لا تتركيه يسير معك وهو ينتحب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف تتصرفين حين يستفزك طفلك, وأنتما تتسوقان بالتشبث بما يراه في متجر اللعب؟

 في المتجر توقف صغيري أمام أكثر من لعبة، ودق بقدميه الأرض لأشتريها له، رفضت، زاد إصرارًا،  فنهرته بشدة، وجذبته من يدهº لأكمل شراء احتياجاتي، فسار معي وهو ينتحب، في طريق عودتنا التقيت إحدى صديقاتي المقربات، وكانت صغيرتها تحمل في يدها لعبة، وبمجرد أن تصافحناº لتمضى كل منا في طريقها، شد ابني اللعبة من يد الطفلة، وأصر على أن يصطحبها معه إلى البيت قائلاً للصغيرة: هل تسمحين لى بالاحتفاظ بلعبتك، وعندما تأتين مع أمك لزيارتنا سألاعبك معي بكل لعبي؟ أخجلني تصرف ابني وبعد نقاش طويل ومجهد ترك اللعبة، وسار بجواري حزينًا، عدنا إلى البيت، وانشغلت بترتيب ما اشتريته، ولكن ابني لم يدعني، فقد ظل يناديني كل دقيقة تقريبًا ليطلب حلوى، أو ليسألني بماذا يلعب؟ أو ليريني رسمًا لونه في مجلة أطفال، أو ليسألني متى سنزور جدتي؟ وهل ستتركيني أبيت معها.

شعرت بالاستفزاز والضغط العصبي الرهيب، وتراقصت أمام عيني تصرفات ابني في المتجر، ومع لعبة ابنة صديقتي، فاستجمعت قواي في صرخة نهرته بها، وطردته خارج المطبخ، فجرى وهو يبكى، بينما غرقت في الإحساس بالذنب والندم، سألت نفسي ماذا عليّ أن أفعل؟

  هل شعرت بالإحساس نفسه نحو طفلك؟ وهل مر عليك يوم مثل الذي عاشته هذه الأم، وعجزت عن التصرف السليم فيما واجهك خلاله من مواقف.

  

إذن لنتعرف معًا على ما كان على هذه الأم أن تفعله ليمر اليوم بسلام، ومن دون ندوب في نفسية صغيرها البريء؟

   تقول الخبيرة التربوية فيليس هوسلر - هناك مشكلة قلما نجد آباءً أو أمهات لم يواجهوها، ألا وهي تعلق الطفل بكل ما هو جديد سواءً في متاجر اللعب، أو سوق الحلوى، أو حتى ما هو في يد أقرانهم، وإن كان أقل قيمة مما يملكون بالفعل، لحل هذه المشكلة تضيء الكاتبة حقيقة غائبة عن أذهان الآباء والأمهات، ألا وهى أن هذا التعلق الظاهري بالأشياء الجديدة مظهر طبيعي نمر نحن الكبار به.

  

   ولكننا لا نحزن إن لم نمتلك كل ما نتعلق به، ومن ثم فإن عبارة \"أريد يا أمي\" الرائعة يجب ألا تؤخذ في الغالب مأخذ الجد، فهي مجرد تعبير عن رغبة وقتية وبالتعامل السليم مع الموقف لن يتمسك الطفل بها.

   إذا نظرنا بهذه الطريقة إلى الأمر سنمتنع عن وصف أطفالنا بأنهم ناكرون للجميل، ومتذمرون، وطماعون، وغيرها من التهم التي نقذفهم بها طوال اصطحابنا لهم في الأسواق.

   ماذا نفعل إذن بدلاً من توبيخ الطفل، ووخزه وبدلاً من أن نلوم أنفسنا بأننا نترك أطفالنا تعساء؟ تجيب الخبيرة: يمكننا بدلاً من ذلك، إذا ما أعلن الطفل عن رغباته، أن نتريث لكي نقول له: حقيقة إنه شيء لطيف، أليس كذلك؟ تأمل كذلك هذه اللعبة، وهكذا نستمر في حديثنا الودي معه فنقول له: إن ذوقك طيب في اختيار اللعب، فإظهار عطفنا على هذا النحو، يساعد الطفل الذي يقف عند واجهة المتجر، ويبعد عنه أي إيحاء بالخطأ في إعلان رغبته بصوت مرتفع، وهذا يقلل أيضًا بصورة فعالة الرغبة الحقيقية في التطلع إلى الأشياء، ورؤيته أشياء كثيرة محببة إليه تفقده جاذبيته القوية لاختياره الأول كانت.

   في أحيان أخرى يمكننا محاولة إرضاء رغبته بطريقة ذكية كأن نقول له: أظن أن لديك نقودًا في صندوقك تكفى لهذا الغرض، إذا كنت متأكدًا أن هذا هو ما تريد شراءه، فلنذهب إلى البيت لنرى، وهذه الطريقة ستساعد الطفل على معرفة أن الغرض من النقود مبادلتها بشيء آخر وهو درس ضروري، يعلمه أن الادخار يفيدنا في أوقات الشدة، لذلك ينبغي أن ندرك أن الطفل الذي يجرى هنا وهناك مأخوذًا في متجر اللعب يشير ويتعجب، ويعبر عن إعجابه التلقائي، إنما يتصرف تصرفًا سليمًا طبيعيًا، أما إذا وجدناه منصرفًا عن التطلع إلى هذه الأشياءº لأنه لا يستطيع الحصول عليها، أو لم يصدر عنه ما يدل على اللهفة، فيحق لنا حينئذ أن ننزعج.

وترصد فيليس هوسلر تصرفًا آخر يزعج الآباء والأمهات، وذلك حين يفاجئون بطفلهم يخطف دمية صديقة أو لعبته، وهو على وشك الرحيل، وهو يقول أريد إبقاءها معي، أو هل أستطيع أن آخذها إلى البيت؟ وتؤكد الكاتبة أن مثل هذا الطفل لا يزيد خطؤه في الأخلاق الحميدة على ثغرة صغيرة، وفقًا للمعايير التي اصطلح عليها الكبارº لأن الطفل على الأقل يقول مخلصًا: إنني أريد لعبتك هذه، ويمكن صرف الطفل عن هذه الرغبة بتحويل الحديث إلى منحى آخر كأن نسأله: وماذا ستعطى من لعبك لصديقك مقابل هذه اللعبة، أو تخاطبين الصديق قائلة: لا تنسى اصطحاب هذه اللعبة معك كلما جئت لتلعبا بها سويًا.

  ويحدث تعلق من نوع آخر يزعج الأم خاصة، ويكون داخل البيت، وهى صورة الطفل الذي يلاحق أمه في أنحاء البيت مرددًا طلبات لا تنتهي مثل: أريد أن ألعب؟ أريد قطعة من الحلوى؟ انظري يا أمي إلى هذا؟ ماذا سأفعل عندما يأتي صديقي فلان؟ وهكذا سيل من الطلبات التي يريد منها في الحقيقة جذب أمه إليها ويقول لها: لماذا لا تتحدثين معي، وتنظرين إليّ، وتتصلين بي؟ لأن كل الأشياء التي طلبها ليست إلا تعويضًا عن شيء آخر أكثر دوامًا أنكرته عليه أمه، ومن المؤسف - كما تقول الخبيرة - أن هناك أمهات يجدن في هذا التعويض بديلاً سهلاً لما يبدينه من إهمال لأطفالهن، والطفل الذي لا يتأكد من شيء معين كحب أمه له، أو من منزلته في البيت يجد عزاءه وأمنه فيما يستطيع الحصول عليه، فالحلوى التي تقدمها له أمه تعنى على الأقل نوعًا من الاتصال بها، واللعب الكثيرة التي يملكها، والتي تتزايد حجمًا ونوعًا، إنما تؤكد له - بل وتؤكد لغيره - أنه شخص له أهمية في البيت، لذا فالطفل الذي لا يريد مشاركة أصدقائه في لعبة، أو ذلك الذي ينتزع منهم لعبه، لن يجدي معه القهر والإجبارº لأنه لن يتعلم من ذلك شيئًاº لأنه لن يسمع إلا الصوت الذي يتردد في حياته الخاصة، ولن يدرك إلا أنه محروم من الذي يراه فحسب، والحل إذن - وفى كل مشاكل الصغار، هو تأمين روعهم إلى أقصى حد، ومنحهم نظرات الود التي يحتاجونها، والأذرع الحانية، والحجور المطمئنة، والتعليقات التي تريح الطفل مثل: لقد قمت بعمل رائع إنني أحب ذلك جدًا، تهدئة لروع الطفل وإراحة لنفسه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply