مهارات العلاقات الإنسانية في نجاح قيادة العمل الإسلامي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 لما كان العمل الإسلامي يسهم إسهاما فعالاً في بناء الأمة المسلمة ولما كانت القيادة الإسلامية الناجحة تلعب دوراً هاماً في دفع العمل الإسلامي إلى الأمام لذا كان لزاماً علينا أن نبحث عن بعض المبادئ والعوامل التي لا بد أن نسترشد بها في تأدية وظيفة العمل لهذا الدين على أحسن وجه.

 

إن القيادة التربوية والأفراد زميلان في مهمة واحد ويتعاونان لتحقيق الأهداف المرجوة في جو من الاحترام والثقة المتبادلة والعمل الإسلامي خدمة إنسانية إذ أن القيادة يجب أن لا توجه كل عنايتها نحو أداء الأفراد وطريقة عملهم فقط بل عليها أن تهتم أيضاً بدراسة العوامل المؤثرة على العمل الدعوى ومن بينها العوامل المتعلقة بالأفراد وظروفهم للارتقاء بأنفسهم والارتباط والانتماء للمؤسسة الدعوية بشكل صحيح وسليم وقدرتهم على التكيف في ذلك وهذه العوامل لايمكن وضع الحلول لها إلا بالتعاون بين القيادة التربوية والأفراد وتوجيهات القيادة في ذلك والعمل الجماعي وسيلة لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية فالقيادة تعمل مع الأفراد لتحقيق تلك الأهداف أي أن العملية تواصل وتبادل بين الطرفين، وعلى ضوء ذلك ينبغي أن ينظر إلى هذا الموضوع: أننا ببساطة نرغب أن نقيم دولة الله في كل أرض وأن شريعة الله وأن نحي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن نوحد أمة الله وأن نجاهد في سبيل الله حتى يخضع العالم كله لكلمة الله وأننا ببساطة نريد أن نعرف الناس على الله وأن نرجعهم إلى مبدأ الحاكمية له الذي طريقه الإيمان برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - والالتزام بشريعته وكل ذلك بواسطة الجهاد بأنواعه كلها قال - عليه الصلاة والسلام - ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).

 

إن العمل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا هو التخليص الدقيق لسيرنا وأن نجعل كلمة الله هي العليا محور كل هدف وكلمة الله تتمثل في القرآن الكريم وإن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي الشرح التفصيلي والعملي لكلمة الله إننا جماعة شعارها الحق: ويتمثل بما أنزله الله - عز وجل - على محمد - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ((والذي أنزل إليك من ربك الحق)) وقد أمر الله - عز وجل - أهل الإيمان أن يعدو لها ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)) : والمراد بها عن الصحابة رضوان الله عليهم عندما كانوا يقولون ((جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)) نحن نريد وسنعمل بإذن الله بكل ما أوتينا من قوة من أجل أن يصبح الكتاب والسنة بمثابة المسلمات عند البشرية جميعاً.

 

وعلى ضوء هذا التقديم الذي نحتاج إليه نصل إلى الحديث عن مفهوم العلاقات الإنسانية وأثرها في نجاح قيادة العمل الإسلامي.

 

يقصد بالعلاقات الإنسانية بأنها:

 إشباع للحاجات النفسية للفرد في نطاق الجماعة أو بعبارة أخرى توفير الفرص أمام الفرد في الجماعة لإشباع حاجته إلى لأمن والاستقرار. ومسئوليتنا في العلاقات الإنسانية هو تنظيم علاقة الفرد بالجماعة بحيث يمارس نشاطه الدعوي مع المحافظة على مقومات السعادة والإشباع والتوافق وهذا يؤدي إلى اتساع نطاق العمل الدعوي والتوسع فيه مع مستوى أداء وعطاء الأفراد  في حدود بحثنا إن العاملين للإسلام هم أفراد في جماعة تربط بينهم أهداف مشتركة هي العمل من أجل إقامة أمر هذا الدين ويقوم بينهم نوع من العلاقة الغير رسمية والغير معلنة وهي الرباط التنظيمي في إطار الأخوة في الله صورة من صور العلاقات الإنسانية وكلما قويت هذه العلاقة استطاعت الجماعة أن تؤدي رسالتها في انسجام وتوافق واتجهت دوماً نحو تحقيق أهدافها.

 

والعلاقات الإنسانية السليمة هي التي ترمي إلى توجيه العاملين لهذا الدين توجيهاً سليماً مع مراعاة الفروق الفردية بينهم كما أنها تهتم بإيجاد التوافق بين المنهج وشخصية الداعية وتساعد على نمو وتطور الداعية أي أن العمل القيادي لم يعد سلطة بين رئيس ومروؤس ولكن علاقة إنسانية تسعى للرباط بين الداعية والجماعة يتكون منها العمل الإسلامي.

 

أسس العلاقات الإنسانية:

تتمثل أسس العلاقات الإنسانية في أربعة أمور هي:

1 - كل فرد في الجماعة بقيمة الأفراد الآخرين وبأن كل فرد له قدرات وواجبات وحقوق.

2 احترام رغبات الآخرين وأخذها في الاعتبار.

3 رغبة كل فرد في الجماعة في أن يسود الانسجام والتعاون في العمل بين جميع العاملين.

4 الثقة بالنفس ونبذ الغرور والادعاء.

 

أسس العلاقات الإنسانية في مجال العمل الإسلامي:

إن الفرد الداعية هو اللبنة والأداة الأولى لتنفيذ أي برنامج دعوي وهو الذي يتولى تحقيق أهداف الجماعة من خلال منا شطه فعلى قدر كفايته ومهارته وأخلاقه وروحه يتوقف مستقبل عملنا الجماعي.

 

والقيادة الإسلامية تبذل جهدها في توجيه العمل ولذا يجب أن يجب أن تتوطد العلاقة بينها وبين أفرادها في سبيل تعاونهما لتحقيق الهدف الذي يشتركان في تحقيقه ويجب أن تحترم القيادة شخصية الفرد ويظهر ذلك في سلوكها نحوه ومن ذلك:

 

1. إتاحة الفرص له للتعبير عن آرائه ووجهة نظره ومعتقده وتشجيعه على ذلك بكل حرص واهتمام.

2. مراعاة الفروق الفردية بين الأخوة واعتبار كل منهم شخصية لها قدراتها وإمكاناتها وعطاؤها وخدمتها للدعوة.

3. إشعاره بأن وجهة نظره موضع اعتبار وتكريم.

4. الاهتمام بالمشكلات الشخصية والخاصة  والدعوية من باب أولى، كما في قصة سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عندما أتى للرسول - صلى الله عليه وسلم - بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما فعل الفارسي المكاتب)) قال فدعيت له فقال: خذ هذه فأديها ما عليك يا سلمان.

5. العمل على توفيق الروابط الأخوية بينه وبين إخوانه وتطويرها والمحافظة عليها.

6. حسن المعاملة فذلك يسر الأخ ويحفزه للعمل التلقائي المنتج.

7. الابتعاد عن التفتيش والمحاسبة العلنية مع المتابعة بطريقة علمية وفق القواعد والضوابط الشرعية قال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن أثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم)).

 

إن مجالات وصور الإنسانية في الدعوة إلى الله أكثر من أن تحصى ولكن نعطي في هذا المقام إشارات ووقفات وفق الآتي:

 1 الاجتماعات واللقاءات الدعوية :

يجب أن تتوفر في هذه الأنشطة الجو المشبع بالعلاقات الإنسانية ليستطيع القائد التربوي أن يصل إلى تحقيق الفرص من هذه المناشط ويتصف بالتواضع بعيداً عن التعالي والميول الشخصية من أجل علاقات بباءة.

 

2 التقويم والمتابعة:

إننا مسئولون عمن نرعاهم يوم القيامة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك أتى الله يوم القيامة مغلولاً يده إلى عنقه فكه بره أو أوثقه إثمه أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة)) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) ويُروى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: ((أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما علي قالوا: نعم. قال: لا حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا)) ولكي تتم متابعة العمل الدعوي على الوجه السليم الذي من شأنه أن يساهم في تبصير الداعية بمحاسنه فينميها وبأخطائه فيعالجها يجب إتباع الآتي:

- يجب أن تتم عملية المتابعة والتقويم في حدود إمكانات وقدرات الداعية وظروفه وما وفر له من إمكانات وطاقات.

- أن تكون عملية المتابعة والتقويم شاملة لكل منا شط الداعية وسلوكه ونموه وتطوره

ومجهوده في إنماء الآخرين.

 

3 القائد التربوي والروح المعنوية للداعية:

الروح المعنوية هي ذلك الاستعداد الذي يهيئ للداعية في الجماعة ليقبل بحماس على مشاطرة إخوانه في نشاطهم المتنوع وهذه الروح لا يمكن افتعالها وإنما الوسيلة إليها هي أن يحتوي جو العمل بكل منشط على الظروف المواتية لتنميتها والذي يلعب الدور العظيم في إيجادها وتنميتها هو القائد المربي، روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن البراء بن عازب أنه قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته يحمل من تراب الخندق حتى وارى عن التراب جلدة بطنه الشعر فسمعته يرتجز بكلمات عن ابن رواحة وهو ينقل التراب يقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينـــــــــــــة علينـــــا *** وثبت الأقدام إن لا قينا

إن الأُلى قد بغـــوا علينـــــــا *** وإن أرادوا فتنــــــــة أبينـــــا

ثم يمد صوته بآخرها يعني يقول: أبينــــــــا.... أبينــــــــــــا.

ولا تسل عما كانت تصنعه هذه الكلمات المؤمنة من العذاب في نفوسهم من مضاعفة الجهد الاستهانة بالنصب والتعب وبهذا العلم الدائب أتموا حفر الخندق في ستة أيام.

 

وتعتمد الروح المعنوية على العلاقات الإنسانية السوية لأية مجموعة من الأفراد وعلى شعورهم نحو بعضهم البعض وشعورهم نحو قادتهم ونحو العمل نفسه. فإذا أحس الجميع بأن القائد التربوي يؤيدهم فيما يقومون به من أعمال وأحسوا بأنهم على دراية تامة بما يحيط بهم في الجهاز الدعوي من أمور فإن ذلك يزيد من إنتاجهم. ولهذا يجب على القائد التربوي أن يتلمس الطرق والأدلة التي تطلعه على نوع العلاقات الإنسانية السائدة بين الأفراد وبعضهم مع بعض وبينهم وبينه.

إن الروح المعنوية تعتمد على القائد الصالح الذي ينظر إلى كل فرد كزميل له في العمل ويعاونه في مشكلاته المختلفة التي تهمه ويبني علاقته معه على أساس من الود والتفاهم والاحترام المتبادل ويشجع الأفراد على الابتكار والإبداع ويهيئ لهم الظروف والإمكانات المناسبة لنموهم وتطويرهم ويجب أن يرتب القائد التربوي له زيارات ولقاءات مع أفراده لدراسة أمورهم وأحوال أنشطتهم ولاشك أن توفيق صلة القائد التربوي بإخوانه في ظل هذه الصلات يتيح الفرص لتوجيههم وتنمية العلاقة معهم في جو طبيعي لا تكلف فيه.

 

يجب أن لا يضن القائد التربوي الثناء والمدح على من يستحق وأن يكون عتابه رقيقاً إذا كان هناك ما يدعو لذلك فليس أثقل على النفس والروح المعنوية من اللوم والتقريع المبالغ فيه وعلى القائد التربوي أن يسعى لكسب صداقة الأفراد ومحبتهم عن طريق العدل والإنصاف والاهتمام فليس هناك من شيء يبغض الفرد في قائده من أن يتم تقويمه جزافاً (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)) ومن أهم الأمور التي تؤدي إلى نجاح القائد التربوي في عمله تعرفه على الأنماط المختلفة لشخصيات الأفراد إذ تتباين نزعاتهم تبعاً لتباين شخصياتهم وخلفياتهم التربوية حيث توجد الشخصية الإيجابية التي يتميز صاحبها بالتطور والنمو والتكيف بالمؤثرات الجديدة والإفادة منها أما الشخصية السلبية فتتمثل في أولئك الذين انحرفوا عن جادة التدين الصحيح وسقطوا من قطار الدعوة وهذا النوع يكونون في الغالب ذوو مشاكل وأمراض.

 

4 القائد التربوي ومشكلات الداعية:

إن القائد مسئول عن توجيه جهود أفراده والتنسيق فيما بينهم والإشراف على مناشطهم وأعمالهم ولكن قد يواجه حالات من الأفراد لا تستطيع أن تتكيف بطريقة مناسبة مع جو العمل الدعوي المؤسسي أو نحو المؤسسة الدعوية بذاتها وتكون دائماً مصدر تعب وشكوى ونقد غير بناء وبالرغم من ذلك فأن مثل هؤلاء الأفراد قد يكون لهم في العادة مقدرة طيبة على العمل والعطاء والإنتاج في مجالات غير متوقعة لولا وجود بعض السلبيات في اتجاهاتهم وطرائقهم في التفكير ومعالجة الأمور، والقائد التربوي الناجح هو الذي يتخذ موقفاً إيجابياً مناسباً في التعاطي معهم ومع مشاكلهم وقدرته على تفعيل الأساليب والعلاقات الإنسانية وتوظيفها لصالح معالجة أمثال هؤلاء وتغيير اتجاهاتهم نحو الإيجابية ونحن ننصح تجد وتعمل في مناحي الخدمة العامة فتبني أنديتها وكثير قد بنى داره وأصبحت ملكاً خالصاً له وخاصاً به، وكثير منها كذلك قام بكثير من المشروعات الخيرية والاقتصادية والاجتماعية، وجميعها دائمة النشاط جمة الإنتاج كما أن صلة المكتب بفروعه وهيئاته المختلفة ليست صلة الرئيس بالمروؤس وليست صلة الإدارة البحتة والإشراف العلمي فقط ولكنها صلة فوق ذلك كله صلة الروح أولاً وصلة أفراد الأسرة الواحدة بعضها ببعض التزاور في الله فدعاة الإخوان يزورون إخوانهم ويختلطون بهم ويعرفون أهم ما يتصل بحياتهم وشئونهم الخاصة والعامة ولم يتوفر ذلك لهيئة من الهيئات القائمة فيما أعلم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 

أيها الإخوان:

لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين عظيم الأمل في المستقبل مادمتم كذلك أخوة في الله متحابين فاحرصوا على هذه الوحدة فأنها سلاحكم وعدتكم والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply