شبابنا هم تربوي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 ثمة معمعة أو هجمة إعلامية في الإعلام الغربي حول شبابنا، الذين يفجرون أنفسهم، وحول الإرهاب الذي يدعونه يسكن في بلادنا الحبيبة.

وعلى الرغم من خطوط التماس الاقتصادية والسياسية التي ابتعثت مثل هذا الهياج الغربي فإنه من الظلم بمكان ترويج مثل هذا الخطاب في إعلامنا العربي ونحن أدرى بشبابنا، الذين تشكل فئة أو حالات منهم قليلة فهما سيئا وفاسدا. وإذا كانت هذه الضجة تشير إلى شيء يعانيه الجميع في كل مكان في العالم فإن التوجه الأمريكي الإعلامي ليس خالص النية بل هو حق يراد به باطل. ونحن من جهتنا علينا أن نواجه هذا السلوك غير الإنساني في مجتمع يزخر وجدانه بكل ما هو نبيل، وتهيئة العقول لمثل ذلك أمر ضروري، ليقف شبابنا على أبسط مسؤولياتهم تجاه أنفسهم ومجتمعاتهم والعالم الذي لا نريده أن يخترق مؤسساتنا وخطواتنا بتعميماته وأيدلوجيته منطلقا من وجهة نظر مكرسة، لا تهبنا فرصة الاستقصاء والتعرف إلى أنفسنا. وإذا انطلقنا من مبدأ حرية التعبير والتعرف في فحص لنفسنا وحياتنا فإن الاهتمام الرئيس ينصب على همومنا التربوية التعليمية فلا مشاحة في أن

النظر في مناهجنا التي لم تتطور، سواء على حل كثير من مشكلاتنا بل قل معضلاتنا، وخاصة فيما يتعلق بالطالب والهوية، وما يتبعه من تأصيل لقيم الانفتاح الحضاري في ضوء تعدد الثقافات وكذلك الدور الوطني والتنافس المعياري والمهنية ومعايرة الأداء التربوي التعليمي. في الدول التي تثير الغبار في ترابنا، يعاد النظر في المناهج كل سنة بما يطرأ على هذا الكون من تطورات ومتغيرات في المعلومات والعلوم والتفكير بسرعة مذهلة، في مجال التربية خصوصا، فالتطورات لا تقف عند حد في عالم يتحرك بسرعة البرق مصحوبة بزمجرة الرعود ولهيب الصواعق

 

أحيانا. وفي هذا المقام من المفيد أن يكون حيز الحرية الشخصية للتعبير عن الفرد مناسبا، وأن يؤخذ في الاعتبار عند محاولة الاقتراب من الكتب المدرسية من أجل الإصلاح مبادرات تطبيقية وتوظيف للفاعلية الذاتية في دراسة الوثائق واستخلاص الحقائق منها والتوصل إلى المعلومات بجهود ممنهجة يتم الإشراف المناسب عليها. وقد سعدت كثيرا بالجهود المبذولة من أجل وضع خطة للعشر السنوات المقبلة وحرص وكالة الوزارة للتطوير لإتاحة الفرصة للجميع من أجل المشاركة، وفي المقابل نجد أن نتائج الأبحاث التي أجراها مجلس التعاون الخليجي وأهم المشكلات التي تواجه نظام التعليم في دول مجلس التعاون تؤكد أن مشوار الإصلاح أخذ بالخطوة الأولى، وما زالت الخطط المستقبلية تنقصها آليات التسريع والتحضير، وكذلك ضبط الجودة والتقويم الذي يتعذر الوصول إليه دون آليات واضحة للاستفادة من التغذية لرجعة ومرونة التعديل. إن تكوين شخصية إنسانية سليمة تحتم المشاركة المسؤولة في صنعها قبل أن تتناوبها وتستغلها أفكار مكابرة ترى الحقيقة وحدها بين أيديها وترى الأمور من منظار واحد تغبش من طور النظر إلى جهة واحدة وجانب واحد لا ترى النور ولا تخرج إلى الهواء الطلق. مشروع

التطوير التربوي لا يقف عند حد المناهج، بل يدخل أو يتناسج فيه أداء المعلم الذي يحقق الأهداف التي وضع من أجلها المنهاج التربوي، فالتعليم لا يكون مكلفا، أي ليس هدفا بذاته، بل هو طريق ورسالة، يدرب المتعلم على أن يعتمد على نفسه في التعلم، وأن يتوصل بنفسه إلى الأهداف الخاصة والعامة من عملية التعلم. حتى يحققها عن قناعة وإخلاص، وتبني شخصيته الوطنية والإنسانية، على أن الحق أو الحقيقة ينظر إليها من وجوه عدة وتلتقي في نقطة واحدة، ولا يعني الاختلاف أو المغايرة انتفاء هذه المنطقة المركزية التي تعني شيئا واحدا، أي إن ما يعود إلى الحقيقة من أمور يخرج منها أيضا وإن تعددت السبل. والأمانة تجعلنا نسأل هنا! هل يقوم المعلم عندنا في مراحل التعليم المختلفة بهذا الدور؟ وهل يحقق مثل هذه الأهداف؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فماذا ننتظر؟ إن المناهج وأداء المعلم لا يكفيان لبناء شخصية الطالب منذ طفولته إذا لم يستند على نوعين من الأنشطة. أنشطة صفية توسع من فضاء المناهج وتأثيرها في المتعلم وتدفعه إلى التطبيق والممارسة الذاتية، وبذلك تنمو لديه قدرات خاصة لمتابعة هذا الفضاء المنهاجي بنفسه في مصادر التعلم والمعلومات والوثائق. وبذلك نضمن إيجاد الشخصية المتزنة العلمية التي لا تقع في يد أهل الجهالة أو المغمضة. شخصية تعمل باستمرار وبقوة متدرجة كلما ارتفعت في سلم العلم، شخصية تدرك أن النقل في خدمة العقل، فالتلقي يكون من خلال الحوار والمناقشة والاعتدال في المواءمة والسلامة في الرأي.

 

أما النوع الثاني فهو الأنشطة المفتوحة، التي تكون حاضرة حضورا فعالا صادقا بعيدا عن التكلف والشكلية، على أنه جزء لا يتجزأ من الفعل التربوي الملزم بانفتاح دون معوقات غير مقبولة، والمكتبة والوسائط المعينة ومراكز الهوايات المناسبة التي تخرج الطالب من التكلم والحبس الذهني، هوايات فاعلة بدلا من ممارسة بعض الهوايات في الظلام التي لا تؤدي إلا إلى الانحراف أو الإرهاب. إن شخصيتنا ثرية، وقابلة للتقويم ولديها استعداد استثنائي للاستجابة للحوار، وشبابنا هم سمة الحاضر وصيغة المستقبل، ومسؤوليتنا ذات أبعاد عدة، اجتزأنا هنا الحديث عن البعد التربوي في بناء هؤلاء الشباب، الذين لا نريد أن يتحدث عنهم الإعلام المغرض يستعدي فيه على وطنه ويشبه مجتمعنا بما يشبه الأفاعي في حفرة واحدة. سوف يبقى هذا الوطن الشامخ نموذجا للوحدة والتلاحم ويخطئ من يظن أن أنظمة التربية والتعليم قد اكتسبت مناعة ضد التغيير، وتبقى الإرادة وقوة الدافعية عاملان يحركان سرعة  الإنجاز.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply