بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله - تعالى -: (يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم.. ) الآية.
هذا نداء من الله - تعالى - لعباده المؤمنين بأن يستجيبوا له ويلبوا نداءه ويمتثلوا أمره على الفور لا على التراخي، بل لو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته وجه نداءً لمن كان في صلاته لوجب عليه أن ينصرف ويجيبه- صلى الله عليه وسلم - لأنه ما ناداه ولا دعاه إلا لما يحييه ولما فيه الخير له، فعن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال:كنت أصلي فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته، فقال: ما منعك أن تأت؟ ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) الحديث أخرجه البخاري.
فالمستجيب لله ورسوله هو المسارع في الامتثال، لا يتثاقل ولا يتباطأ، فإنه إن تلكأ أو رد أمر الله يوشك ألا يظفر به إذا طلبه بعد ذلك، فإن الله يحول بينه وبين امتثال أمره جزاءً وفاقاً كما قال - تعالى -: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة), وقال هنا: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه), وفي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب وإن استجاب بالجوارح.
والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة حياة لبدنه يدرك بها النافع من الضار، وحياة لقلبه وروحه يميز بها بين الحق والباطل.
ولو تأمل الإنسان حياة بدنه لوجدها نفخة (الرسول الملائكي) يوم أن كان في بطن أمه، فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى يصيبه نفخ (الرسول البشري)، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، من الروح التي ألقى الله إليه، قال - تعالى -: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا), فمن أصابه نفخ الرسول الملائكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان، ومن حصل له نفخ الملك دون الرسول حصلت له إحدى الحياتين، وفاتته الأخرى، وليت شعري أي شيء يصنع بتلك الحياة، وكيف يدرك معنى وجوده فيها!!
إن الذين يستجيبون لله وللرسول ظاهراً وباطناً هم الأحياء وإن ماتوا، وهم الأعزة وإن قل الأهل والعشيرة، وغيرهم من المعرضين هم الأموات حقيقة وإن كانوا أحياء الأبدان، وهم الفقراء ولو كان الذهب يملأ خزائنهم ويعمر جيوبهم، وهم الذين تغشاهم الذلة ولو كانوا يمتون بالنسب وينتمون إلى أعرق القبائل.
ولهذا.. أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الله - سبحانه - ودعوة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكل ما دعا الله إليه ورسوله ففيه الحياة، ومن فاته جزء من ذلك فإنه جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب استجابته لله ورسوله، وقد شبه - سبحانه - من لا يتسجيب لرسوله بأصحاب القبور، إذ كانت أبدانهم قبور قلوبهم، قال – تعالى- :(إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور).
يقول الشاعر:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله * * * وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم * * * وليس لهم حتى النشور نشور
ولقد جسد الصحابة - رضوان الله عليهم- هذا المعنى في حياتهم العملية، فمن ذلك أنهم أصيبوا في غزوة أحد وأرهقوا، وكان عددهم سبعين، وبعد انتهاء المعركة بيوم انتدب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى ملاحقة فلول المشركين، فأذن مؤذنه في الناس بطلب العدو، وألا يخرج معه إلا من حضر الوقعة بالأمس، فلبوا النداء جميعاً - رضي الله عنهم - على ما بهم من الجراح والإثخان استجابة وطاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفيهم قال الله - سبحانه -: (الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح... ) الآية.
وفي موضوع الخمر تتجلى أسمى معاني الانقياد، وتضرب أروع أمثلة الاستجابة عند هؤلاء القوم، لقد انتهى المسلمون كافة، وأريقت زقاق الخمر، وكسرت دنانها في كل مكان بمجرد بلوغ النهي، بل وصل الأمر في سرعة الامتثال أن من جاءه تحريمها وهي في فمه لم يبلعها بعد أن مجها ولم يكمل شربها.
إنه المنهج الرباني الذي تربى أتباعه على أن يقولوا سمعنا وأطعنا، لا تحيل لديهم على الشرع كما هو حال أمة يهود الذين حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فعلهم فقال: \"لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود استحلوا محارم الله بأدنى الحيل\" وقال أيضاً: \"لعن الله اليهود حرم الله عليهم شحوم البقر والغنم فأذابوها وباعوها، وأكلوا ثمنها\"، وما قصة تحيلهم في السبت ببعيدة عن الأذهان.
إن عدم الاستجابة لله والرسول من عظائم الذنوب وأسباب الهلاك، وقد قال الله فيمن هذا حاله (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض)، (والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به)، (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد