بالإحسان .. نستعبد قلوب الناس


  

بسم الله الرحمن الرحيم

من المعلوم أن ديننا - الإسلام - قد دلنا على الطرق السليمة المناسبة لأحوال الناس وأمزجتهم، وأمرنا أن نسلكها، وندع الطريق التي تؤدي إلى غير الإصلاح والصلاح، بل حذر من ركوب الشبهات، حفظاً للنفس من التعليل الخاطئ، والتبرير الذي ليس في محله، جاء في الحديث: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام..)، ذلك أن المعتاد على شيء مباح غير لازم يوشك أن يجرب مكروهاً، فيجره المكروه إلى أشنع، وتلك عاقبة لا تُرجى.

من هذا المنطلق يجب على ذوي الفطن والحجا أن يَزِنوا المسائل قبل الدخول فيها، وأن يصبروا على وعورة المسلك، وقد قيل:

تريدين لقيان المعالي رخيصة **** ولابد دون الشهد من إبر النحل

فدراسة أحوال المعامَلين مهمة قبل مباشرتهم بالتعامل، لئلا يخالف طباعهم فيحصل ضرر مستغنى عنه، فمثلاً إذا كان لقاء الإنسان بآخر عابراً للحظات، فعليه ألا يمكّن نفسه من أخذ الحرية المطلقة، وبذل الأنس حتى لو كانت العلاقة قائمة لأيام وشهور، فإنما يدوم على الصداقة من عرف حقها، وأراد مآرب سليمة من ورائها.

لكن إذا جعل الإنسان معاملته متساوية مع مخاطبيه كلهم فإنه يجر إلى نفسه عبئاً ثقيلاً، ويحملها إياه، فالصاحب قمين بالمؤانسة، والملاطفة، وقريب الأصحاب كتاب الأسرار المغلق الدفة، وإدخال السرور عليه بالمزاح، ونحوه حسن، أما أن تقصد من لست تعرفه بمزاح أو سخرية تريد بها المزاح، فهذا ما لا يقبله الذوق السليم، لاختفاء المقاصد خلف جدر الضمائر، ووضوحُ الأفعال على الجوارح له معانٍ, عند الناظر.

 

مبدأ خاطئ:

أيضاً قد يجانب الرجل هذا المسلك فتجده فظاً غليظاً، كأنما قفل من معركة فاصلة بينه وبين عدوه، تراه لا يلتفت إلى الناس إلا ونظرة الصرامة شعاره، وهذا مبدأ خاطئ أيضاً، قال: \"والكلمة الطيب صدقة\"، وأَقبِح بامرئ بخل على نفسه بما لا يكلفها، وإن هذا الصنف منفر للناس حتى ولو تخلق بخلق حسن آخر، فما شفاعته عند انعدام التعامل الحسن، والدين أتى بالتبشير ونهى عن التنفير.

ثم هناك مسألة تخص الأنس بالصحاب، قد يغفل عنها كثير من الناس فبعض الرجال لا يفاضل بين أصحابه، بل رتبهم متساوية عنده، وأسلوبه واحد، وهذا المنهج عليه مآخذ، فأسلوب يناسب شخصاً قد يعيبه آخر، أو قد لا يرتاح إليه، بل قد يكون مضاداً له أصلاً، فإن اختلاف الطباع ضرورة الحياة، وسنة الوجود، ومن رام تغييرها أعيته، وأضناه الأمل.

ومسألة أخرى، هي الأساليب الخاطئة التي يسلكها بعض الناس مع أصحابهم المقربين، قاصدين إدخال السرور على النفوس، ومن ذلك: أسلوب \"الرد المتهكم\" فإذا قال امرؤ مقالة، أو كتب مقالة، أو أظهر إبداعه شيئاً، فإنه قد يُقابل من بعض أصحابه برد متهكم يستهدف ما قام به، فيؤثر في نفسية المخاطب، ويحطم معنوياته، وهذه نتيجة داء التحطيم، فعلى من اتصف به، وأسره هذا الداء أن يسارع إلى التخلص منه، وليَسقِ نفسه ترياق الحكمة، ويعرّفها إياها عليهاº فإن الجزاء من جنس العمل، وعمل الخير يجب أن يحفز بخير، قال - سبحانه -: {هّلً جّزّاءٍ, الإحًسّانٌ إلاَّ الإحًسّانٍ,} [الرحمن]، وليضع العاقل نفسه مكان المخاطب، ولينظر في أثر الكلمة السافلة عليهº فإنه لاشك قائم بتعديل نفسه، سامٍ, بها عن مثل هذا الدنو، قال الشاعر:

 

كم حديث يظنُـهُ المرءُ نفعاً *** وبه لو درى يكونُ البلاء

ثم إن كان العائب ليس من الأصحاب، بل دافعه ذلك هو الحسد، فليحمد الله وليستعذ بـه من شرور الحساد، وليعلم أن وجود الحاسد أثر وجود النعمة، ورجل لا عدو له حقيق ألا يصاحب، فمنزلته دنيا.

ومهما قيل في خوارم الصداقة، فإنما يرجع أغلبها إلى ضعف في النفس، بحيث لا تفقه الطريق المثلى لها، لكن لابد من وجود الدواء المناسب، والقدوة التي يعتبر حُسُن اختيارها دليلاً إلى ما يكفل القيام بالعلاقات مع الناس علاقات حميدة، تؤتي ثماراً مرجوة.

إن المتمعن في سير السلف الصالح، سيجد أنهم أكرهوا أنفسهم حتى بلغوا راحتها، ولم يبلغوا تلك المنزلة إلا بالتطبيق الصحيح لآداب الشريعة الإسلامية، فهي القائد إلى ما يبغيه المرء من خير الدنيا والآخرة، ومن أراد مطلباً شريفاً بغيرها فإنما يرنو إلى سراب، ومن ارتضى السراب سقياً له فقد أهلكه الظمأ، فلينظر في مزادته قبل أن يُفَاجأ.

وحسن القصد أول خطوة واجبة، والمعين هو الله - سبحانه -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply