فن استجلاب معية الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المواهب والقدرات مع القوة والمهارات إضافة إلى الذكاء والخبرات أمور لا غنى عنها في حياة كل منا.

وهي أمور لا غنى عنها لكل من يبحث عن التميز أو التفوق أو الكسب في دنيا الناس. ولكن: هل مواهبنا وقدراتنا ومهاراتنا وحدها تكفينا لكي نتميز أو نفوز أو نحقق ربحا كبيرا أو فوزا عريضا؟

لا شك أن هذه المواهب وهذه القدرات المميزة لكل منا، ما هي إلا نعم أنعم الله بها علينا. وكل من أراد منا التميز أو التفوق في هذه الحياة عليه الاهتمام البالغ بهذه المنح الربانية.

كما ويجب علينا التحديث الدائم لهذه المواهب وهذه القدرات. وأن يسعى كل مكنا إلي تطويرها وتنميتها وتجديدها من حين لحين. فهي لا غنى عنها لكل من يسير في معترك هذه الحياة التي أصبحت لا تعترف بخامل أو كسول، ولا بمصر على السير سير الهوينى أو السير على أنغام المارشات الجنائزية.

إن الإنسان الإيجابي في هذه الحياة هو ذلك الذي يملك موهبة أو مهارة أو حتى سمعة حسنة يشتهر بها في دنيا الناس. هو من يفعل هذه المواهب وهذه القدرات في المحيط الذي يعيش فيه. ينفع بها ويصلح فيه. هو الذي له دور ملموس في هذه الحياة. وهو الذي يشارك في صنع الاحداث من حوله. هو من لا يكتفي بالوقوف متفرجاً على هذه الأحداث وهي تمر أمامه. ولذلك لا بد من أن يعمل كل منا ويسعي ويجد- بل ويكد - في تطوير مواهبه وقدراته وإتقانها إلى الحد الذي تجعله يتخطى حدود الدائرة التي يعيش فيها. ليعمل مع العاملين على تغيير وجه التاريخ. فكما يقول الفيلسوف الفرنسي المشهور جان جاك روسو:

نحن في حاجة إلى المزيد من فئة صانعي الأحداث لأنهم وحدهم دون غيرهم الذين يستطيعون أن يغيروا وجه التاريخ.

وكل من أراد أن يكون من هذه الفئة لابد أن يكون من أصحاب المواهب والقدرات والمهارات المتميزة.

وعند النزول إلى معترك الحياة والعمل يجب ألا نعتمد على مواهبنا ولا على قدراتنا اعتمادا كليا. كما ويجب ألا نركن إليها مهما تعاظمت أو تكاملت. بل يجب علينا أن نتعلم كيف نمزج هذه القدرات وهذه المواهب بمعية الله الواهب. يجب علي كل باحث عن التميز أن يتقن فن استجلاب معية الله له في كل أعماله. يجب على كل من أراد الكسب أو السبق أو الفوز أو النصر أن يتعلم كيف يستجلب تلك المعية الإلهية له في كل أعماله صغرت تلك الأعمال أو كبرت. فلا حول ولا طول ولا نصر ولا كسب ولا نجاح ولا فلاح إلا بالله العلي العظيم.

 

وكان هذا هو هدي رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وديدنه في الأمور كلها. فكان - صلى الله عليه وسلم - يتقن هذا الآمر أيما إتقان. فكان إذا ما انتهي من مرحلة استغلال الإمكانات المتاحة أمامه والمواهب والقدرات المتوافرة تحت يديه، حتى يبدأ في مرحلة استجلاب معية الله.

ففي يوم بدر بذل المصطفى صلي الله عليه وسلم الوسع في الإعداد: فصف الجيش، وعبأ الجند، ورسم الخطط، وافترض الافتراضات، واحتمل الاحتمالات، حاور، وشاور، وغير، وبدل. وما أن انتهى من الاستفادة من كل هذه الإمكانات والقدرات المتاحة حتى انتحى - صلى الله عليه وسلم - جانبا يناجي ربه في دعاء عميق، ومناجاة حارة، وإلحاح شديد يستجلب بها معية الله. ابتهل - صلى الله عليه وسلم - \"وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق - رضي الله عنه - وقال:

حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك\".  يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك.

 ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان خير من يعلم انه إذا ما امتزجت معية الله القادر بمواهب العباد وقدراتهم - مهما كانت محدودة - فحتما سينتج عن ذلك مخرجات تفوق قدراتهم على استيعاب أثارها الإيجابية اللامحدودة.

وقد جاء مدد السماء بطريقة فاقت عقول أهل الأرض. وامتزج المدد الروحي بالمدد المادي. وجاء النصر وتحقق الفوز لفئة لم تتكل على قدراتها ولا على مواهبها دون الاتكال على الله. ولم تتكل على الله دون الاستفادة القصوى من قدراتها ومواهبها وخبراتها. (أراد الله للعصبة المسلمة أن تصبح أمة، وأن تصبح دولة، وأن يصبح لها قوة وسلطان... وأراد لها أن تعلم أن النصر ليس بالعدد وليس بالعدة وليس بالمال والخيل والزاد إنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله التي لا تقف لها قوة العباد) كما يقول صاحب الظلال.

إن مرحلة استجلاب معية الله هي الحلقة الأضعف في حياتنا. فكثيراً ما تنسينا القدرات والخبرات والمواهب الخاصة مرحلة استجلاب معية الله. كثيراً ما نعتمد على مواهبنا وننسى الواهب. كثيراً ما نعتمد على قدراتنا وننسى القادر. كثيراً ما نعتمد على قوتنا وننسى القوي. وهنا نخسر الكثير.

ففي يوم حنين بذل المسلمون الجهد في إعداد المدد المادي الهائل: العتاد، العدد، العدة، الكثرة في عدد الجند حتى اكتمل الهيكل العام للجيش في صورته المبهرة. حتى دخل العجب لقلوب البعض فقالوا:

\"لن نهزم اليوم من قلة\".

أنستهم القوة والعدة مرحلة استجلاب معية الله. أنساهم العدد والعتاد الاتكال على الله. أنستهم قدراتهم البشرية استجلاب معية الله والاتكال عليه وحده لا على تلك الأسباب.

لقد أتقن المسلمون يوم حنين مرحلة الإعداد ولم يتقنوا مرحلة الاستجلاب فكانت الانكسارة.

كانت الانكسارة التي كان لابد منها لتعي الأمة أن مرحلة استجلاب معية الله من المراحل التي لا غنى عنها في حياة الأمم والأفراد والجماعات. كما وأنها سند كل إنسان في هذا الوجود مهما كانت قدراته ومواهبه.

ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - وهو صاحب المواهب والقدرات التي لا تحصى ولا تعد إضافة إلى كونه المؤيد بالمعجزات، والمزود بالكاملات، والمحلى بالمدد الرباني كان دائما ما يردد: \"اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أدنى من ذلك\".

فالخذلان أن يكلك الله إلى نفسك ويخلي بينك وبينها. والتوفيق ألا يكلك الله إلى نفسك ولا يخلي بينك وبينها. كما يقول ابن القيم - رحمه الله -.

وإذا كانت مرحلة استجلاب معية الله هي الحلقة الأضعف في حياتنا كما قلنا. فيجب على علماء الأمة ودعاتها وأهل الخير فيها أن يسعوا جميعا - كل في مجاله - إلى معالجة هذا الداء وتضميده وترميمه عند أبناء المسلمين. وليبذل كل غيور من أبناء هذه الأمة الجهد إلى تبصير الأمة بكيفية إتقان فن استجلاب معية الله حتى لا نندم. حتى لا نندم على أمر عظيم كندم يوم حنين. ولا على أمر صغير كندم جحا الذي قرر ذات يوم شراء حمار. وأخذ يخبر كل من يقابله عن نيته في الذهاب إلي السوق غداً في الصباح الباكر لشراء حمار. فنصحه احدهم: بأن يا جحا قل إن شاء الله. قل إن شاء الله غدا سأشتري حمارا. فرد عليه جحا بثقة الواثق من قدراته والمعتمد على مواهبه:

ولماذا أقول إن شاء الله؟!

دنانيري في جيبي وما أكثر الحمير في الأسواق.

وفي اليوم التالي ذهب جحا وعاد من السوق مطأطئ الرأس، خالي الوفاض بدون حمار. فسألوه:

أين حمارك يا جحا؟

فقال: إن شاء الله سرقت كل دنانيري.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply