أسباب انشراح الصدر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد..

فيا أيها الناس اتقوا الله فإن سعادة الدنيا ونعيم الآخرة تنال بصلاح القلوب وانشراحها وزوال همومها وغمومها.

أيها المؤمنون، إن أعظم ما تنشرح به صدور العالمين ما ذكره الله رب الأولين والآخرين في محكم التنزيل: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (1) فالإسلام أعظم ما يشرح الله به الصدر، فبقدر التزام العبد به يحصل من البهجة والسرور، فالزموا طاعة الله وطاعة رسوله تدركوا هذا المطلوب، أقيموا أركانه، واحفظوا شرائعه وحدوده يشرح الله صدوركم وينير قلوبكم.

أيها المؤمنون إن من أعظم أسباب شرح الصدر اللهج بذكر الله - تعالى - وترطيب اللسان على الدوام بذلك {أَلا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ }(2) فإذا أكثر العبد ذكر ربه انفسح له صدره وانشرحت نفسه وأقبل على الخيرات وانصرف عن السيئات، جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي! فأخبرني بشيء أتشبث به. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله))(3) وفي صحيح البخاري قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت))(4) فاذكروا الله كثيراً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

أيها المؤمنون إن من أسباب انشراح الصدر الإحسان إلى الخلق، والسعي في نفعهم بالمال أو الجاه أو البدن أو بغير ذلك من أنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً وأنعمهم قلباً, أما الذي يحبس الخير عن الناس ويمنعهم منه فإنه أضيق الناس صدراً وأنغصهم عيشاً وأعظمهم هماً وغماً, فأحسنوا أيها الناس و ((لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))(5).

أيها المؤمنون إن من أسباب انشراح الصدر العلم بالكتاب والسنة فإن العلم الشرعي يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع قال الله - تعالى -: {أَوَمَن كَانَ مَيتاً فَأَحيَينَاهُ وَجَعَلنَا لَهُ نُوراً يَمشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظٌّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ, مِنهَا }(6) فأقبلوا أيها المؤمنون على كتاب الله وسنة رسوله فإن فيهما الخير والهدى والبر والتقى والسعادة في الآخرة والأولى.

أيها المؤمنون إن من أسباب انشراح الصدر الإنابة إلى الله - تعالى - ومحبته والإقبال عليه والتوبة إليه فإنه لا شيء أشرح لصدر العبد من هذا وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنجاه الله منه كما يكره أن يلقى في النار))(7).

أيها المؤمنون إن من أسباب انشراح الصدر إتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر كله فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -

 

الخطبة الثانية:

أما بعد..

أيها المؤمنون اتقوا الله ربكم واستكثروا من الأعمال الصالحة قبل نزول الآجال وانقطاع الأعمال سابقوا ـ أيها المؤمنون ـ إلى الخيرات وبادروا إلى الطاعات واعزموا عليها ففي الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت تخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان)), فالنبي - صلى الله عليه وسلم-  كان يكثر الصيام في هذه الأيام فأكثروا من صيامها أيها الناس ما استطعتم فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي ذلك تمرين لكم على الصيام فصيام شعبان بمنزلة الراتبة للفريضة تعين عليها وتسهلها.

أيها الناس من كان منكم عليه شيء من قضاء رمضان السابق فيجب عليه قضاؤه قبل مجيء رمضان الآخر ولا يجوز تأخيره عن ذلك إلا لضرورة فاتقوا الله عباد الله وبادروا إلى القضاء وذكروا أهليكم بذلك وأعينوهم عليه كما أمركم الله بذلك حيث قال:  {وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا}(8) فهذا الحكم يعم كل عبادة واجبة وإنما ذكر الصلاة لكونها أشرف العبادات وأجل الواجبات بعد التوحيد.

أيها المؤمنون يجدر بنا التنبيه إلى أنه لم يثبت نص يستند إليه في فضل ليلة النصف من شهر شعبان وغاية ما ورد آثار عن بعض التابعين فلا ينبغي أن تميز هذه الليلة بشيء من العبادات بل اجتهدوا في الخيرات وفق سنة خير البريات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

----------------------------------------

(1) سورة: الأنعام: آية (125).

(2) سورة: الرعد: آية(28).

(3) أخرجه: أحمد (17227)، (17245)، والترمذي (3375)، وابن ماجه (3793) من طريق عمرو بن قيس الكندي عن عبد الله بن بسر، صححه: ابن حبان، والحاكم، والألباني.

(4) البخاري (6407).

(5) مسلم (2626).

(6) سورة الأنعام: آية(122) .

(7) متفق عليه: البخاري (16)، ومسلم (43).

(8) سورة:طه: آية (132).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply