واجبات الشباب المسلم الجزء الثاني


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

التسلح بالعلم والثقافة:

لازلنا نتحدث عن الشباب وأهمية الشباب ودور الشباب في الإسلام، وفي الخطبة الماضية تحدثنا عن واجبات الشباب وذكرنا سبعة واجبات على الشباب وبقي هناك واجبات ثلاثة، الواجب الثامن بعد السبعة الماضية أن يتسلح بالعلم والثقافة، أن يتفوق في اختصاصه، أن يبذل جهده في طلب العلم ، نحن للأسف موسومون بأننا من العالم المتخلف الذي يسمونه العالم الثالث، وبعض بلاد المسلمين لو كان هناك عالم رابع لنسب إليه، لازالت الأمية تسود في كثير من بلاد الإسلام، ولازال بعض الناس يعتقدون أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام، وهذا غير صحيح بالمرة، فيوم كان المسلمون مسلمين ويوم كان الإسلام إسلاماً كانوا المسلمين هم الأمة الأولى، والعالم الأول في هذه الدنيا، قادت حضارتهم العالم حوالي عشرة قرون كان المسلمون فيها هم السادة والرادة والقادة، وكان العالم يتعلم على أيديهم، ويتعلم في مدارسهم وجامعاتهم، وكانت اللغة العربية هي لغة العلم ، ومن يريد من أبناء أوروبا أن يظهر أنه إنسان مثقف أو متقدم تكلم بعض ألفاظ بالعربية، كما يفعل كثيرون الآن حينما يكلِّمونك فيدخلون في كلامهم كلمات بالإنجليزية أو بالفرنسية ليشعروك أنهم من أهل التقدم والحضارة، هكذا كنا وينبغي أن نعود إلى ما كنا عليه، ولا يكون هذا إلا إذا أتقنَّا العلم وتفوقنا فيه، ليس علم الشريعة وحده، كل علم في هذه الدنيا ، يجب أن نرقى في كل فنون العلم ، في الفيزياء، في الكيمياء، في الأحياء، في الرياضيات، في الطب، في الفلك، في التشريح، في علوم الذرة، ينبغي أن يكون لنا نصيب منها، ولا نكون عالة على غيرنا كما هو شأننا اليوم، نحن لسنا أغبياء، فينا النوابغ، وفينا العباقرة في كل ناحية من نواحي الحياة، ولكن نرجو من أبناءنا أن يبذلوا الجهد في طلب العلم، أسلافنا قالوا: "إن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك"، أن تعطي العلم كل جهدك وكل همك وكل وقتك وكل فكرك، وهو يعطيك بعض ما عنده، لأن العلم بحر لا ساحل له، ولا قرار له، وصدق الله العظيم إذ يقول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)، فنحن في دائرة هذا القليل نتنافس، ونسعى ونكدح ونجاهد وهذا هو واجبنا، نوصي الشباب أن يتسلح بالعلم، بعض الشبابأرسلوا لي منذ سنوات، كان بعضهم متفوقاً في علم الدنيا، طالب تفوق في كلية الهندسة، وكان ناجحاً بامتياز وهو أول دفعته، ومع هذا أرسل إليّ يقول: إني أريد أن أترك الهندسة لأتعلم الشريعة ، هذا خطأ في التفكير، إن تفوقه في الهندسة بحيث ينفع وطنه وأمته، حيث ينتزع القيادة من غير المسلمين، وغير المتدينين وغير المؤمنين، هذا تعبٌّد لله تبارك و-تعالى-، يستطيع كل إنسان أن يتعبَّد إلى ربه فيما يُسَّر له من عمل، يستطيع طالب الطب وطالب الهندسة، وطالب الفيزياء وطالب الكيمياء، وطالب الفلك وطالب الذرة أن يخدم دينه وأن يتقرب إلى ربه بإتقان ما تخصص فيه، ليس العلم الشرعي وحده هو الذي يقرِّب الإنسان من الله، قد يدرس الإنسان علم الشرع وهو بعيد عن الله، وقد يدرس الإنسان علم الشرع فيستخدمه في اتِّباع الأهواء، أهواء النفس أو أهواء الغير، إرضاء السلاطين والحكام تارة، أو إرضاء العوام والجماهير تارة أخرى، بذلك يكون العلم وبالاً عليه، هذا هو العلم الذي لا ينفع، يجب على الشاب المسلم أن يتقن العلم الذي هيَّأه الله له، ويسَّر له سبيله، وأن يعتبر ذلك لوناً من الجهاد في سبيل الله، والتعبٌّد لله - عز وجل -، هذا هو الواجب الثامن.

 

التسلح بالثقة والأمل:

الواجب التاسع أن يتسلح بالثقة والأمل، الثقة بنفسه والأمل في ربه، الثقة بيومه واليقين بغده، لا ييأس ولا يقنط ولا يملّ كما يملّ الكثيرون في عصرنا، لابد أن يدأب لا يعتريه كلل ولا ملل، وهو موقن بأن غده أفضل من يومه، وأن يومه أفضل من أمسه، هكذا ينبغي أن يكون المسلم. مما نعانيه في عصرنا موجة اليأس والقنوط التي تعتري كثيراً من الشباب، حيث يقول لك: لا فائدة لا يمكن لهذه الأمة أن تتقدم، ولا يمكن لحالها أن يصلح، ولا يمكن لكذا ولا كذا، هذا اليأس قاتل وليس من شيمة المسلم، اليأس من لوازم الكفر، والقنوط من مظاهر الضلال كما قال الله تبارك و-تعالى- (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) كما قال عن لسان إبراهيم (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) لا يأس ولا قنوط، الأمل دائماً كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو في مكة في فجر الدعوة والمسلمون قليل مستضعفون في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، والبلاء يُصَب عليهم من كل جانب، وسياط العذاب تنـزل عليهم من هنا وهناك، ومع هذا كان واثقاً بالنصر، واثقاً بأن هذه الدعوة سترتفع رايتها وتعلو كلمتها، كان يدعو الناس يمرٌّوا في مواسم الحج يج ويعِدُهم إذا دخلوا في دينه أن يرثوا ممالك كسرى وقيصر، فيقول له الناس: كسرى بن هرمز!! فيقول: نعم كسرى بن هرمز.

هكذا ينبغي أن يتسلح الشاب المسلم بهذا الأمل بهذه الثقة بهذا الطموح، نجد من شباب المسلمين محمد الفاتح، محمد بن مراد فاتح القسطنطينية، الشاب العثماني التركي الذي افتتح القسطنطينية وهو ابن الثالثة والعشرين من عمره، فكَّر ذلك وهو التاسعة عشرة، كيف يفتح القسطنطينية؟ هذا البلد الحصين المكين الذي عجز الكثيرون أن يخترقوه ويفتحوه منذ عهد الصحابة ، فكَّر هذا الشاب حينما قرأ حديثاً رواه الحاكم وغيره "لتُفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" وتعلَّق قلبه أن يكون هو هذا الأمير وأن يكون جيشه هو ذلك الجيش، وفكَّر وخطَّط ودبَّر وهيأ الله له أن يحقق هذا الأمل الذي استعصى على غيره، وفتح القسطنطينية، وقصة فتح القسطنطينية يجب أن تُدرس، فهي درس من دروس التاريخ، استطاع هذا الشاب أن يفتح القسطنطينية وأن يدخلها وأن تصبح عاصمة الإسلام لعدة قرون، سُميت إسلام بول أو استانبول كما نسميها الآن، هذا هو الشباب الطموح، أسامة بن زيد ولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- إمارة الجيش وهو ابن الثامنة عشرة وكان جيشاً فيه كثير من كبار الصحابة ، لأن النبي-عليه الصلاة والسلام- كان يدرِّب الشباب على أن يتحملوا المسؤولية ليسلِّحهم بالثقة بأنفسهم، حينما هاجر إلى المدينة، جعل عليّ بن أبي طالب يبيت مكانه ويتعرض للخطر، وكلَّفه أن يرد الأمانات إلى أهلها، فقد كان المشركون رغم عداوتهم وخلافهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتمنونه على نفائس أموالهم ، ويضعونها عنده، وكان -عليه الصلاة والسلام- عند حسن الظن فلم يقل: هؤلاء القوم أخرجوني من داري وشرَّدوني من أهلي فلآخذ أموالهم ، لا.. بل أمر عليّاً أن يرد هذه الأموال والنفائس والأمانات إلى أهلها، كلَّف أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين أن تأتي إليه في الغار بالطعام والأنباء، وهو غار عالٍ, وعر، لكن هذه الفتاة كانت تذهب إليه في كل يوم إلى غار ثور، كلَّف الصحابة بعث معاذ بن جبل وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره إلى اليمن، ولَّى عتَّاب بن أسيد جعله أميراً على مكة وهو ابن العشرين، وهكذا، وكان عمر -رضي الله عنه- يحضر الشباب في مجلسه ويستفيد من رأيهم وحماسهم وكان يقول لابن عباس، ماذا تقول في كذا يا ابن عباس، تحدث ولا يمنعك حداثة سِنِّك، هكذا ينبغي للشباب أن يتسلح بالثقة والأمل، وجدنا الإمام الشافعي يتصدر المجالس للتعليم والفُتيا وهو لم يبلغ العشرين، وقد مات -رضي الله عنه- بعد أن ملأ الدنيا علماً وهو لم يكمل الرابعة والخمسين من عمره، الإمام النووي ملأ الأرض علماً، فقهاً، وحديثاً وتاريخاً، وقد مات وهو ابن بضع وأربعين سنة، في عصرنا نجد الكثيرين من الدعاة والمصلحين والمجددين بدءوا حياتهم شباباً، حسن البنا، أبا الأعلى المودودي، عبد الحميد ابن باديس، مصطفى السباعي، الكثيرون من هؤلاء جميعاً بدءوا في مرحلة الشباب ، حسن البنا بدأ وهو ابن العشرين من عمره وأنشأ جماعته ـ الجماع ة الأم لكل الجماع ات الإسلامية بعد ذلك ـ وهو في الثانية والعشرين من عمره، كان شاباً ولكنه كان عنده أمل وثقة وطموح، في امتحان دار العلوم سأله أحد الشيوخ عما يحفظ من الشعر قال له: هل تحفظوا معلَّقة طرفة؟ قال: نعم، قال: أي بيت أعجبك فيها؟ فقال له: قول طرفة:

إذا القوم قالوا ما انفتن *** خلت أنني عُنيت فلم أكلَّ ولم أتبلَّد

قال له: فتح الله عليك، كنت أسألك من أجل هذا، هذا هو بيت القصيد في هذه المعلَّقة، كان يتمثل بقول المتنبي:

يقولون لي ما أنت في كل بلدة  وما تبتغي؟ ما أبتغي جَلَّ أن يُسمى

لا أستطيع أن أبوح به، آمال كبار وأحلام عِظام، هذا هو الشباب ، لا نريد هذا الشباب المائع الذي يتسكع في الطرقات ويعاكس الفتيات وليس له أمل ولا طموح في الحياة، نريد الشاب الذي يتسلح بالثقة والأمل، أما هذا الشباب الذي قال فيهم الشاعر محمود غنيم -رحمه الله- يقول:

شباب العرب يا زين الشباب   ويا أشبال آساد غضــاب

أرى منكم فريقاً حين يمشـي  يحُكٌّ بأنفه متن السحــاب

كليث الغاب في صنف وكبر  وليس لدى الكريهة ليث غاب

تفنن في محاكاة العــذارى   وخالفهن في وضع النقــاب

كان العذارى قديماً يلبسن النُقُب، يقول: هو يتشبه بالعذارى وبالنساء وإن كان لا يلبس النقاب ، طبعاً لم يعد الفتيات يلبسن النقاب في كثير من البلدان، ثم يقول:

ولا يخشى على شيء ويخشى   إذا ثار الغبار على الثياب

كل ما يهمه التأنق في الزي، التجمل في الشكل، الصورة لا الحقيقة، إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم، ينبغي أن يتسلح الشباب بالثقة والأمل، هذا هو الواجب التاسع.

 

التعاون مع إخوانه:

والواجب العاشر على شبابنا أن يعمل مترابطاً متعاوناً مع إخوانه، العمل الفردي لخدمة هذا الدين لا يكفي، لا يكفي أن تعمل وحدك فإنما يأكل الذئب من الغنم الشاردة، الشاة في وسط القطيع محمية بالقطيع، فإذا شردت عنه وبعدت منه، التهمها الذئب وافترسها، فاحتمِ بإخوانك، ضع يدك في أيدي الصالحين منهم، وتعاونوا على البر والتقوى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، "يد الله مع الجماعة" ومن شذَّ شذَّ في النار ، الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، هكذا علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيا أخي الشاب لا تعش وحدك، فيصيبك الاكتئاب ويصيبك الهم وتراودك الأفكار وتسيطر عليك أشياء باطلة، كن مع إخوانك، المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوي بجماعته ومن هنا قال القرآن الكريم (والعصر * إن الإنسان لفي خُسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) لماذا لم يقل القرآن (إلا الذي آمن وعمل صالحاً) لأنه لا يتصور الإنسان الناج من الخُسر إلا في جماعة، (إلا الذين آمنوا) الجماعة هي الناجية (إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق) هذا التعبير يفيد في اللغة التفاعل من الجانبين، أي توصي غيرك بالحق وتقبل الوصية من غيرك بالحق، فليس هناك إنسان أصغر من أن يوصي ولا إنسان آخر أكبر من أن يوصى، لابد أن توصي وتوصى، هذا معنى التواصي (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وإن كان التواصي بالصبر مقروناً بالتواصي بالحق، لأن الحق ثقيل التكاليف، الحق مُرّ لا يتجرَّعه إلا حُرّ، طريق الحق مفروشة بالأشواك لا بالأزاهير، مضرجة بالدماء، مليئة بالجثث والضحايا، فلابد أن توطِّن نفسك على هذا، نريد من الشاب أن يتعاون مع غيره من المؤمنين الصالحين، من أجل هذا عرف عصرنا الجمعيات، الناس تعمل في شكل جمعيات، حتى يشد بعضها أزر بعض، ويقوِّي بعضها بعضاً، هكذا ينبغي، لا تعش وحدك فيصيبك الاكتئاب والقلق ، ولكن كن مع إخوانك دائماً، من أجل هذا شرع الإسلام الجماعة، وجعلها أفضل من صلاة الفرد بسبعٍ, وعشرين درجة، حتى يغرس في نفس الإنسان المؤمن الروح الجماعية، والشعور الجماعي، والتفكير الجماعي، ولهذا يقول الإنسان المسلم وهو في صلاته وهو يناجي ربه ويقرأ الفاتحة، يقول ولو كان في عقر بيته منفرداً وحده (إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم) لا يقول (إياك اعبد) يتكلم بلسان الجماعة، لأن الجماعة تحيى في ضميره، وتتمثل على لسانه، إنه دائماً يستوحيها، ويستشعرها ويستحضرها، ويعلم أنه عضو في جسمها، وواحد في قافلتها، هكذا يناجي ربه بصيغة الجماعة (إياك نعبد وإياك نستعين) ويدعوه بلسان الجماعة (اهدنا الصراط المستقيم) لا يدعُ بالهداية لنفسه فقط، إنما يدعو للمؤمنين جميعاً، يحشر نفسه في زمرتهم لعل عنده عوائق أو موانع تحول دون إجابة دعائه بينه وبين إجابة الدعاء ، إذا أدخل نفسه في زمرة المؤمنين فعسى الله أن يتقبله معهم، (اهدنا الصراط المستقيم) هذا هو الواجب العاشر.

 

الحذر من الفتن:

ثم على الشاب المسلم بعد ذلك أن يحذر من المخاطر التي قد تُضِلٌّه وتهوي به في طريق سحيق تنـزل به إلى الهاوية التي لا مرجع منها والعياذ بالله، إلا أن يتوب الله عليه ليحذر الشاب المسلم من المُضِلَّات من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وخصوصاً فتن هذا العصر، ينبغي أن يحذر من الاستجابة لنداء الغريزة فهناك سماسرة يريدون أن يُضِلّوا الشباب ويفتنوهم عن دينهم عن طريق الغريزة، وخصوصاً إذا سافر الشباب إلى بلاد أخرى منذ ينـزلون من الطائرة فإن هؤلاء السماسرة لهم بالمرصاد، يأخذوهم إلى تلك الأماكن النجسة والملوثة ليسرقوا أموالهم وشبابهم وأخلاقهم ودينهم، وعلى الشاب المسلم أن يحذر من ذلك وقد خاطب النبي -عليه الصلاة والسلام- الشباب فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء" يديم الصوم ويديم العبادة ويتقرب إلى الله حتى يكتسب ملكة التقوى التي تعصمه من اتباع الهوى والنـزول على حكم الشهوات، وعلى الشاب المسلم أن يحذر من الاسترسال في اللهو، لا مانع أن يلهو باللهو البريء، ولكن في عصرنا تفنَّن الناس في اللهو، لم يكتفوا باللهو البريء وإنما هناك اللهو المسيء، اللهو المحرَّم، وهناك حتى اللهو البريء نفسه ينبغي أن يكون بقدر، الحياة حياة جادة فيها لهو وليست حياة لاهية فيها جد، الجد هو الأصل واللهو هو الرخصة والاستثناء، أما أن تصبح الحياة كلها لهواً فلا ينبغي، كان عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: "أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح" لابد أن يكون هناك مزاح وأن يكون هناك فكاهة وأن يكون هناك ضحك ولكن كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"، إذا كان الإسلام يكره الإسراف في العبادة ويقول لمن غلا في عبادته في صيامه وقيامه وقراءته: قف عند حدك "إن لبدنك عليك حقاً، إن لعينك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً" هذا في العبادة فكيف في اللهو؟ كيف يسرف الإنسان في اللهو يصبح فيه ويمسي فيه ويضحي فيه، هذا لا يليق بشاب مسلم ولا يليق بأمة جادة تريد أن تتبوأ مكانتها لتستعيد مجدها، وأن تأخذ حقها من يد أعدائها.

 

الحذر من الثقافة المسمومة:

ثم على الشاب بعد ذلك أن يحذر من الثقافة المسمومة، لقد ابتُلينا في عصرنا بثقافة مسمومة تتمثل فيما يُقرأ وفيما يُسمع وفيما يُشاهد، أجهزة جبارة تعمل عملها لتلويث الفكر وتضليل النفس، وإبعاد الإنسان عن ربه، فلابد للشاب المسلم أن يحذر من هذه الثقافة، ويتخيَّر منها ما ينفع ويدع ما لا ينفع، لابد أن يكون عنده وعي وبصيرة حيث يعرف الخبيث من الطيب والجيد من الرديء والحلال من الحرام، هذا ينبغي أن يتفقه في دينه حتى يعرف ما له وما عليه، وما يجوز له وما لا يجوز، لقد ابتُلينا في عصرنا بأدوات الهدم الجبارة التي تتعاون على الشباب في الصباح والمساء، والليل والنهار، هذه الأدوات الهدامة ينبغي للشاب أن يحذر منها، فلا يقرأ كل ما تنشره المطابع، ولا يسمع كل ما يذيعه المذياع ولا يشاهد كل ما يُعرض في التلفاز، لا ينبغي أن ينتقي ما يصلح له وما لا يصلح، الوقت أغلى وأثمن، والعمر أنفس من أن يُنفق في هذه التُرَّهات، لا مانع أن يروِّح عن نفسه في بعض الأحيان ولكن يتخيَّر، ماذا يقرأ وماذا يسمع وماذا يرى هذا هو الواجب على الشباب ، أخطر ما نعانيه في عصرنا هو هذا الهدم المنظم للقيم والأخلاق والمفاهيم الإسلامية، هذا الهدم هو الذي يضيع ثمار إصلاح المصلحين، وتعليم المعلِّمين وتربية المربين وإرشاد المرشدين كما قال الشاعر:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه  إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

ويقول الآخر:

فلو ألف بانٍ, خلفهم هادم كفى  فكيف ببانٍ, خلفه ألف هادم

هادم واحد يكفي لأن يزيل آثار ألف بنَّاء، فكيف إذا كان الذي يبني واحد والذي يهدم ألف، خصوصاً الهدم في عصرنا بواسطة الألغام لا بواسطة الفأس والمعول وكذلك في المعنويات، الهدم بهذه الأجهزة الجبَّارة التي تدخل على الناس بيوتهم ومخادعهم وتؤثر في الكبير والصغير، والبدوي والحضري، والرجل والمرأة ، والمتعلم والأمي، ينبغي للشاب أن يحذر منها والوقاية خير من العلاج.

 

الأناة والحذر من الاستعجال:

وينبغي للشاب بعد ذلك أن يتعلم الأناة ويحذر من الاستعجال، كثير من الشباب المسلم يستعجلون قطف الثمرة قبل أوانها، ولابد للإنسان أن يصبر على مراحل النمو، لابد أن يصبر على البذرة حتى تنبت وعلى النبتة حتى تورق، وعلى الورقة حتى تزهر وعلى الزهرة حتى تثمر وعلى الثمرة حتى تنضج، فإذا نضجت وحان قطافها وجاء الوقت لاقتطافها اقتطفها بأمان وسلام ينبغي أن يصبر على هذه المراحل، بعض الناس يريد أن يزرع اليوم ويحصد غداً، أو يزرع في الصباح ويحصد في المساء، وليس هذا من سنة الله (فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً)، (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم)، الآفة هي العجلة عنده الكثيرين، ولذلك قد تدفعه العجلة إلى عمل غير صالح وغير نافع، وغير مشروع في كثير من الأحيان، نريد للشاب المسلم أن يحذر من بريق الكلمات التي توضع في غير موضعها، فللأسف في عصرنا قد شوهوا الكلمات وشوهوا المفاهيم، أصبح كثيرا من المفاهيم لا تؤدي ما تدل عليه حقيقة، أصبح الجهاد في سبيل الله عنفاً والدفاع عن الأوطان المغتصبة يسمى إرهاباً، والتكلم في شؤون المسلمين يسمى إسلاماً سياسياً إلى آخر هذه الكلمات الباطلة التي تظهر الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل، والنار في صورة الماء والماء في صورة النار ، ينبغي للشاب المسلم أن يتحصن بالوعي ولا تخدعه الألفاظ، العبرة ليست بالألفاظ والمباني ولكن بالمقاصد والمعاني، ليست العبرة بالأسماء والعناوين ولكن بالمسميات والمضامين، يجب أن نحدد المفاهيم ونعرف مدلولاتها ونأخذ ذلك من العلم الوثيق، من العلم اء الثقات لا من كل من هَبَّ ودَبَّ، هذا ما ينبغي للشاب المسلم أن يتحصن به وأن يحذر من هذه المُضِلَّات حتى يمضي على طريق مستقيم، يضع يده في يد الله ويقول (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم)

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply