بسم الله الرحمن الرحيم
قال - تعالى -: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) (سورة النور: من الآية 31)..
التوبة..وما أدراك ما التوبة؟!.. تلك الرحمة الربانية، والباب الإلهي الذي فتحه الله لعباده جميعاًº والذين أسرفوا على أنفسهم حتى لا يقنطوا من رحمتهº ولكي يلجوا عبره إلى دار المغفرة والفلاحº فتوبة العبد لربه، ورجاء رحمته، والأوبة إليه إقرار بالتقصير في حق الله، واعتراف باقتراف الذنب، وإعلان من العبد بأن تكليف الله - عز وجل - له بطاعته، وعدم معصيته تكليف حق.. وما دام العبد قد أقرّ بالذنب، وطلب المغفرة من الله فعليه أن لا يرتكب ذنوباً أخرى، وأن يصر على تجنب المعاصي حتى تكون توبة نصوحاًº لقوله - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبٌّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ يَومَ لا يُخزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُم يَسعَى بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتمِم لَنَا نُورَنَا وَاغفِر لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ).. فما أكثر الذنوب عندناº وخاصة في زمننا هذا!.. ولكن ما أجمل كرم الله، ومنّه علينا بالتوبة وغفران الذنوب! (فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له)، ومن تاب تاب الله عليه..
فالتوبة النصوح هي النابعة من إحساس العبد بالذنب، وبالفرار إلى الله، ولها شروط - كما قال العلماء - وهي أن يقلع العبد عن المعصية في ساعتها، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم أن لا يعود إلى المعصية أبدا، وأن تكون خالصة لله - عز وجل -.. أما إذا كان الذنب يتعلق بحق العباد فإضافة إلى هذه الشروط عليه أن يتخلص من حقوقهمº فإن كان مالاً أو نحوه رده إلى صاحبه، وإن كان حد قذف ونحوه مكّنه منه، أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة فيستحله منها.
وهكذا نجد عفو الله ورحمته التي وسعت كل شيء، ومغفرته التي غلبت غضبه قد فتحت الباب واسعاً أمام كل عاصٍ, حتى لا ييأس من رحمة ربهº قل - تعالى -: (قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذٌّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).
إذاً فعلى العبد أن يسارع إلى تلك المغفرة، ويتوب إلى الله في كل لحظة قبل أن تطلع الشمس من مغربها، وعندئذ يبوء بالخسران المبينº يقول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه).
وبذا يجد العبد نفسه أقرب إلى رحمة الله من عذابهº وهو يمد يده إلى السماء بتذلل وانكسارº يقول: يا رب! فيجيبه الله - جل وعلا -: لبيك عبديº لو أتيتني بقراب الأرض ذنوباً ثم سألتني ورجوتني وأنت لا تشرك بي شيئاً غفرت لك ولا أبالي!!.. نعم يا رب أنت قلت وقولك الحق: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ).. يا الله! ما أعظم كرم الله على عباده!.. إلهي يا رب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم
نعم.. إن الله الواحد الأحد، العفو الكريم، ذو الفضل العظيم، القائل لعباده: (وَهُوَ الَّذِي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ)..
فالله يفرح بتوبة عبده كما جاء في الحديث في رواية مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكمº كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منهº وعليها طعامه وشرابهº فأيس منهاº فأتى شجرةº فاضطجع في ظلهاº قد أيس من راحلته.. فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عندهº فأخذ بخطامهاº ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك!!.. أخطأ من شدة الفرح).
ومن هنا ندرك كرم الله ومنّه على عباده بالتوبة عليهمº وهو يبسط يده ليتوب عليهم كل لحظةº حيث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله - تعالى -يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليلº حتى تطلع الشمس من مغربها).. [رواه مسلم].
فالتائبون هم أحباب الله، وخير عبادهº لإدراكهم معنى العبودية الخالصة لله، والخضوع له، ومراجعة النفس ومحاسبتها قبل الحساب يوم الفزع الأكبر: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).. فالعبد المؤمن قد يخطئ ولكن سرعان ما يتذكر الوقوف بين يدي الله في ذلك اليومº فيفر إلى الله تائباً، مستغفراً لذنبهº فيتوب الله عليهº (كل بني آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون).. قال - تعالى -: (إن الله يحب التوابين ويحب المطهرين).
فالأمة المحمدية أمة مرحومة بفضل الله الذي أنعم عليها برسولها - صلى الله عليه وسلم - سيد المستغفرين، وإمام التائبين، الذي فضله الله وكرمه على الخلق أجمعين، والأنبياء والمرسلين.
إذاً ما أحوجنا أن ننعم بذلك الفضل الإلهي لرسوله - صلى الله عليه وسلم -º فنتوب إلى الله، ونقتفي أثر رسولنا الكريم، النبي المعصوم، الذي يتوب إلى الله في اليوم أكثر من مائة مرةº لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أيها الناس! توبوا إلى الله، واستغفروهº فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) رواه البخاري.
فتوبوا إلى الله أيها المؤمنون، واستغفروه من كل ذنبº إنه هو الغفور الرحيم
إلهي يا رب:
بك أستجير فمن يجير سواك ** فارحم ضعيفاً يحتمي بحماك
يا رب قد أذنبت فاغفر ذنبي ** أنت المجيب لكل من ناداك
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد