ظلال الرضا .. وحياة المقربين


  

بسم الله الرحمن الرحيم

حياة ربانية تلك التي يحياها القريبون من ربهم، يستعينون به في شتى شئون حياتهم، ويسلمون لقضائه، ويرضون بما يحصل لهم في دنياهم، ويقنعون بما آتاهم.. غير ناظرين لما في يد غيرهم، ويستغنون بالله عما في الدنيا من متاع، فتراهم سعداء قريري العين مطمئنين مهما أصابهم، غير متصارعين على ما يتصارع عليه الناس، همهم -رضوان الله-، ويقينهم هو الرضا به - سبحانه -، فيفيض عليهم بركاته التي لا يعلمها إلا هو، ويحيطهم برعايته وعونه ويؤنسهم بمعيته وفضله.

* قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً) رواه مسلم.

والمؤمن لا ينال الرضا ولا يحصل له إلا إذا سبقه التوكل الكامل في قلبه، ودرجة الرضا درجة عزيزة غالية ولذلك لم يوجبها الله على عباده، لكن ندبهم إليها واستحبها منهم وأثنى على أهلها، بل أخبر - سبحانه - أن ثواب الرضا أن يرضى الله عنهم، وهو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها (مدارج السالكين)

حياة ربانية تلك التي يحياها القريبون من ربهم، يستعينون به في شتى شئون حياتهم، ويسلمون لقضائه، ويرضون بما يحصل لهم في دنياهم، ويقنعون بما آتاهم.. غير ناظرين لما في يد غيرهم، ويستغنون بالله عما في الدنيا من متاع،

قال الإمام ابن القيم: \"فهناك رضا من الله قبل رضا العبد أوجب له أن يرضى، ورضا بعده هو ثمرة رضاه، ولذا كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين\"(مدارج السالكين).

فإن العبد المؤمن الصالح إذا حصل له الرضا ارتفع جزعه في أي حكم كان أو قضاء، بل استقبل كل قضاء الله - تعالى - بالفرح والسرور.

وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى - رضي الله عنهما-: \"أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر\".

وهناك طريقة للتدريب على الرضا والتخلق به وصفها الصالحون: وهي الطمأنينة، فمن درب نفسه على الطمأنينة حصل له الرضا، قال - تعالى -: {يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ. ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً َرضِيَّةً} والمؤمن الصالح الذي رضي بالله - سبحانه - ربًا ورضي بالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً، واستقر الرضا في قلبه، سكنت الطمأنينة في جوارحه وجنانه وبرد قلبه واطمأن، وفر منه السخط والضيق والضجر، بل إن الرضا يُنزل السكينة على أهل الإيمان، ومن نزلت عليه السكينة استقام عمله وصلح باله.

والرضا بالله - سبحانه - نبع الحكمة، فمن رضي بالله نبعت الحكمة من تحت لسانه وتفجرت.

اجتمع سفيان الثوري ووهيب بن الورد ويوسف بن أسباط:

فقال الثوري: قد كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم، وأما اليوم فوددت أني ميت.

فقال يوسف: ولم؟ فقال سفيان: لِما أتخوف من الفتن.

فقال يوسف: لكني لا أكره طول البقاء، لعلي أصادف يومًا أتوب فيه وأعمل صالحًا. فقيل لوهيب: أي شيء تقول أنت؟ فقال: أنا لا أختار شيئًا، أحب ذلك إليّ أحبه إلى الله.

فقال الثوري: روحانية ورب الكعبة.

وقال الحسين بن علي: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما اختار الله له.

وقال الفضيل: الرضا أفضل من الزهد في الدنياº لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلته.

وقال العلماء أن الرضا هو درجة من الصبر علية سامية يصل إليها الصابرون إذا ما صار الصبر عندهم صفة في نفوسهم، فالصبر هو قبول القضاء مع وجود الألم، ولكن المؤمن الصابر يتحمل الألم في سبيل الله، والرضا هو قبول القضاء مع عدم وجود الألم، بل مع السرور أحيانًا.

فإن العبد المؤمن الصالح إذا حصل له الرضا ارتفع جزعه في أي حكم كان أو قضاء، بل استقبل كل قضاء الله - تعالى -بالفرح والسرور.

وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى - رضي الله عنهما-: \"أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر\".

والرضا من الله أكبر من الجنة، قال الله - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ, وَرِضوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} [التوبة: 72].

قال ابن أبي الدنيا: ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك: فهو أحرى أن يفرغ قلبك ويقلل همتك.

قال ابن القيم: \"ورأيت شيخ الإسلام - ابن تيمية - في المنام فذكرت له شيئًا من أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته - لا أذكره الآن - فقال: أما أنا فطريقتي الفرح بالله والسرور به... أو نحو هذه العبارة، وهكذا كانت حاله في حياته\".

وقيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد مقام الرضا؟

قال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه، فيقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت.

والطريق إلى الرضا خطوات أربع أولها الرضا بالله ربا ومعناه الرضا بتدبيره وإفراده بالتوكل والاستعانة والثقة، وثانيها الرضا به إلها وهو الرضا بمحبته وخوفه والإنابة والتبتل إليه والحب له وتمام العبودية له والإيمان بأسمائه وصفاته حسبما بين رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الرضا بنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو كمال الانقياد له والتسليم له وحبه أكثر من النفس والرضا بدينه وهو الرضا بحكم ذلك الدين وتشريعه والتسليم له.

قال الله - تعالى -: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ, - رضي الله عنهم - وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ, تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ} [التوبة: 100].

والرضا يستلزم الشكر الدائم له - سبحانه - على ما أعطى ومنح من نعم لا تحصى، وشكر الله: هو الثناء على الله بما أنعم عليك من النعم.

ولـه ثلاث أركان: الاعتراف بالنعمة بالقلب، والتحدث بها باللسان، والاستعانة بها على طاعة الله.

وقد أخبر الله - سبحانه - أن أهل الشكر هم الذين خصهم بمنته عليهم من بين عباده فقال - تعالى -: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعضَهُم بِبَعضٍ, لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِم مِن بَينِنَا أَلَيسَ اللَّهُ بِأَعلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].

وقسم - سبحانه - الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، قال-  تعالى -: {إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3].

والطريق إلى الرضا خطوات أربع أولها الرضا بالله ربا ومعناه الرضا بتدبيره وإفراده بالتوكل والاستعانة والثقة، وثانيها الرضا به إلها وهو الرضا بمحبته وخوفه والإنابة والتبتل إليه والحب له وتمام العبودية له والإيمان بأسمائه وصفاته حسبما بين رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الرضا بنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو كمال الانقياد له والتسليم له وحبه أكثر من النفس والرضا بدينه وهو الرضا بحكم ذلك الدين وتشريعه والتسليم له.

وقال - تعالى -: {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبٌّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

وعن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول الله ? أخذ بيده وقال: (يا معاذ، والله إني لأحبك) فقال: (أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) أخرجه أبو داود.

وللشكر قواعد وأركانا فأولها خضوع المرء إلى ربه الذي يشكره وثانيها حبه لمن يشكر وثالثها اعترافه بنعمته وآلائه عليه الظاهرة والخفية ثم ثناؤه على ربه بما هو أهله ثم التحدث بنعمته في كل موطن كان سواء في سراء أو في ضراء وألا يستعمل ما أنعم به عليه فيما يغضبه، فإن فعل ذلك واتصف به فهو أهل لأن يكون عبدا شكورا وأن يدرب نفسه على الرضا الكامل غير المنقوص.

قال بعض الصالحين: الشكر معرفة العجز عن الشكر، وعدم القدرة على تأدية حقه.

وقال الجنيد: الشكر ألا ترى نفسك أهلاً للنعمة.

والمؤمن الصالح يشكر ربه في كل حين على نعمة الخلق وعلى نعمة الإسلام وعلى نعمة الإيمان، وعلى نعمة التوحيد، وعلى نعمة الجوارح، وعلى كل نعمة ظاهرة أو خفية، ويشعر بعجزه أن يشكر ربه حق شكره، ويدعوه ليل نهار ويقول:قال الله - تعالى -: {رَبِّ أَوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صَالِحاً تَرضَاهُ وَأَصلِح لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبتُ إِلَيكَ وَإِنِّي مِنَ المُسلِمِينَ} [الأحقاف: 15].  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply