا همّ للشباب فيها إلا البحث عن المتعة، والتفكير في الجنس الآخر، والشعور بالذنب من هذا التفكير، وتوقف حياته، وكبت قدراته الإبداعية، وعجزه عن المساهمة في حمل المسؤولية في مجتمعه، وبدلاً من أن يطلق عينيه في الكون، يبحث ويطور، ويبتكر، يظل يفكر: هل هذه هي النظرة الأولى أم الثانية، ويتحول الكمبيوتر من وسيلة بحث ومعرفة، إلى وسيلة ساذجة، لتبادل حديث تافه في ساحات الدردشة السقيمة، وبدلاً من النظر إلى الآخر باعتباره مواطناً، أو وافداً، ننظر إليه باعتباره طاقة متوفرة، نتعاون معها، ما دام يوفر طاقته لخدمة وطننا.

لعل شباب الجيل الحالي، يتخلص من ركام الماضي المستمد من عادات سقيمة، وتقاليد بالية، ليعيد لديننا صفاءه، وليطلق عناء فكره، لتتجمع طاقات تجعل مجتمعاتنا حصيلة تراكمية لملايين العقول، لا ركامًا لملايين العقول الخاوية.

 

_______________________

المراجع:

1)- 1Shell Jugendstudie، Fischer Taschenbuch Verlag، 5.Auflage، Juli 2004

2) Stephan Reinmund Senge u.Adam Wienand:Ist

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply