الرجولة في الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مؤلم حال الشباب في هذا العصر.. الرؤية أمام عينيه يغطيها الضباب.. والحقائق تائهة.. وقليل منهم من يعرف الصواب من الخطأ!!.. الشباب معذور، فوسائل الإعلام قلبت الموازين في الرؤوس، وأفسدت مفهوم الرجولة لديهم.. فصار الممثل الوسيم، أو الفنان الشهير، أو اللاعب القوي الموهوب.. هم رموز الرجولة، وهم الأمثلة التي يجب أن تحتذى.. ولو رجعوا أو قل لو أرجعتهم وسائل الإعلام المختلفة إلى المعنى الحقيقي للرجولة لما آلوا إلى ما هم فيه من تخبط، وتردٍ,، وانهيار.

لقد وقف الإسلام من الرجولة الحقيقية في الإنسان موقفاً آخر، فهي ليست بالوسامة، أو انفتال السواعد، وانبساط القامةº وإنما توصف بمقدار الحزم، واتزان العقل. فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب\"، فالقوة إذا لم تجد لها عقلاً يسيرهاº تغلبت على صاحبها، فكانت عليه وبالاً كبيراً، ومن أجل ذلك يقول الشاعر:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

            هو أول وهي المحل الثاني

 

فالعقل والقوة هما الركيزتان اللتان يقوم عليهما صلاح الملكº وذلك كما جاء في قوله - تعالى - عن \"طالوت\": إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم(247) {البقرة: 247} وقد قدم بسطة العلم على بسطة الجسمº ليتسنى لصاحبها أن يقوم بشؤون حياته خير قيام.. وليس معنى هذا أن الرجولة في غنى عن القوة.. لا.. بل لابد لها من قوة تحميها، وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير\" رواه مسلم. لكن القوة هنا أيضاً ليست مادية فقط، بل ومعنوية أيضاً.. والقوة المعنوية ألزم للإنسان من القوة الجسمية، وأساسها كمال العقل الذي يثمر سداد الرأي، واتزان الفكر.

وإذا كان للجسم سن يبلغ فيه الإنسان به سن الرشد، وهو الحادية والعشرون مثلاًº فإن للعقل حداً يبلغ فيه صاحبه الرشد الحقيقي الذي يستطيع به أن يحسن التصرف في حياته الدنيا وآخرته، وهذا الرشد الأخير هو الوصف العقلي الذي يعترف به الإسلام لحد الرجولة، والذي عناه الله - تعالى - في قوله للأوصياء على القصر: وابتلوا اليتامى\" حتى\" إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم6 {النساء: 6}. فقد يشيب الرجل ولا يزال طفلاً في عقله لا يحسن القيام بأمور دنياه ولا آخرته.

وقد وصف الله - تعالى - الرجولة الكاملة في مواضع عدة مترابطة في القرآن الكريم: فهي مرة عن عمار بيته، وعشاق مساجده كقوله - تعالى -: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها \\سمه يسبح له فيها بالغدو والآصال 36 رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار 37 {النور: 36، 37}.

وهي في موضع آخر تتركز في صدق العهد مع الله، والوفاء له بما يتطلبه الإسلام من عهود ومواثيق لا تغيير فيه ولا تبديل، كقوله - تعالى -: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى\" نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 {الأحزاب: 23}.

كما يصف الله - تعالى - الرجولة الكاملة، والرشاد العقلي في موطن آخر بأنه الشعور بحلاوة الإيمان، ومحبته، وبأنه هداية من الله إلى المؤمن فيقول - تعالى -: ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 {الحجرات: 7}.

وعلى هذا فالرجولة في الإسلام لا توزن في الإنسان بضخامة جسمه، ولا بسرعة حركته، أو بقوة بطشه، كذلك لا يصح أن توزن الرجولة في ابن آدم بكثرة ماله، أو بسعة جاهه.. وإنما تقاس الرجولة الحقة في الإنسان بمقدار ما يستطيع أن يصل قلبه بالله مرة، وعقله بالناس مرة، وهواه الحلال بنفسه مرة.. فيعطي بذلك كل ذي حق حقه من غير غطرسة ولا كبرياء.

علينا أن نجعل التقوى ميزان حكمنا على الرجال.. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى\" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم 13 {الحجرات: 13}.

إن الرجولة في حقيقتها ليست إلا قلباً يصفو، ونفساً تطهر، وضميراً يستيقظ. ومصدر ذلك كله الصدق، والوفاء، والمحبة، والإخاء، وخشية الله في السر والعلن.. هذه هي الرجولة الحقة.. فهل من معتبر؟!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply