الخير عادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حد الخير هو ما كان ضد الشر، وهو الفاضل من كل شيء، وفي الأثر:  \"خير الناس خيرهم لنفسه\".

ومن يسرٌّه الخيرُ يصيب الناسَ فهو من خيارهم، وشرهم من داراه الناس لشره، ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه.

 

ما الخير صوم يذوب الصائمون له ***ولا صلاة ولا صوف على جسد

 

وإنما هو ترك الشر مطرحاً ***ونفضك الصدرَ من غلٍّ, ومن حسد

 

قال الله - جل وعلا -: (ليسَ البِرَّ أَن تُوَلٌّوا وُجُوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلآئِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهدِهِم إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ البَأسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ) [البقرة:177].

إن الخير موافق للعقل السليم، فلا يقبل إلا إياه ولا يميل إلا إليهº بخلاف الشر فإن العقل السليم ينفر عنه ويقبحه، والبدار إلى عمل الخير اختياري، ورده إلزامي.

 

فاستغنم الخير فالدنيا على أحد *** ليست تدوم وهذي عادة الزمن

 

وإن من الخير للنفس المؤمنة تعويدها فعل الخيرات والتجافي عن المنكراتº فالخير عادة والشر لجاجة.

العادة سلوك ذاتي باستطاعة المرء مع الصبر والإرادة الصادقة تطويره وتنميقه وتحسينه وتزويقهº فالإنسان قد منحه الله مرونة لإعادة صياغة ذاته، وتطوير عاداته بما يتناسب مع احتياجاته ومكتسباته ومتطلباته، وفي هذا حديث أشج عبد القيس الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة\" فقال: أشيء تخلقتُ به أم جبلتُ عليه يا رسول الله؟ فقال: \"لا.. بل جبلتَ عليه\" فقال: الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله ورسوله. [رواه مسلم]

وخبر الرجل الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: \"لا تغضب\" فردد مرارًا، قال: \"لا تغضب\" [رواه البخاري].

ومع تكرار الفعل وممارسته تتعلق نفسه به شَعُر أو لم يشعر، فيكتسبه عادةً، سواء حسنت أم قبحت، ويتكيف عليهاº بل ويألفها ولا يستهجنها، وللمعرّي أبيات:

 

والمرء يوجد من عدمٍ, وما نقلت ***عنه الحوادثُ من عاداته رِيعًا

 

إن يألَفِ الهضبَ لا يَبغِ الوُهودَ به ***أو يألفِ الوهد لا يُؤثِر به الرِّيعا

 

وفي الضّرورَة يلغى ما تَعوّدَه ***والعُفرُ تأكل في الرمل اليساريعا

 

وفي لسان العرب: الرِّيع: المكان المرتفع على جوادِّ الطرق، والهضب: المكان المتمنع، والوهد: المكان المطمئن، والعفر: الظباء، واليساريع: دود.

ومتى وجد الجاد من نفسه إقبالاً فليحملها على الخير وليقتنص الفرصة، وإذا تثاقلت عن ذلك فلا يقسرها فتمل، ولا يركن إلى الدعة والكسلº فإن النفس تستمرئ ذلك وتعتاده.

 

والنفس إن أعطيتها هواها *** فاغرة نحو هواها فاها

 

فاكتساب العادة الحسنة يتطلب صبرًا ومرانًا وممارسة ودربة، ومع مرور الزمن تصبح أمرًا ميسورًا معتادًا، وكل عادة خيرة تُكتسب تضيف إليك خبرةً، وتضفي عليك بهجةً ونضرةً وتألقاً، وتزاحم العوائد التي بلا فوائد.

وقدماً شاع وذاع لمالئ الدنيا وشاغل الناس: لكل امرئ من دهره ما تعودا.

وليس من العسير أن يعوِّدَ المرء نفسَه على معالي الأمور فيألفها وتألفه، فمن طبيعة الإنسان أنه يألف ويؤلف، وفي المأثور: الإنسان ابن عادته، والكريم يألف الكمالات.

ومن مقول أبي الدرداء - رضي الله عنه -: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يعطه، ومن يتوقَّ الشر يوقه.

ومن السداد والتوفيق أن يكون من وكد المرء وهمه أن يعتاد الخير ويراقب نفسه في مكتسباته..

 - فيتعود أن يعالج نيتهº فرب عمل قليل كثرته النية، ورب عمل كثير قللته النية.

 - يتعود التقوىº فمن يتق الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا.

 - يتعود ذكر اللهº فالذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت، والبيت العامر والخرب.

 - يتعود أن يسأل الله بأسمائه الحسنى من خيري الدنيا والآخرة، ولا يحمل هم الإجابة.

 - يتعود بر والديه حيين أو ميتين، وفيهما فجاهد فثَمَّ الجنة.

 - يتعود صلة الرحم فيغنم سعة الرزق وطول العمرº فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله.

 - يتعود الصدقº فإن الصدق نجاة وسلامة، والكذب جبن وندامة.

 - ويتعود حفظ جوارحه عن أعراض المسلمين، وخاصة اللسانº فكل اغتياب جهد مَن ما لَه جهد.

 - يتعود الدعوةº فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.

 - يتعود البذل والجود وبسط الكفº فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه.

 - يتعود الفرح بتوبة التائبين ورجوعهم لرب العالمين، والشفقة عليهم من الوقوع في سخط الجبار - جل وتعالى -.

 - يتعود أن يهتم بشأن المسلمينº فمن لم يهتم بشأن المسلمين فليس منهم.

 - يتعود الحلم وكتم الغيظº فمَن ردَّ غضبَه هدَّ مَن أغضبه.

 

لا يبلغ المجد أقوامٌ وإن كرُموا ***حتى يَذلوا - وإن عزّوا - لأقوامِ

 

ويُشتَموا فترى الألوان مسفرةً ***لا صفحَ ذلٍّ, ولكن صفحَ أحلامِ

 

 - يتعود أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر تشمله الخيرية.

 - يتعود الابتسام وطلاقة الوجهº فتبسمك في وجه أخيك صدقة.

 - يتعود أن يتشبع بالأملº فالأمل حادي العمل، وإياه واليأس فهو بريد الانتكاس والارتكاس.

 - يتعود التخطيط لحياته، وتحديد أهدافه يحسن اختياره، ويتضح مساره.

 - يتعود تطوير نفسه وتنمية ثقافته وبناء ذاته يتسع أفقه، وتتجدد حياته، ويصنع السعادة لنفسه ولغيره.

 - يتعود أن يكون قارئاًº فالقراءة تنمي الفكر وتكسب التجارب وتعلم الحكمة.

 - يتعود الاستقلال بشخصيته والاعتداد بها مع عدم الإعجاب بالذات، لكي لا ينجرف مع كل ناعق، وحتى لا تكثر الصور المكررة في الميدان، وكي يكثر الإبداع، فالتنوع ظاهرة صحية.

 - يتعود أن يراعي الذوق العام ويحترم مشاعر الآخرينº فالذوق قيمة سامية، ومؤشر على الرقي والوعي يضفي على حياة الفرد بهاءً وجمالاً ويجعلها أكثر سعادة وهناء.

 - يتعود تنميق عباراته وانتقاء كلماتهº فالحديث المزوق ينفذ الآذان ويهز الوجدان، وإن من البيان لسحرًا.

 - يتعود أن يكون مستمعاً جيداً يحسن الإنصاتº فلن يبلغ المجد ناشده حتى يصبر على سِرَارِ الشيوخ البُخر.

 - يتعود الرفق في شأنه كلهº فما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه.

 - يتعود الإيثار وترك حظ النفس وعدم الانتصار لهاº بل واتهامها بالتقصير خاصة مع الله - سبحانه وتعالى - .

 - يتعود الأناة والتريثº فالعجلة طيش ونزق وندامة، وفرق بين العجلة والمبادرة لاقتناص الفرص.

 - يتعود الاقتصاد في الكلامº فخير الكلام ما قل ودل وجل، ولم يطل فيمل.

 - يتعود الاعتدال في الطعامº فالبطنة تذهب الفطنة، وسبب للفدامة والعي، وقسوة للقلب.

 - يتعود الانتظام بالمنام والقيامº فكثرة النوم هدر للوقت وبلادة وذبول وخمول.

 - يتعود الحيوية والجد في مختلف شؤون حياته يجد ذلك يسيرًا عليه، ويرى الثمرة بعينيه.

فمن رغب النٌّجح والسعد فليفعل وإن كان ثمة عناءº فكل امرئ رهنٌ بما يتعود، وإنما يألف الراحات من تعبَ.

 

وليس بمعجز خوض الفيافي *** \"إذا اعتاد الفتى خوض المنايا

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply