بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت خطواته تسير به على غير هدى! تنقّل بين العيادات الخاصة حتى اشتد به الألم، ولم يجد مفراً من التوجه إلى ذلك المستشفى الكبير الذي يضم بين جنباته أخصائياً معروفاً في الأمراض التناسلية! بداية حاول أن ينكر وقوع أي علاقة جنسية محرمة وظن أن الأمر علاجه سهل وسريع ولن يظهر في المستقبل! وبعد التحاليل كان من شروط علاج الطبيب أن يصرح له بزلته ويعلمه كيف ومن أين أتى إليه المرض؟! أنطق الله لسان المريض وانهارت أعصابه هو يتحدث عن علاقة محرمة عانى فيها من الآلام شهوراً طويلة حتى قارب الموت وشارف عليه..عندها أخذ يتلمس طريق النجاة في هذا المستشفى! قال له الطبيب هل تُبتَ بسبب رؤيتك للموت وعلمك باقتراب أجلك؟ أم تبت من هذا الجرم العظيم طاعة لله وامتثالاً لأمره! وكان الجواب في قلب المريض لا يعمله إلا الله!
أخي الشاب: أعرف أنك تتمتع بذكاء ودهاء وبفطنة ومقدرة! لكن تذكر أن الله يراك.وتذكر أن الله هو الذي أنعم عليك بعقل وسمع وبصر ولسان ويدين وصحة ونشاط ومال وجاه! فتذكر أن الله يراك وأنت تستعمل هذه النعم العظيمة! كثير من الناس يهمه من يراه ومن يشاهده من رجال الأمن أو الحسبة، ولا يهمه نظر الله - عز وجل - إليه! وكثير من الناس يتابع ويحاول ويجتهد في سبيل الإيقاع بنساء المسلمين ويبذل ساعات من وقته وكثيراً من ماله ليبحث عن امرأة تقع في شباكه! وترك أهله خلفه وقد يكون هناك من هو مثله يراود أهله! وسمعنا بمن يجمع الأموال ويسافر لوحده بحثاً عن الحرام في أماكن بعيدة ويترك أهله نهباً لمن حولهم من الفساق والفجار وربما يقع عليهن فاسق فاجر بدون سفر أو مال! أخي الشاب: امنحني جزءاً من فطنتك واجعل لهذه الورقة شيئاً من ذكائك! فأنت بهذا تحمي نفسك وأهل بيتك ونساء المسلمين.. وكما أنك أضعت ساعات طوال في أمور لا طائل من ورائها، فاستمع لدقائق لعل الله أن يحيي قلبك وينير بصرك وبصيرتك فالأمر خطير ولا يحتمل من عاقل مثلك التسويف والتأجيل! الأمر أخي الحبيب يأتي في مرتبة تالية في الحرمة للشرك بالله والقتل. أليس هذا بكافٍ, أن تستمع وتقرأ! من أعظم الأخطار التي تهدد دين المسلم إثارة غريزته وفتح باب الشهوة أمامه! وتلبس البعض بحالات الزنى المحرم التي ينكرها على أهله ولا يقبلها على أخته وابنته، ثم هو تراه يسعى لها ويبذل من وقته وماله في سبيل النيل من متعة زائلة وشهوة عابرة! أخي الشاب: تذكر عظم جريمة الزنا قال الإمام أحمد: (لا أعلم بعد قتل النفس ذنباً أعظم من الزنا). وقد نهى الله - عز وجل - عن القرب من دواعي الزنا وأسبابه لأنها الخطوة الأولى نحو الوقوع فيه قال - تعالى -: \"وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إنَّهُ كَانَ فَحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً \" [الإسراء: 32] والزنا من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل وهو رجس وفاحشة مهلكة وجريمة موبقة. قال: {ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له} وفي الحديث المتفق عليه {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} وقد أكد الله - عز وجل - حرمته وعظم جزائه بقوله - تعالى -: \"وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ, وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا \" [الفرقان: 68-70] فقرنه بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف، ما لم يرفع العبد موجوب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح. وعلق - عز وجل - فلاح العبد ونجاته على حفظ فرجه منه، فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه قال - تعالى -: \" قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ \" [المؤمنون: 1] حتى قال - تعالى -: \"وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ \" [المؤمنون: 6، 5]. وقال: {إن من زنى بامرأة كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة}.
أخي الشاب: تذكر أن الزنا عار يهدم البيوت الرفيعة، ويطأطأ الرؤوس العالية، ويسود الوجوه البيض، ويخرس الألسنة البليغة، وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما اتسع وهو لُطخة سوداء إذا لحقت أسرة غمرت صحائفها البيض وتركت العيون لا ترى منها إلا سواداً كالحاً. أخي الشاب: إن حد الزنا فيه ثلاث خصائص:
1. القتل فيه بأبشع قتلة وأشد عذاب.
2. نهى الله عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة ورحمة.
3. أن الله أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر. وعقوبة الدنيا: إقامة الحد على الزاني إذا كان محصناً وذلك: بقتله بالحجارة حتى يموت لكي يجد الألم في جميع أجزاء الجسم عقاباً له. ويُرمى بالحجر كناية عن أنه هدم بيت أسرة فهو يرجم بحجر ذلك البناء الذي هدمه! وإن كان غير محصن جلد مائة جلدة بأعلى أنواع الجلد وغرب عاماً عن بلده! والبعض قد يستطيع التهرب من العيون التي تراقبه! ولكن أين يهرب من عين الله - عز وجل - من العقاب الأخروي! ومن عقوبة الزنا ما قاله النبي: {تفتح أبوب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داعٍ, فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له إلا زانية تسعى بفرجها.. } [رواه أحمد والطبراني بسند حسن].
ومن عقوبة انتشار فاحشة الزنا أنه تكثر بسببه الأمراض والأوجاع ففي الحديث: {.. لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يلعنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا} [رواه ابن ماجه]. وهذا مشاهد الآن في أمم الإباحية والرذيلة. قال عبدالله بن مسعود: (ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها). ومن عقوبة الزنا: أنه يجمع خصال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غِيرة تامة على أهله. ومن عقوبته سواد الوجه وظلمته، وظلمة القلب وطمس نوره، وكآبة النفس وعدم طمأنينتها، ومنها قصر العمر ومحق بركته والفقر اللازم. وفي الأثر: (إن الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة).
ومن عقوبة الزنا: أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن. ومنها الوحشة التي تعلو وجهه وضيقة الصدر وحرجه، وقد تمتد العقوبات إلى ذنوب متتالية فربما قتل أو سرق وكسب الحرام وأضاع أبناءه وزوجته ليصل إلى مراده، ومنها أن الزاني ربما يعاقب بمن يزني بأهله أو ببناته لأنه كما يدين يُدان.
عُفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمُسلم
إن الزنا دينُ فإن أقرضته *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
ومن أعظم عواقب الزنى سوء الخاتمة، قال ابن القيم - رحمه الله -: (إذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة، عقوبة لهم على أعمالهم السيئة).
أخي المسلم: من الكبائر التي تلحق الزاني والزانية بسبب ولدهما من الزنى أنهما يُدخلانه في نسب ليس له، ومنها أنهما يورثانه مالاً لا يستحقه يقتطعه من ميراث زوج الزانية وهو حق لأولاد الزوج الشرعيين ومنها أنه يُعد محرماً لبنات أمه الزانية وجميع النساء اللاتي يكون ابن الزوج محرماً لهن.
ومنها: أنه ربما يتزوج بابنة الزاني أو أخته فيكون زوجاً لأخته أو عمته في الباطن الذي لا يعلمه إلا الله - سبحانه -. ومنها: أنهما يتحملان الإثم العظيم الناتج عن الهم والحزن الدائمين لولد الزنى.
ومن آثار الزنا: إفساد المرأة على زوجها أو أهلها يقول: {من خبب خادماً على أهله فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا} [رواه أحمد]. ومن عقوبات الزنا: قلق نفسي واضطراب وهم وغم ينزله الله - عز وجل - فيمن يبحث عن السعادة واللذة في الحرام فيعاقب بضد طلبه وما نراه من انتشار الأمراض النفسية والجنسية التي قد تؤدي إلى الموت أكبر دليل على ذلك.
طريق النجاة: أخي المسلم: صانك الله بالعفاف وزينك بالتقوى اسلك طريق النجاة والبعد عن ما يدفع بك إلى الهاوية ويسير بك إلى الحضيض.
ومن طرق النجاة:
1 - عدم الخلوة بالمرأة الأجنبية إطلاقاً سواء في المنزل أو السيارة أو المحل التجاري أو الطائرة أو غيرها وكن مطيعاً لله - عز وجل - ولرسوله فلا ترضى لنفسك مخالفة أمرهما قال: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}.
2 - عدم الذهاب للأماكن التي بها نساء مثل الأسواق وتعبد الله - عز وجل - بالبعد عنها وعدم دخولها إلا لحاجة ضرورية ولتكن في أوقات يقل فيها تواجد النساء.
3 - احفظ بصرك فإن النظر سهم مسموم. وقد قدم الله - عز وجل - غض البصر على حفظ الفرج لأنه طريقه قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم [النور: 30] وقال لعلي - رضي الله عنه -: {يا علي، إن لك كنزاً في الجنة، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة} [رواه أحمد].
4 - ابتعد أيها المسلم عن قراءة المجلات الهابطة ومشاهدة الأفلام الماجنة فإنها تزين الفاحشة باسم: \"الحب والصداقة\" وتظهر الزنا باسم: \"العلاقة العاطفية الناضجة بين الرجل والمرأة\" وتقودك إلى أمور تكرهها لأمك وأختك وابنتك!
5 - قال الله - عز وجل -: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلمٍ, وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان: 6] فابتعد عن سماع الأغاني والموسيقى وعطر سمعك بآيات القرآن وحافظ على الذكر والاستغفار وأكثر من ذكر الموت ومحاسبة النفس.
6 - الخوف من العلي القدير المُطّلع على السرائر هو أعظم أنواع الخوف وهو الذي يحجب عن المعصية. ولكن احتمل نسبة واحد من الألف أنك ربما زللت ووقعت في الزنا. فكيف الحال إذا علم والدك ووالدتك وزوجتك وإخوتك وأقاربك؟! وأصبحت في أعينهم حتى تموت \"أنك زان\" والعياذ بالله!
7 - ليكن لك رفقة صالحة تعينك وتسددك فإن الإنسان ضعيف والشياطين تتخطفه من كل مكان واختر أهل الخير والصلاح.
8 - أكثر من الدعاء فقد كان نبي هذه الأمة دائم الدعاء كثير الاستغفار واسأل الله الثبات على دينه، ولتكن لك هواية تستفيد منها كالقراءة وركوب الخيل والسباحة والجري.
9 - لا يفوتك وقت إلا والقرآن بين يديك تقرأ فيه وحاول أن تحفظ ما تيسر وإن قدر الله لك فالتحق بأحد حلق التحفيظ في أحد المساجد، ونفسك إن لم تشغلها بالطاعة والعبادة أشغلتك بالباطل.
10 - تذكر أنك سوف ترحل من الدنيا بصحائف كُتبت طوال أيام حياتك فإن كانت مليئة بالطاعة والعبادة فأبشر، وإن كان غير ذلك فبادر بالتوبة قبل الموت.. فإن يوم القيامة هو يوم الحسرة... وَأَنذِرهُم يَومَ الحَسرَةِ [مريم: 39] وهو يوم الفضائح وتطاير الصحف، يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت!
11 - تذكر يا من تبحث عن السعادة وتسعى نحو الجنة أن ذلك في طاعة الله واتباع أوامره.. مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 97] وتذكر أن ترك المعصية أهون من طلب التوبة. ومن أسباب ضيق الصدر وكآبة النفس الإعراض عن الطاعة والعبادة: وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه: 124]. 12. قبل أن تقدم على المعصية تذكر أن الله يراك فلا يكن من خَلَقك وصورك ورزقك هو أهون الناظرين إليك. واعلم أن الصبر عن الشهوات وما فيها من الإغراء أيسر من الصبر على عواقب الشهوات وآلامها وحسراتها.
13 - إن لم تكن متزوجاً فبادر إلى الزواج وإعفاف نفسك وإحصانها بامرأة تقية طاهرة شريفة. وإلا فعليك بالصيام فإنه دواء وصفه النبي لشباب هذه الأمة. فصم عن الطعام والشراب وكف بصرك وسمعك عن الحرام.
14 - تأمل في حال يوسف - عليه السلام - لما صبر على مراودة امرأة العزيز وهي ملكة ذات جمال ومال طلبته لنفسها. وقد عصمه الله - عز وجل - وكرمه بأن أخرجه من السجن وجعله على خزائن مصر وجمعه بين إخوته هذا في الدنيا، والآخرة خير وأبقى.
تذكر ـ أخي المسلم ـ أن الذئاب كثير ولك أم وأخت وابنة فحافظ عليهم ببعدك عن مواطن الحرام وما لا ترضاه لأختك وزوجتك وأمك لا ترضه أيضاً لبنات المسلمين. جعلك الله هادياً مهدياً عفيفاً تقياً نقياً وزينك بالإيمان وجنبك مضلات الفتن وجعلك من الصالحين القانتين ممن ينادون في ذلك الموقف العظيم: ادخُلُوا الجَنَّةَ لَا خَوفٌ عَلَيكُم وَلَا أَنتُم تَحزَنُونَ [الأعراف: 49]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد