بسم الله الرحمن الرحيم
تلميذي الغالي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد.
فهذه بعض كلماتٍ, أَخُطٌّها لك ببناني، وكلي إشفاق عليك، ومحبة لك، وما أغني عنك من الله من شيء.
أيها العزيز الغالي:
إني أحسبك قطعة مني، يؤلمني ما يؤلمك، ويحزنني ما يحزنك، فأنت مني بمنزلة الابن، وأنا لك بمنزلة الوالد، ولذا تجدني أحرص كل الحرص على ما فيه نفعك في الدنيا والآخرة، فأنا أحب لك ما أحب لابني من النسب، وأخاف عليك مما أخاف عليه، راجياً أن أكون ممن قال فيهم رسول الله - صلى اله عليه وسلم -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّملَةَ فِي جُحرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلٌّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ) رواه الترمذي (2685).
عزيزي الغالي:
لقد خطّ يراعي لك هذه الحروف، إشفاقاً عليك، وحباً لك، ولولا أنني أتمنى لك الخير، وأرجو لك التوفيق في الدنيا والآخرة، لما تجشمت عناء الكتابة، ولما همست لك بشيء، ولكنني تأملت حديث حبيبنا - صلوات الله وسلامه عليه - حين قال: (... فَوَاللَّهِ لَأَن يَهدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (3009)، وتدبَّرتُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبٌّ لِنَفسِهِ). رواه البخاري (13).
لقد قلتُ في نفسي: إنّ هذا الحديث جاء في شأن الأخ الذي لا تجمعه بأخيه سوى صلة الدين. فلا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه من الخير ما يحبّ لنفسه, فكيف بمن زاد على ذلك بأعظم صلة، وهي المسئولية عن تربية وتعليم أبناء المسلمين وحاملي راية الإسلام غداً.
إنَّ هذا أحق الناس بأن يحب لطلابه الخير.
كيف لا وهم أمانة في عنقه، يُسأَلُ عنها يوم القيامة: هل حفظها وقام بحقها، أم أنَّه أهملها وضيَّعها؟
كيف لا والطالب يقضي في المدرسة مع معلمه أوقاتاً تفوق تلك التي يقضيها مع الوالدين بالمنزل.
إنَّ هذا حريُّ به أن يحب الخير لمن هو بمنزلة فلذة كبده أشدَّ من حبه الخير لنفسه، كيف لا؟ ورسولنا - صلوات الله وسلامه عليه - يقول: (إِنَّ أَحَدَكُم مِرآةُ أَخِيهِ فَإِن رَأَى بِهِ أَذًى فَليُمِطهُ عَنهُ) رواه الترمذي (1929)، ويقول: (إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، قَالُوا لِمَن يَا رَسُولَ اللَّهِº قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم) رواه مسلم (55) والنسائي، واللفظ له (4199).
حبيبي وفلذة كبدي:
إنّ القلب ليعتصر كمداً، وإنّ أوصال الفؤاد لتتقطع حسرة حين أراك تصرّ على معصية الله - تعالى -، وتلهث وراء شهواتك المحرمة، وكم تمنيت - والله - لو خسرتُ كل ملذات الدنيا، وربحتُ توجهَك إلى بارئك، ولجوءَك إليه، وإخباتَك بين يديه، وكيف لا؟! وأنت رأس مال هذه الأمة، وأملها الموعود، واستثمارها الحقيقي.
كم يأخذني الألم حين أرى ملامح وجهك يكسوها الهمٌّ، ويعلوها الغمٌّ والضّيق، لا من شيء سوى الوقوع فيما لا حاجة لذكره لك، فأنت تفهم ما أقصده، ولذا أجدك غنياً عن سماعه.
يا أملي وألمي:
إنك لا تقدر ما يصيبني من حسرة، وما أعانيه من حرقة حين أسمع منك كلمة (طفش، ضيق صدر، سآمة، أحسٌّ بوحشة، وقتي ضائع، احسٌّ بنفرة من أهل الخير). إنني لا أملك إلا أن أعظك بكلام ربك القادر على جلب الخير لك، فاسمعه: (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ*يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلٌّ مُرضِعَةٍ, عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلٌّ ذَاتِ حَملٍ, حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج: 1- 2.
فهل قدرت لذلك اليوم قدره؟. وهل فكرت بمصيرك في ذلك اليوم؟!
فلذة كبدي:
هل تراك أدركت كم هي غالية ضريبةُ خِلَّتِك لغير الأخيار؟! فإن أنت لم تدركها فاسمع قوله - تعالى -: (الأَخِلَّاءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلَّا المُتَّقِينَ) الزخرف: 67. ترى أين مستقر هؤلاء الأعداء يوم المعاد؟!
ثم أتراه يهون عليك أن تعادي أحب أحبابك وأخلائك في الدنيا؟ وهل يهون عليك أن تراه صريعَ حادثٍ, مروري؟
إن كان لا يهون عليك هذا أو ذاك، فكيف يهون عليك أن تكون سبباً في عذابه يوم القيامة في نارٍ, قال عنها نبينا - صلى الله عليه وسلم - مقارناً لها بنار الحياة الدنيا: (نَارُكُم هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جُزءٌ مِن سَبعِينَ جُزءًا مِن حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ إِن كَانَت لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَت عَلَيهَا بِتِسعَةٍ, وَسِتِّينَ جُزءًا كُلٌّهَا مِثلُ حَرِّهَا) رواه مسلم (2843) فهل ترضى أن تكون سبباً في دخول محبك تلك النار التي وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلفَ سَنَةٍ, حَتَّى احمَرَّت ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيهَا أَلفَ سَنَةٍ, حَتَّى ابيَضَّت ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيهَا أَلفَ سَنَةٍ, حَتَّى اسوَدَّت فَهِيَ سَودَاءُ مُظلِمَةٌ) رواه الترمذي (2591).
يا من أعقد عليك الخير:
قد لا أكون أول من أسدى إليك النصيحة... فإن كان الأمر كذلك: فيا ترى ماذا تنتظر؟ لم لا تسارع في التوبة؟ أو على الأقل لم لا تفتح قلبك لناصحك وتبثَّ له ما في قلبك من شبهات تمنعك من اللحاق بالركب؟!.
ألم تسمع حديث حبيبك - صلى الله عليه وسلم -: (بَادِرُوا بِالأَعمَالِ سَبعًا هَل تَنتَظِرُونَ إِلَّا فَقرًا مُنسِيًا أَو غِنًى مُطغِيًا أَو مَرَضًا مُفسِدًا أَو هَرَمًا مُفَنِّدًا أَو مَوتًا مُجهِزًا أَو الدَّجَّالَ فَشَرٌّ غَائِبٍ, يُنتَظَرُ أَو السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدهَى وَأَمَرٌّ) رواه الترمذي (2306)
عزيزي وقرة عيني:
أهمس لك بمقولة ابن القيم محذراً مما أحذرك منه، حيث قال: (قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب، ويضيعون الوقت، وطول الهمّ وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية، والغفلة عن ذكر الله، كما يتولد الزرع من الماء والإحراق عن النار... وأضداد هذه تتولد عن الطاعة...
أمّا تأثير الاستغفار في رفع الهمّ والغمّ والضيق: فمِمَّا اشترك في العلم به أهل الملل، وعقلاء كل أمة.
إن المعاصي والفساد توجب الهمََّ والغمَ، والخوف والحزن، وضيق الصدر، وأمراض القلب، حتى أنَّ أهلها إذا قضوا منها أوطارهم، وسئمتها نفوسهم، ارتكبوها دفعاً لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم، كما قال شيخ الفسوق:
وكأس شربتُ على لذةٍ, وأخرى تداويت منها بها.
إنتهى كلامه رحمه الله.
ابني الحبيب:
إذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب، فلا دواء لها إلا التوبةُ والاستغفار.
فهل أنت مقبل على ربك آيب تائب؟؟ اللهم اجعله نعم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد