بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله - عز وجل - أنعم علينا بنعمة البكاء لنشكره عليها، إذ كيف يعيش من لا يبكي، كيف تتفاعل نفسه مع الأحداث والمواقف، بماذا يترجم عن الحزن والأسى، بماذا يعبر عن الخشية والخوف من الله - جل وعلا-.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها).
البكاء قافلة ضخمه، حطت ركائبها في سوق رحبة، ما ابتاع الناس منها على ثلاثة أضرب:
فضرب اشتروا بكاء العشاق والمشغوفين، أصحاب الهوى و التيم، أهل الصبابة والغرام، الذين هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلو أنفسهم برق الهوى والشيطان، فما أعظمها شقوه، وما أوعرها هوة
فما في الأرض أشقى من محب * * * وإن وجد الهوى حلو المذاق
تــــــراه باكــياً في كل حيــــن * * * مخافة فرقة أو لاشتياق
فتسخن عينه عند التـــــــــلاقي * * * وتسخن عينه عند الفــــــراق
ويبكي إن نأوا شوقــــــــاً إليهم* * * ويبكي إن دنوا خوف الفـراق
أعاذنا الله وإياكم من هذه الحال
وضرب آخر ابتاعوا بكاء أهل الحزن على مصائبهم ورزاياهم،
فاقتصروا على سلعة وافقت جبلتهم التي جبلهم الله عليها فأصبحوا لا لهم ولا عليهم
وضرب ثالث اشتروا بكاء الخشية من الله - عز وجل -، تلكم البضاعة التي زهد فيها معظم القوم إلا من رحم الله، آيات تتلى وأحاديث تروى ومواعظ تلقى ولكن تدخل من اليمنى و تخرج مع اليسرى، لا يخشع لها قلب ولا تهتز لها نفس ولا يسيل على أثرها دمع البكاء من خشية الله وصف شريف ومسعى حميد به وصف الله أنبيائه والذين أوتوا العلم من عباده, وقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السبعة الذين يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)
إخوتي ولنا في حال رسول الله وصحابته الكرام والتابعين والسلف الصالح أسوه فقد ضربوا لنا أروع الأمثلة في البكاء من خشية الله – تعالى- ومن ذلك أنه قام محمد بن المنكدر ذات ليلة فبكى، ثم اجتمع عليه أهله ليستعلموا عن سبب بكائه، فاستعجم لسانه، فدعوا أبا حازم، فلما دخل أبا حازم هدأ محمد بن المنكدر بعض الشيء، فسأله عن سبب بكائه فقال: تلوت قول الله - جل وعلا -: (وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون)
فبكى أبو حازم، وعاد محمد بن المنكدر إلى البكاء، فقالوا: أتينا بك لتخفف عنه فزدته بكاء..
هذا بكاء السلف، وهذه دموع البكائين تسيل، ولسان حالهم يقول:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر* * *عينا لغيرك دمعــــها مدرار
من ذا يعيرك عيـــنه تبكي بــها* * *أرأيت عينا للدمــــــوع تعار
فانظر يا عبد الله إلى البكائين الخاشعين تراهم على شواطئ أنهار الدموع نزول، فلو سرت عن هواك خطوات، لاحت لك الخيام..........
نسأل الله - تعالى -أن يجعلنا من البكائين من خشية الله وأن يسكننا الفردوس الأعلى إنه ولي ذلك والقادر عليه...... اللهم آمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد