خطورة التعبد بالخلاف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... وبعد:

اعلم أخي أن من أخطر البدع التي انتشرت بين عموم المسلمين والتي يتعين على الناصحين التصدي لها بدعة التعبد بخلاف الفقهاء وتصيد زلاتهم والإفتاء بها، هذا المنهج السقيم تبناه كثير من المتصدرين للفتيا.

فترى الواحد منهم إذا سُئل في مسألةٍ, لم يبحث عن الدليل الشرعي ليفتي بموجبه كما هو شأن العلماء المتقنين، بل يبادر للتنقيب في بطون الكتب باحثًا عن قول عالم أباح، أو فقيه أجاز، فهو يرجح بالهوى لا بالوحي، ويفتي بالشهوة لا بالدليل، ويذكر لمن يستفتيه الأقوال المهجورة، والتي ردها العلماء على قائليها مبيحًا لهم الأخذ بها زاعمًا أن الدين يسر، ففلان أحل الغناء، وفلان أباح الشطرنج، وفلان أباح التعامل مع الكفار بالربا، وفلان أباح الاستمناء، وهكذا في سلسلة من الترخٌّصات الجافية التي تنتهي بصاحبها إلى الانسلاخ من الشرع والتنصل من التكاليف تحت ستار \"المسألة مختلف فيها\".

وإلى هؤلاء نقول: قد حذر السلف من تتبع الرخص، وأنكروا على من يسلك هذا المسلك. قال سليمان التيمي: \"من تتبع رخصة كل عالم فقد جمع الشر كله\".

وبيّن العلماء أن أقوال الرجال يحتج لها لا يحتج بها، وأن اختلاف العلماء ليس حجة على كل أحد.

قال أبو عمر بن عبد البر: الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمتُهُ من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله. آه. \"جامع بيان العلم وفضله\" (ص359).

وهذا القول- أعني جواز اتباع أي قول في المسائل المختلف فيها- مبني على أن كل مجتهد مصيب، وهذا باطل محض، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر\". قال الموفق ابن قدامة في روضة الناظر: هذا القول- يعني \"كل مجتهد مصيب\"- أوله سفسطة وآخره زندقة. اه.

وبيانه أن أول هذا القول جعل النقيضين حقّا وهو سفسطة وآخره جواز الاختيار والترجيح بمجرد الهوى فيؤول الأمر إلى الزندقة والعياذ بالله، وإذا كان السلف والعلماء قد أنكروا التقليد ونهوا عن أن يتبع المكلف عالمًا بعينه فيما أصاب فيه وأخطأ وأوجبوا البحث عن الدليل للقادر على ذلك فكيف بمن يقلد هواه ويتبع شهوته ويسير خلف مزاجه، ألا إنها قاصمة الظهر، نعوذ بالله من الخذلان.

فاعلم أخي أن الواجب عليك إن كنت من أهل العلم العارفين بالأدلة أن تعمل وتفتي بما يقتضيه الدليل لا غير، وإن كنت ممن لا يحيط بالأدلة خُبرًا فعليك بسؤال أهل العلم المعروفين بتعظيم السنة وتقديمها على كل قول: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وسر مع الدليل حيث سارت ركائبه، وانزل معه حيث استقلت مضاربه، فلا أفلح والله إلا من قدم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله على كل قول وفعل، وجعل سنته نصب عينيه يحكمها في كل قليل وكثير: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، ومن فقد الدليل ضل عن سواء السبيل ولا دليل إلى الجنة سوى الكتاب والسنة.

وفق الله الجميع لتحكيم السنة والعمل بها.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply