الطفل حصيلة الأسرة والصفحة البيضاء للمجتمع التي تتفشى فيها كل مقومات وأهداف المجتمع وفلسفته ونقده للمستقبل كمواطن صالح ووفق برامج تربوية وفكرية معقدة ومستمرة. هذه المهمة الاجتماعية للتنشئة تبدأ من الأسرة المسئول الأول لإعداد الطفل ورعايته صحياً، واجتماعياً ونفسياً، وجسمياً في المراحل العُمرية (الخمس الأولى) والتي يقول عنها علماء النفس أنها مهمة لتشكيل نفسية الطفل في المستقبل وشخصيته ومدى توافقها مع المجتمع والبيئة، أو رفضها لهما، فالتنشئة الأسرية السليمة الأولى للطفل المرتبطة بالحنان، والدفء الخالية من الصراعات الأبوية، المستقرة اقتصادياً واجتماعياً، تؤثر إيجابياً في شخصية الطفل المستقبلية وتجعله متقبلاً للآخرين متفاعلاً مع الناس.
ومع نمو الطفل في سن السادسة يشارك أقرانه من أبناء الجيران، والحي، والمدرسة، والأسرة في التنشئة الاجتماعية للطفل بالاختلاط، والانتقال إلى مرحلة جديدة وتعلم مفاهيم غريبة عليه مثل (الزمالة- الصداقة)، وتكوين علاقات يكتسبها بالإحساس وتنمو في الجانب الوجداني مثل الإحساس بالسعادة لقبول أقرانه له في اللعب معهم، والدفاع عنه، والغضب عند رفضه اللعب معهم والإحساس بالنقص مما يؤدي إلى الانطواء وكراهيته لأقرانه والبعد عنهم.
وهكذا تتطور عملية التنشئة الاجتماعية، والبناء التجميعي لشخصية الطفل من الأسرة، والجيران، والحي، والمدرسة، والمجتمع، والدولة، ووسائل الإعلام وبالأخص- جهاز الرائي\"التلفاز\". هذه الوسيلة الإعلامية الخطيرة والتي أثبتت الأيام مدى خطورتها في تشكيل أداء الناس واتجاهاتهم بالسلب والإيجاب حسب التوجيه للخطاب الإعلامي، وبالتحديد في أذهان وأفكار الأطفال من سن الثانية إلى سن الثانية عشر من العُمر: السن المشَكِّلة لجوانب الطفل الاجتماعية، والنفسية، والوجدانية. حيث تطبع الطفل وتشكله حسب أهدافها ورؤيتها، وذلك عن طريق برامج الأطفال، والمسلسلات، وأفلام الكرتون المتطورة في رسم الشخصيات التقليدية ذات المضمون والأبعاد الغربية وفلسفته البعيدة عن الواقع العربي والإسلامي، وببساطة أكثر \"غزو فكري\" لعقلية الطفل الصغير رجل المستقبل المؤثر في الغد لسياسة مجتمعه وخططه.
هذه الحكايات الغربية والآسيوية لمسلسلات وبرامج الأطفال المعروضة في قنواتنا العربية والإسلامية دون رقابة ولا تمحيص، ولا حسن اختيار بما يتوافق مع عروبتنا وديننا، وتقاليدنا. سوى تغطية مساحة إعلامية في القنوات الفضائية وملء الفراغ دون دراسة علمية وتخطيط مسبق لمثل هذه المسلسلات والأفلام الخاصة بالأطفال الذين هم ثروة مجتمعنا- من المختصين بالإعلام، ورجال الفكر، والخبراء، ومؤسسات المجتمع المدني، وعلماء الدين والتربية، ومؤسسات الطفولة.
تركنا الحبل على الغارب ولم نختر للطفل ما يناسب عقله وتنشئته من قصص وحكايات ومسلسلات تساعد في تكوين شخصيته بأمان واتزان خالية من الصراعات المستقبلية والاضطرابات النفسية (شخصية سوية إيجابية).
ولا نفاجأ بأن هذا الطفل الذي لم نحسن تنشئته تربوياً، واجتماعياً، ونفسياً، ودينياً في المستقبل هو رجل عدواني، يرفض التعاون والتعامل مع أفراد مجتمعه لأنه ضحية المفاهيم الخاطئة للتربية، ويتفق معي كثير من الآباء والأمهات بأن هذا السيل المتدفق من المسلسلات والأفلام، والبرامج الغربية والآسيوية الموجهة للطفل العربي والمسلم في الفضائيات تربي أطفالنا على \"العنف\" والدعوة للإلحاد، ورفض مفهوم الأسرة، والدين، وتكوين الطفل \"السوبرمان\" حسب المفهوم الغربي، والرجل القوي الذي لا يقهر، الذي يجسد القوة حسب التوجه الأمريكي المتطرف الحالم بالسيطرة على العالم.
وإعطاء الطفل حقه من البرامج والمسلسلات، والأفلام التربوية، والاجتماعية والدينية، والمسلية المناسبة لعقليته وبيئته ومجتمعه، تنمي في الطفل حب الوطن وتعمق الولاء لدينه ومجتمعه، وأهيب هنا بأهل الاختصاص أن يعملوا على وضع استراتيجية طويلة المدى خاصة بالطفل لحمايته من تأثير الغزو الإعلامي الموجه عبر أفلام الكرتون والمسلسلات، مع حسن الاختيار لما يفيد الطفل إعلامياً، وتبني وزارتي الإعلام والثقافة إنتاج برامج ومسلسلات تعريفية بالشخصيات والأعلام العربية والإسلامية عبر العصور، تفيد الطفل، وتبني له القدوة والمثل الأعلى في هذه الرموز الفكرية، والدينية، والعلمية، وهي الأجدر بأن نقتدي بها ونحاكيها في عطائها ونبوغها، بدلاً من تقليد الدمية اليابانية \"بي كاتشو\" أو \"جرانديزر\" رمز القوة والسيطرة الخيالية، والتي استغلت نفسياً في حب الطفل لهما، حيث سوقت تجارياً في شكل منتجات سلعية، دمى وألعاب، لا نعلم إلى ما ترمز إليه.
لقد أصبحنا مسوقين لأفكار ومبادئ الغرب، ومستهلكين لمنتجاته تحت مسميات، وصور شتى بالقبول والإكراه!!
وحبذا لو أن مخططي مناهج التربية، وصفوة المجتمع الفكرية استفادوا من شغف وحب الأطفال لهذه البرامج والمسلسلات وفهمهم لها وتعلقهم بها في تطبيق هذا الأسلوب وهذه الطريقة تعليمياً عند تصميم المناهج للفصول الأولية من الصف الأول أساسي حتى الصف السادس، بوسيلة تصميم الدروس والمناهج تمثيلياً، وصور متحركة حديثة، وأفلام تسهل على الطفل تقبلها، وهضمها، وفهمها، وبهذا نكون قد كسرنا الحاجز التعليمي القديم لطريقة وأسلوب تعليم الأطفال، وأضفنا هنا عنصر التشويق والإثارة الحركية عند الطفل للمتابعة واستيعاب الرسالة والأهداف العلمية لعناصر ومفهوم الموضوع والدرس، واستطعنا الوصول للغاية بأسلوب حديث ومحبب إلى قلب الطفل وذهنه، وهذا الأسلوب في التعليم موجود في الغرب منذ زمن بعيد، وأثبتت الدراسات والبحوث فائدتها على المتلقيين من الأطفال ونجاحها.
مثل هذه التجارب التعليمية العلمية الغربية تستحق منا نقلها وتطبيقها في مجتمعاتنا للاستفادة من التحديث، وبلوغ المرام، لا ما يخدم تطلعات وأفكار الآخرين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد