حب المظاهر أمر انتشر كثيراًًَ بين الرجال والنساء، رغبة منهم في ظهور ذواتهم بمظهر لائق في نفوس الآخرين. ومحاولة لفت الأنظار إليهم بمظهريتهم الجوفاء.
وهذه الظاهرة مرجعها غالباً إلى ما يشعر به بعض الناس من القصور في أنفسهم فيعوض ذلك بمحاولة إخفاء عيوبه تحت ستار مظهريته الزائفة.
وحب المظاهر له صور كثيرة منها:
- المبالغة في الملابس، والتفاخر في أثمانها، والحرص على المتميز من أنواعها وألوانها ليسترعي انتباه زملائه له.
ووصل الأمر عند بعض النساء إلى الإكثار من ملابس الحفلات والسهرات والولائم وعدم تكرار لبسها، فتحولت بيوت بعض الناس إلى مخازن للملابس. ولا شك أن هذا إسراف يذم فاعله، قال الإمام ابن الجوزي: (وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة لا المترفعة ولا الدون، ويتخيرون أجودها للجمعة والعيد ولقاء الأخوان) وما كان الناس يقيسون الرجال بلباسهم، بل بكلامهم وفعالهم، ولذا لما دخل رجل رث الثياب على معاوية فانصرف عنه قال له الرجل: يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك ولكن يكلمك من فيها.
ومن صور الإسراف لدى بعض الناس- هداهم الله-: التفاخر في الولائم والإكثار من أصناف الطعام وألوان الشراب، مما لا يأكل إلا القليل منه، وهذا إسراف محرم بصريح الآية القرآنية في قوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين }.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أحل الله في هذه الأيام الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة، فأما ما تدعوا الحاجة إليه، وهو ما سد الجوعة، وسكن الظمأ فمندوب إليه عقلاً وشرعاً لما فيه من حفظ النفس، وحراسة الحواس).
وكلنا يعلم أن الإسراف في تناول المطاعم والمشارب يؤدي بالإنسان إلى التخمة والسمنة المفرطة التي قد تسبب له بعض الأمراض وتعيقه عن القيام بكافة أعماله. قال طبيب العرب المشهور: الحارث بن كلدة:(المعدة بيت الداء،والحمية رأس الدواء) وقال الإمام ابن القيم مراتب الغذاء ثلاث : أولها: مرتبة الحاجة، والثانية: مرتبة الكفاية، والثالثة:مرتبة الفضلة والشبع المفرط يضعف القوى والبدن. أ. هـ
قال الصحابي اللجلاج العامري- رضي الله عنه-: (ما ملأت بطني طعاماً منذ أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، آكل حسبي وأشرب حسبي) رواه الطبراني والبيهقي، وذكرا أنه عاش مائة وعشرين سنة- رضي الله عنه-.
ومن الأمور التي يحرص بعض الشباب على التباهي بها: نوع سيارته، فتجده يشتري كل سنة سيارة جديدة مع تجدد كل موديل ليظهر أمام أصدقائه انه متابع لكل جديد، وما علم أنه بذلك يكسر قلوب زملائه من أولاد الفقراء وقد يصيبونه بالعين فيحسدوه، فيصاب بالعين وهو الذي تسبب على نفسه أولاً.
وقس على ذلك التباهي في الكماليات المنزلية والأدوات المدرسية وغيرها مما تريد إظهاره أمام الناس.
ولنعلم يقيناً أن الرجل حقاً هو من ملك عقلاً راجحاً وفعلاً مسدد، وعزيمة صادقة فأدى حق رجولته بفخر ووقار بعيد عن المظاهر والمراء وحب الثناء.
ولتكن همتك يا أخي الكريم أكبر من ثوب تلبسه وسيارة تركبها كحال ذلك الذي قيل له: ما تتمنى من الدنيا؟ فقال: مطعم شهي، وملبس دفي، ومركب وطي) إن هذه أماني دنيوية وطموحات مادية لا تلبث أن تزول، فلتكن همتك أكبر من ذلك، فإن النفوس كلما كانت أشرف كانت الهمة أعلى على حد قول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
ويقول الآخر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا على جسر من التعب
ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بمواقف رائعة لقمم الحضارة آنذاك حيث أعلنوا للملأ تساميهـم عن المظاهر الجوفاء واعتزوا بحقائق الأشياء. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل القدس وقد خاض في الطين إلى ركبتيه، فيقول له أبو عبيدة: أتخوض المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك؟ فقال له عمر، إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله!
وكان الإمام النووي رحمه الله إذا رآه من لم يعرفه ظنه من الفقراء الشيوخ، فإذا سمع كلامه عظمت منزلته في نفسه، ولا عجب فالتراب مكمن الذهب.
وما أحسن قول الشاعر:
ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن رديت برداً
إن الجمال معادن ومحاسن أورثن مجداً
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد