القدوة الحاضرة الغائبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

القدوة في التربية هي أفضل الوسائل وأقربها إلى النجاح، لأن كل وسيلة تظل حبراً على ورق ما لم تتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض، وسلوك بارز يترجم الأفكار والمشاعر.

ومن هنا تتبين ضرورة اهتمام الأبوين وكل مربّ بتربية من يعتني به ويرعاه وينشئه على الآداب الإسلامية، على أن يكون الأب والمربي قدوة حسنة، وأسوة صالحةº فيما يغرسه من مبادئ وأخلاق في نفس الطفل، وإلا فإن جهودكم أيها الآباء ستبوء بالفشل والندم، ففاقد الشيء لا يعطيه.

وغير واقعي أن نطلب من الطفل الالتزام بالصدق ونحن لا نمارسه أمامه، أو قد نجيبه على ممارسته من أمامنا، فالطفل في هذا السن الصغير يكون عجينة لينة سهلة التشكيل، فهو شديد التعلق بأبيه، منزَّه له من الوقوع في الخطأ، أو ارتكاب أي مزلة، فهو يرى كل أفعاله سليمة وصحيحة، ويعتبره مثله الأعلى في كل صغيرة وكبيرة.

فعلى الأب أو المربي أن يتحلى بمكارم الأخلاق والعادات الحسنة، وأن يعلم الطفل منذ نعومة أظفاره الآداب الإسلامية في جميع جوانب الحياة ابتداء من أداب إلقاء السلام عندما يدخل مكاناً أو يخرج منه، واحترام الكبير والعطف على الصغير، ويعوده على الصدق والأمانة، ثم يرتقي معه تدريجياً في هذه الأخلاق وفي زرع المبادئ الإسلامية، ثم تعليمه الفرائض والحرص على الالتزام في تطبيقها، على أن يكون ذلك بالتشجيع والثواب، وأحياناً بالتخويف من العقاب، ويتابعه في تنفيذها، فبهذا يكون الأب قد قدم للمجتمع بذرة طيبة صالحة.

ولا تنسَ أن من صميم العناية بالطفل وتنشئته على الآداب الإسلامية العناية بالصحة الجسمية والنفسية، وما يتطلب ذلك من غذاء مناسب، وتربية بدنية، ووقاية من الأمراض النفسية أو العضوية، وذلك يكون بتوفير جو أسري مناسب ينشأ الطفل فيه بعيداً عن الخلافات، فعلى الأبوين أن يشيعا في البيت كل مظاهر الارتباط بالله من الحرص على العبادات، والاعتزاز بها، والسعادة بالحرص عليها، والتعامل من خلالهاº سواء مع من هم أصغر أو أكبر منا سناً.

وهنا مهم جداً إشراك الطفل معهم في ذلك، ومحاولة تطبيق هذه المبادئº فمثلاً: مهم اصطحاب الأطفال إلى المسجد، وأن يعطى الطفل جزءاً من الصدقة ليقدمها إلى فقير حتى يشعروا بشعورهم، ويعطفوا عليهم، ويحمدوا الله على النعمة التي هم فيها، وهذا فيه تعليم تطبيقي للطفل على اتباع ما أمر الله.

وعلى الأبوين أيضاً أن يكون جزء من حديثهم الودّي مع أطفالهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، ويفترض هنا أن يبينوا لهم بعض مواقفهم في الإخلاص والتضحية، والصبر والمثابرة، وحب الآخرين، وعدم الاعتداء على الآمنين.

وهنا كلما قُدّمت هذه القصص بأسلوب قصصي مشوّق كان أفضل، وتأثيره أعمق في نفسية الطفل، ودوره في تنمية الجوانب الدينية فيه أكثر.

إن توعية الطفل وتصحيح سلوكياته، أو توضيح خطأ بعض سلوكيات الآخرين مهم، وتعليم الطفل ما له وما عليه من حقوق وواجبات من ضوء ما ورد في كتاب الله، وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة إذا قُرنت بموقف من مواقف سلوكه أو سلوك الآخرين.

لا بد أن يفهم الطفل أنه عندما يعمل خيراً أو يقدم شيئاً ليس فقط لغرض الكسب مقابلهº بل إنه يفعل ذلك لأنه يفترض أن يعمله، فإن أثابه عليه الآخرون كان جيداً، وإن لم يثيبوه عليه فإن الله يراه وهو يثيبه عليه.

كذلك على الأبوين تصحيح نظرة أطفالنا لله - سبحانه وتعالى - وذلك من خلال ذكر أسماء الله، وتفسير كل اسم، وماذا يحمل من صفات ومعانٍ,، فالطفل لا يعلم إلا ما نحن نمليه عليه، ونظرة الطفل لله تكون في هذه الحدود، فهنا مهم أن نعلم الطفل كيف يحب الله، وأن يعمل ما يعمله لكسب رضا الله، ثم يتجنب عقابه، ومهم هنا أن نوضح أن الله أيضاً غفور رحيم لزلتنا ولأخطائنا وغفلاتنا، وإننا ندخل الجنة - إن شاء الله - برحمته وليس بأفعالنا فقط.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply