بسم الله الرحمن الرحيم
أُخيتي الحبيبة...بعد هذه الجولة السريعة، مع بعض أحداث يوم التغابن، والتي عشنا معها سويًا في المقالات السابقة... بدء من نفخة الصعق ثم أهوال ذلك اليوم... مرورًا بالنشور... تعرضنا لأحوال العاصين مع العرق، وطردهم عن حوض النبي وشاهدنا جهنم وهي تزفر ويجرها الملائكة... ثم يعرض الناس للحساب... وأصناف الناس مع الحساب... وبعدها تتطاير الصحف... ثم الميزان... ثم يمر جميع الخلائق على الصراط مع اختلاف سرعاتهم وأنوارهم.
بالتأكيد أخيتي... يلح عليك سؤال هام كما يلح عليَّº كيف النجاة من تلك الأهوال العظام؟
كيف النجاة؟
فبعد أن عاينا سويًا هذه الأهوال، التي لا يعلم شدتها إلا الله تعالىº فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل عاقل على نفسه:
ما السبيل إلى النجاة في ذلك اليوم المصيري؟ كيف أكون آمنًا في يوم الفزع الأكبر، إذ الناس خائفون؟
وهنا يلقي إلينا رسول الله حبال النجاة السبعة، فيبين لنا بعض أصناف الناجين يوم التغابنº حتى نتعلق ولو بحبل واحد منها فننجو في ذلك اليوم المهيب، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون... فتدبري... أخيتي الغالية جيداً في هذه الأنواع، وتخيري أحدهاº وعضي عليها بالنواجذ.
سبعة يظلهم الله:
ففي ذلك الوقت العصيب، الذي تدنو الشمس فيه من رؤوس الخلائق مقدار ميل، ويغرق الناس في عرقهم كل بحسب عمله في الدنيا، فهناك سبعة أصناف من المؤمنين لا يعانون من ذلك الحر، بل يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
قال رسول الله: ((سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسهاº قال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه)) رواه البخاري.
أفلا تستطيعين - أخيتي - أن تنضمي ولو إلى صنف واحد من هؤلاء السبعة؟، أفلا تستطيعين - وأنتِ لا زلتِ شابة- أن تعودي إلى ربك، وتستقيمي على أمرهº فتكوني شابة نشأت في طاعة الله؟
وتذكري... أخيتيº أن النبي عندما قال شابًا لم يقصد بها الذكور فقطº وإنما الذكور والإناث.
وعندما تصبحين زوجة، يصبح لديك رعية، أفلا تستطيعين أن تحكمي في رعيتك بالعدل، فتصبحين: إماماً عادلاً؟
أما بشأن المساجد فأنتِ لست مأمورة بقضاء الصلاة فيها بل على العكس، فصلاة المرأة في بيتها خيرٌ لها، ولكن يمكنكِ التصدق لهذه المساجد وكذلك حضور مجالس العلم التي تقام في المساجد، وبهذا تصبحين: أختا قلبها معلق بالمساجد.
أفلا تستطيعين أن تلزمي رفيقة صالحة، تحبينها من أجل طاعتها لله؟ أفلا تستطيعين أن تغضي بصرك عن الحرام؟ أفلا تستطيعين أن تتصدقي بصدقة - ولو صغيرة- تخفيها عن أعين الناس، تبغي بها نجاة في يوم تنكشف فيه السرائر؟!
أفلا تستطيعين أن تقومي ليلة لله، خاشعة متدبرة في خلوة عن أعين الناس، لا يراكِ إلا علام الغيوب، ترتلين آيات من كتاب ربك وتتدبرينهاº فيرق لها قلبكِ، وتدمع لها عينكِِ؟!... بلى والله، إنكِ لتستطيعين، ولكن استعيني بالله - جل وعلا - ولا تعجزي.
دار البوار:
أما وقد وصلنا - أخيتي- إلى تلك المحطة في رحلتنا إلى الدار الآخرةº فقد وصلنا إلى أعظم ما خوف الله - تعالى -به عباده من الآيات والنذر، إنها دار البوار والخسران، نهاية مستقر المفرطين والمعرضين عن سبيل رب العالمين...
إنها دار الحسرة الأبدية والندامة التي لا تنقطع، إنها دار عقاب الرب - جل وعلا - لمن عصاه وأدبر عن طريقهº فلم يستأهل رحمة الله التي وسعت كل شيء... فكم أعطاه الله من فرص ومنح، وكم أمهله من أيام وسنين، كم حلم عليه ولم يعاجله بالعقوبة، كم أرسل له النذر تلو النذر، والآيات تلو الآياتº لعله يتعظ أو يرجع.
لكنه بالغ في الغفلة، وسدر في الغي والعصيانº فأسرف على نفسه، وفرط في جنب ربه في غير أسف ولا ندم ولا حزن على ما ضيع من حظه من الله تعالىº حتى زُين له سوء عمله فرآه حسنًاº فجعل يبارز الله - تعالى -بالكبائر ولا يبالي، يفعل العظائم وينتهك الحرماتº فلا يهتز له جفن أو يطرف له رمش، حتى لقي ربه بجبال من الخطايا والبلايا، بعد أن ختم له بالسوء عياذًا بالله.
أنذرتكم النار:
عن النعمان بن بشير قال: ((سمعت رسول الله يخطب، ويقول: ((أنذرتكم النار، أنذرتكم النار))، حتى لو أن رجلًا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا، حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه)) صححه الألباني.
هكذا كانت شفقة رسول الله على أمته من عذاب دار البوار، هذا هو حاله معنا، فما أعجب حالنا معه!، كأنما هو يريد لنا الجنة، بينما نريد لأنفسنا النار، بأعمالنا وأحوالنا وتفريطنا في حق ربنا - جل وعلا - إلا من رحم الله- كما يقول: ((إنما مثلي ومثل أمتي، كمثل رجل استوقد نارًا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها)) رواه مسلم.
وفي رواية: ((مثلي كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولهاº جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، وتقتحمون فيها)) رواه مسلم.
وها هو الحبيب الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستعيذ بالله من عذاب جهنم، بل لقد كان يأمر أصحابه أن يستعيذوا بالله من عذاب النار سبعة عشر مرة على الأقل في اليوم والليلة.
فقد كان يقول: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له)) رواه مسلم، وقال أنس: ((كان أكثر دعاء النبي: \" رَبَّنَا آتِنَا فِي الدٌّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ \"(البقرة: 201)))، رواه البخاري.
وكيف لا يستعيذ رسول الله من النار، وهي التي قال الله - تعالى -فيها: \" َأَنذَرتُكُم نَاراً تَلَظَّى(14) لَا يَصلَاهَا إِلَّا الأَشقَى \"(الليل: 14 15). تخيلي أخيتي أنكِ أمام هذه النار العظيمة، وهي تأكل بعضها بعضًا، كلما ألقي فيها فوج قالت: \"هل من مزيد\".. ؟
وهذا ليس كل شيء عنها، فدعينا نراها رأى العين... هذا في المقالة القادمة إن شاء الله فتابعينا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد