الأم المربية ( 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

الأم المربية مصدر قوة، وصمام أمان للمجتمع..حديث بدأناه نصل القول فيهº حتى يستوفي هذا الأمر حقه لما له من أهمية وفائدة، ولعلنا نقرر في بداية هذا الحديث الدور العظيم للأم في تربية الأبناء وتنشئة الأجيال وندرك ذلك من خلال أمرين:

الأول: أن هذا الدور للأم مرتبطٌ بالأطفال

والطفل هو الأمة كلها، هو الذي - مع غيره وبقية الأطفال - يكوّنون جيل المستقبل للقريب قبل البعيدº ومن هنا فإن الدور الإصلاحي والتربوي الذي يوجه إلى هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم، ومنذ نعومة أظفارهم إنما تقوم به يد الأم المربية، وصدرها الحاني، وفكرها وعلمها النير، وسلوكها وخلقها الفاضل، وحينئذٍ, ندرك أننا أمام مفتاح التغيير.

 

الثاني: أن الطفل والنفس البشرية بعمومها عظيمة في غرابتها وفي عجبها وفي تقلباتها

فطفل عالم من المجهول لا يكاد يعرف مسالكه ودروبه الخفية إلا تلك الأم.. إنها تكاد تقرأ في نظراته حاجته، وتعرف من قسمات وجهه مشاعره.. إنها التي تستطيع أن تكتشف ما لا يكتشفه الرجل بحال من الأحول، وإذا كان الأمر كذلكº فإننا لا بد أن نعطي هذه المهمة لمن يعرف خفاياها، ويبصر دقائقها.. وذلك من الأهمية بمكان.

 

وهنا وقفة لا بد منهاº فإن التربية مسؤولية مشتركة بين الوالدين، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}، وفي حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم راعٍ, وكلكم مسئولٌ عن رعيته).

وفيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والرجل راعٍ, ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها).

فلا بد من تكامل وتعاملº لكننا ندرك أن الدور الأكبر في مثل هذا للمرأة - سيما في سن الطفولة الأولى - لماذا؟

لأن عند الرجل مشكلتين طبيعيتين من واقع طبيعته وخلقته، ودوره وعمله في هذه الحياة، فمن حيث الكمّ الوقت الذي يقضيه مع أبناءه أقلّ بكثير مما تقضيه المرأة والأم معهم، وذلك بطبيعة عمله وحاجته إلى الكسب والكدح في هذه الحياة الدنيا، وارتباطه بهذه المشكلات في هذه الحياة.

 

ومن حيث الكيفº فإن الأب غالباً ما يكون عندما يعود إلى بيته مرهقاً متعباً جسدياً من حيث العمل والبذل والجهد، ومنشغلٌ فكرياً من حيث المشكلات والتخطيط والترتيب، فهو أقلٌّ استعداداً للعطاء النفسي والعاطفي والفكري من هذه الأم التي يدور محور رحى حياتها حول أبناءها، فقلبها لا يخفق إلا بالمحبة لهم، ونفسها لا تضيق إلا في الحزن والأسى على أحوالهم، وفكرها لا ينشغل إلا بتدبير أمورهمº فهي قد خلقت وجبلت لتكون كذلك.

ومن هنا ندرك أهمية هذا الدور، وندرك أنه إذا اختفى أو غاب أو تقلص إلى حدٍ, كبيرٍ,º فإن أحداً لا يمكن أن يعوضه، ولا يستطيع أن يتقنه، ولا يمكن أن يستمر فيه على المدى الطويل، وهذا أمرٌ مهم.

 

ومن هنا أنتقل إلى تصوير هذه المهمة:

إن مهمة المرأة المربية كمهمة الدولة الحاكمة، أليست الدولة الحاكمة لها رعايا تحتاج إلى تدبير شؤونهم الاقتصادية، ورعاية أمورهم السياسية، ومعرفة أحوالهم القضائية.. وغير ذلك من الأمور.

 

والأم كذلك تقوم بدور الوزراء ومجلس الوزراء كلهº فهي تقوم بمهمة تربية وتعليم، وثقافة وإعلام، وإدارة واقتصاد، ومهمة صحة جسدية ونفسية.. وقس على ذلك من العمل وغيره من الأحوال المختلفةº فإنك ستجد أن القول الذي يطلق، وهي أن المرأة ملكة في بيتها، ليس مجرد تصويرٍ, تشريفيٍ, أو لبيان المكانة، بل هو كذلك ببيان الدور والرسالة، فهي تقوم بهذه الأدوار كلها، وتقوم بتلك المهمات جميعها، وتسوس تلك الدولة المصغرة في عش الزوجية والأسرة الآمنة.. فهل ترون هذا الدور بعد هذا التصوير دوراً هامشياً تافهاً؟ أو دوراً يحتقر وينتقص؟ أو دوراً يرى أنه ليست له فائدةٌ ولا أثر؟

 

وقفةٌ مع النظرة التي تغيرت وتبدلت نحو السوء وللأسف في واقع مجتمعاتنا.. إلى الأم المربية.. إلى ربة المنزل.. إلى الزوجة الحانية.. إلى التي تهدهد بيدها سرير رضيعهاº لتكون حينئذٍ, تهدهد بيدها في الواقع أوضاع الحياة من حولها.

هذه المرأة المربية عندما نفقدها في المجتمع تحصل لنا مشكلاتٌ كثيرة اليوم تجد بعض النساء تستحيي أن تقول إنها ربة منزل!

 

اليوم تجد وسائل الإعلام في غالب أحوالها تقول: إن المرأة نصف المجتمع مشلول معطل إذا كانت في بيتها، فكأنها في بيتها ساهية لاهية عابثة، لا تقوم بدور ولا تؤدي مهمةً، ولا تقدم نفعاً، ولا تقرب فائدةً بحالٍ, من الأحوال.

ثم كذلك فوق هذا أصبحت المنافسات لهذه المهمة كثيرة - وهي متعددة ومتنوعة - صرفتها شواغل من الإعلام الذي صرف عقول النساء، واستلب أوقاتهن، وغيّر أفكارهن وأوجد الخلل في مشاعرهن.

 

وجانبٌ آخر فيه صور اجتماعية فارغة كثيرة:

أصبحت المرأة حاملةً حقيبتها، ماضية في هذه المناسبة، أو في تلك الزيارة أو تلك.. وبعد ذلك كأنما ليست وراءها مهمة وليس عندها حسنٌ تقوم عليه وترعاه وتحرسه.

وبعد ذلك كذلك العمل الذي تشعبت نواحيه - والذي أصبحنا اليوم نسمع ضرورته وأهميته - وأن لا تبقى امرأة إلا وعملت في كل ميدانٍ,، وفي أي وقتٍ,، وفي سائر الأنحاء كأنما ليست هناك مهمة.

وليس هذا منعٌ لعمل المرأة في كل جوانب الحياة التي يشرع فيها العمل، وفي قدره وبحاجته! ولكننا ندرك أننا سنجني ثماراً مُرّة كلما وسعنا هذه الدائرة وأطلقناها، ورغبنا فيها على حساب معرفة الأهمية الكبرى لتلك المهمة العظمى.

 

واستمعوا إلى تجارب الأمم الأخرى، والتي ينظر إليها البعض على أنها ربما مجتمعات وحضارات يراد أن نقتدي بها لا أريد أن أشير إشارات مطلقةº فإن الإشارات المطلقة معروفة، ومجتمع الغرب اليوم، وحضارة العصر اليوم لا أقول إنها تجني ثماراً مُرّة، ولكنها تعيش حياة الضنك والضيق التي وصفها الله - عز وجل - بقوله: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.. ليست بالآلاف ولا بعشرات الآلاف ولا الملايين بل بعشرات الملايين.. الأطفال الذين يعتبرون لا أسر لهم من الآباء والأمهات اللائي ينشأ عندهن أو الأم التي يأتيها هذا الطفل وهي لا هيه ساهية منشغلة بعملها منطلقة في حياتها.. إضافةً إلى أمور أخرى ولكني أنقل لكم تجربة واحدة في مقالةٍ, محددة لشخص معروف.

 

الزعيم السوفيتي السابق جورباتشوف - الذي يقال إنه صاحب الإصلاح الأكبر في تلك البلاد - يخبرنا عن التجربة التي خاضها هو ومن معه، ويخبرنا عن الدور الرائد الذي قاموا به في مساواة المرأة، وفتح الأبواب أمامها وغير ذلك من النجاحات، ثم يقف ويستدرك ويقول: \" ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي والشاق عجزنا عن أن نوري اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة، واحتياجاتنا الناشئة عن دورها كأم وربة منزل، ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها للأطفال.. إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي، وفي مجال الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط الإبداعي لم يعد لها وقتٌ للقيام بواجباتها في المنزل والعمل المنزلي وتربية الأطفال، وإقامة جو أسري طيب، لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب، وفي معنوياتنا وثقافتنا في الإنتاج تعود جزئياً إلى تدهور العلاقات الأسريةº ولهذا السبب فإننا نجري مناقشات جادة بخصوص مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة العودة إلى رسالتها النسائية البحتة، إنهم في ذلك الوقت يقول منشغلون بهذا الأمرº لأن هذه الثغرة وجدنا آثارها الوخيمة، وأضرارها العظيمة في واقع حياتنا في شتى مجالات الحياة \".

 

إن غياب دور الأم المربية يعني أطفالاً مشوهين نفسياًº لأن فقد عطف وحنان الأمومة أثبتت الدراسات العلمية أنه تبقى آثاره غائرةً في قلوب ونفوس هؤلاء الأطفال، وينشئون وعندهم من الاضطراب النفسي والحرمان العاطفي، والتقلب النفسي ما يكونون به غير أسوياء.. وغياب دور المرأة ومعها كذلك غياب دور الرجل، والأب هو الذي أوجد في مجتمعاتنا اليوم انحرافات عند الشباب فكريةً وسلوكية حتى رأينا ما لم نكن نرى من قبل، وسمعنا ما لم نكن نسمع من قبل، ورأينا كيف أثرت هذه الأوضاع في حياة شبابنا على واقع مجتمعاتنا..

 

وإذا مضينا حتى إلى الجانب الاقتصادي الذي يكثر الحديث فيه والجدل حوله:

إن المرأة معطلة.. نصف المجتمع مشلول الاقتصاد يحتاج إلى تحريك التنمية الاقتصادية في أمس الحاجة إلى المشاركة الكاملة للمرأة، ونحن نقول إن عمل المرأة مطلوب في المجالات التي يحتاج إليها أو إذا هي احتاجت إليها للضوابط الشرعية ولكننا نقول قبل ذلك - ومعه وبعده -: إن المهمة الأولى ينبغي أن نوفر الأسباب الكاملة لأدائها بأحسن وأمثل صورة ممكنة.. الاقتصاد مرة أخرى نقول إنه من تضليل الرأي العام، ومن خداع الناس أن نردد مثل هذه المقالات إذا خرجت المرأة للعمل، فهل ذلك يعود بالضرورة على الأسرة أو على المجتمع بنفع اقتصاديٍ, كما يصور في ضخامته وفي عظمته؟!

إن وراء ذلك خادمة يؤتى بها، وحاضنة أو مربية يؤتى بها، وحضانة أو مكان يدفع فيه بالأبناء لتعويض غياب المرأة.. وكل ذلك إنفاقٌ لم يكن له وجودٌ بحضور المرأة في بيتها.

 

ثم انظر كذلك ما قد يضاف من السائق والخدمات الأخرى الملازمة والمصاحبة لذلكº فإن الأم المنشغلة بالأعمال بتلك الرحابة الواسعة كثيراً ما يحتاج مع وجودها وانشغالها في عملها إلى شراء الأطعمة من الخارج، وأنتم اليوم ترون كم هي المطاعم منتشرة، وكم هي النيران في البيوت مطفأةº لأن لا أحد عنده وقت ليقوم بهذه المهمةº ولأن المرأة إذا انشغلت - أو أشغلت - أو أدخل في ذهنها أنها أعلى وأسمى من أن تطبخ، أو أن تؤدي دوراً تغذي فيه أبناءها، أو ترعى زوجهاº فإن وراء ذلك من الإنفاق الاقتصادي ما وراءه.

 

بل إن المرأة قد أثبتت الدراسات الاقتصادية أنها إذا عملت أنفقت على نفسها أكثرº فهي تحتاج إلى نوع من الملابس أكثر، وإلى نوع من الزينة أكثر، وتحتاج أيضاً إلى متطلبات من العمل أكثر، وإلى مناسبات أخرى ترتبط بالعمل اجتماعياً أكثر - وهذا كله إنفاق - ويكون حينئذٍ, الأثر الاقتصادي محدود، أو هو مربوط بالمصلحة المتعينة في الحاجة التي تحتاجها المرأة، أو فيما يكون في جملته حاجة المجتمع دون حاجة إلى مثل هذا التهويل والتعظيم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في إشارة مهمة إلى الدور الاقتصادي للمرأة في داخل منزلها: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش. أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده).

 

إن المرأة المسلمة العاقلة هي مدبرة اقتصادية في منزلها تحسن الإنفاق، وتجيد التوفير وتجعل نوعاً من الاقتصاد الذي يقي الأسرة أو يؤمنها أو يعينها في أوقات المحن، ثم إن دور المرأة في بيتها عندما تستشعر ذلك الجهد الذي يبذله زوجها، والمال الذي يحصّله تعرف أنها معنية بمثل هذه السياسة الاقتصادية.. أما إذا كانت لا تأخذ إلا المال وتصرفه وتخرجه وليس وراءها مسئولية إنفاق وتدبيرº فإنها حينئذٍ, لا تكون على ذلك النحو.

 

ووقفتنا الأخيرة:

بداية الحديث عن الدور الحقيقي لهذه الأم في تلك المملكة التي تحدثنا عنهاº وهنا أقسم الحديث إلى قسمين:

الأول: دورها العام بشكل مجمل في البيت والأسرة.

الثاني: الدور التربوي المفصل الذي يتناول تربية الأطفال في المجالات المختلفة.

 

أما دورها الأول: فهو دور السكن للجميع.. هذه المرأة ليس دورها لأطفالهاº بل دورها أوسع لزوجها ولأطفالها ولجو الأسرة كله.. اليوم نرى التشنج والتوتر نرى الصراخ والنزاع والشقاق.. نرى الأبناء وهم يعيشون في أجواءٍ, من هذه الخصومات الزوجية لماذا؟ لأن المرأة لم تعي دورها ولم تقم برسالتها، والله - عز وجل - يقول: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ, يتفكرون}.

ويقول الحق - سبحانه وتعالى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسكُنَ إِلَيهَا}.

تهيئة الأجواء العامة أجواء الهدوء والسكينة أجواء المحبة والمودة أجواء التعاون والتكامل أجواء الروح التي تسري من قلب هذه الأم إلى زوجها، فتشيع فيه المحبة والعطف والقرب والتلاحم، وإلى أبناءها فتشيع فيهم الحنان والعطف والرعاية الكبيرة العظيمة.. وإذا بهذه الأسرة كأنما هي جنة من جنان الله - عز وجل - في الأرض، لا تكاد ترى فيها نزاعاً ولا شقاقاً.

تلك البيئة تصلح حينئذٍ, تكون بيئة تربية، وتصلح حينئذٍ, أن تكون بيئة من البنات القوية في بنيان المجتمع مهما وجّهت لها من سهام الأعداء غزوا فكريا أو انحلالاً خلقياً أو ضغطاً أو نحو ذلكº فإنها تكون بإذن الله - عز وجل - الصخرة الصلبة التي تتكسر عليها السهام والنصال.

 

الجانب الثاني: الإدارة الناجحة المرأة هي الحاكمة في بيتها بحسن تدبيرها ورعايتها وذلك في وجوه كثيرة من أهمها تنظيم الأوقات والأغراض.

بعض النساء وخاصة من تخرج من بيتها كثيراً لغير ما فائدةº فإنك تأتي وتجد أن الوقت مرتبك، والأغراض مبعثرة، وأنه ليس هناك دقة في أوقات الطعام، ولا في أوقات المنام للأطفال وغير الأطفال.. فتجد حينئذٍ, جواً من الفوضى والاضطراب يسود ذلك المنزل.

 

ومن جهة أخرى: استغلال الفرص والأحداث

هذه الأم الحكيمة المربية، وتلك الزوجة العاقلة الراعية تحسن عند كل حدثٍ, من الأحداث، اجتماعية كانت أو اقتصادية، خاصة أو عامة، أن تدبر وأن ترتب فإذا ضاقت ذات يد الزوج أحسنت استغلال الفرص، وأحسنت تربية الأبناء وتذكيرهم بالنعم، وتذكيرهم بحال غيرهم ونحو ذلك، وإذا جاءت حالة أخرى لبست لها لبوسها وإذا جاء حادثة وفاة ذكّرت، وإذا جاء حادث فرحٍ, بينت ونحو ذلكº فيكون لها الدور كامل في مثل هذا.

 

وأخيراً: تؤدي دور التكامل والتعامل مع الرجل في نوع من الوفاق والملائمة الكاملة

ونحن إنما نشير بذلك إشارات والأمثلة في تاريخ أمتنا كثيرة، ثم إذا نحن نضرنا إلى التفصيل فذلك موضوع يحتاج إلى بيان أكثر، وهو تفصيل تربية الأبناء إيمانياً وعبادياً وخلقياً وفكرياً ونفسياً، وذلك ما نجعل له حديثاً مستقلاً.

نسأل الله - عز وجل - أن يفقهنا في ديننا...

 

الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى اللهº فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فنسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يعمر قلوبنا بالتقوى.

 

وإن مما ينبغي لفت النظر - ونحن اليوم نستقبل أول أيام الإجازة الصيفية - أن ننبه الآباء والأمهات بمسئوليتهم التربوية تجاه أبناءهم في هذه الإجازة الممتدة أشهراً متعاقبة، وأوقاتاً متطاولة، أن يعنوا بإعطائهم من الوقت والجهد والتوجيه ما هم في أمسّ الحاجة إليه.

وهنا أشير إشاراتٍ, متنوعة:

ثمة برامج بحمد الله - عز وجل - في بلادنا كثيرة، تشغل الأوقات، وتعمر القلوب بالتقوى، وترطّب الألسنة بالذكر، وتوجه العقول إلى الخير، وتقوّم السلوك والأخلاق على النهج القويم.. حلقات ودورات صيفية للقرآن الكريم.. حفظاً وتلاوةً وتجويداً وتفسيراً وتعليماً، تمتلئ بها مساجد هذه البلاد الطيبة، يتلقى فيها الأبناء في هذا الوقت جرعة عظيمة مكثفة بحسب فراغ الوقت وامتداد الصيف من كتاب الله - عز وجل -.. فإذا بهذه القلوب تتشرب آيات الله - عز وجل -، وتحفظ - عن ظهر قلب - كلام الله - سبحانه وتعالى-، وإذا بها يشيع فيها وفي نفوسها وفكرها أحكام وآداب وأخلاق القرآن الكريم، تلك التي تهدي إلى ما هو أقوم كما أخبر الله - عز وجل -: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.

 

ومن وراء ذلك - كذلك - الدورات العلمية الشرعيةº التي تمتلئ بها كثيرٌ من المساجد الكبيرة، وأقربها إلينا ما نذكّر به دائماً مسجد الملك سعود، الذي فيه الدورة الصيفية الشرعية لسنوات طويلة.. دروس في الفقه، وأخرى في السيرة، وثالثة في علوم القرآن، ورابعة في ذلك العلم وفي هذا، في وقتٍ, يسيرٍ, ومتاح، وتعاقب في الأيام والأسابيع المتوالية معنا في هذه الدورات من المسابقات العلمية التي تحثّ على معرفة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والإطلاع على كتب الأئمة والعلماء، ومعالجة أوضاع واقعنا المعاصرة لشبابنا وشاباتنا على وجه الخصوص.. فأي خيرٍ, أرحب وأعظم وأنفع لأبنائنا وبناتنا من مثل هذه الدورات، وهي متاحة للذكور والإناث بحمد الله - عز وجل -.

 

ومن وراء ذلك المخيمات الدعوية، بما فيها من البرامج الترفيهية المباحة، وفرصٍ, للأطفال في اللهو واللعب والتوجيه والإرشاد، مع ما في ذلك - أيضاً - من البرامج المختلفة المتنوعة من الأمسيات والندوات الشعرية، وفوق ذلك وقبله - المحاضرات التوعوية الإرشادية النافعة.. وحسبنا أن نشير إلى أن المخيم القريب منا في أرض المطار القديم قد زاره ووفد إليه في العام الماضي نحو نصف مليون من الرجال والنساء.

 

وبعد ذلك ومعه كذلك المراكز الصيفية المتنوعة المختلفة.. بما فيها من برامج الرياضة والفكاهة والترفيه، ومع ما فيها من الدورات التأهيلية والتدريبية، ومع ما فيها - أيضاً - من الدروس والمحاضرات والبرامج المنوعة.. فأي خيرٍ, أعظم من هذا، ونحن نرى ذلك ونرى أن استمراره وزيادته إنما يشكل بؤرةً لاحتواء الشباب، واستغلال أوقاتهم فيما يعود بالنفع والفائدة.

 

وكذلك للأبناء الكبار فرصٌ من العمل في بعض الوظائف يتعودون فيها على الجد، ويحرصون فيها على الكسب، ويكتسبون خبرات الحياة.. والآفاق في ذلك واسعة فما على الآباء والأمهات إلا أن يولوا العناية والاهتمام، لا أن يصيحوا ويقولوا: ماذا نفعل، وليس عندنا وقت!!

إن لم يكن عندك وقت فليكن لك وقت أن تجلس معهم، وأن تتجاذب معهم أطراف الحديث، وأن تتشاور معه في الالتحاق ببعض هذه البرامج، فإذا دخلوا فيها شغلوا أوقاتهم للنافع المفيد، وأصبح دورك في المشاركة معهم في بعض البرامج متمماً ومكملاً وكافياً بإذن الله - عز وجل -..

فهذه فرص عظيمة، وهذا مزايا قلّ أن يوجد مثلها في هذه البلاد، فلا ينبغي لنا إلا أن نحرص على الانتفاع منها، والتشجيع عليها، والطلب للاستزادة منها، والتنويه والذكر لدورها وفائدتها وأثرها، وذلك ما أحببت أن أشير إليه كرابطٍ, لدور التربية للآباء والأمهات.

نسأل الله - عز وجل - أن يصلح أحوالنا، وأن يصلح شبابنا وشاباتنا..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply