بسم الله الرحمن الرحيم
(الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)
هناك أمور من العبادات والطاعات يؤجر على أدائها المرء مرتين أو ينال مثل أجور فاعليها، سواء في حياته أو بعد موته، ومن هذه الأمور:
مؤمن من أهل الكتاب:
1 عن الشعبي قال: حدثني أبو بردة أنه سمع أباه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأمة، فيعلمها فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن أدبها، ثم يعتقها فيتزوجها، فله أجران، ومؤمن أهل الكتاب، الذي كان مؤمناً، ثم آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فله أجران، والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده\" (1).
قال ابن المنيّر: \"مؤمن أهل الكتاب لابد أن يكون مؤمناً بنبينا - صلى الله عليه وسلم - لما أخذ الله عليهم من العهد والميثاق، فإذا بعث فإيمانه مستمر فكيف يتعدد إيمانه حتى يتعدد أجره؟ ثم أجاب بأن إيمانه الأول بأن الموصوف بكذا رسول، والثاني بأن محمداً هو الموصوف، فظهر التغاير فثبت التعدد.
ويحتمل أن يكون تعدد أجره لكونه لم يعاند كما عاند غيره ممن أضله الله على علمº فحصل له الأجر الثاني بمجاهدته نفسه على مخالفة أنظاره\".
الذي يتتعتع في القرآن:
2 عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"مثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظ له، مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد، فله أجران\" (2).
قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة\" و\"الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران\"، وفي الرواية الأخرى \"وهو يشتد عليه له أجران\": السفرة جمع سافر ككاتب وكتبة، والسافر الرسول، والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة الكتبة، والبررة المطيعون، من البر وهو الطاعة، والماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه.
قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرةº لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله - تعالى -. قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.
وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بتتعته في تلاوته ومشقته.
قال القاضي وغيره من العلماء: وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله - تعالى - وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه؟! \".
3 عن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ\" (3).
قال النووي: \"قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده.
قالوا: فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له، بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك\".
الصدقة على الأقارب:
4 وعن زينب امرأة عبد الله - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني من الصدقة النفقة على زوجي وأيتام في حجري؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة\" (4).
ففي الحديث الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام وأن فيها أجرين.
5 وعن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله! إني أعمل العمل، فيُطَالع عليه، فيعجبني؟ قال: \"لك أجران: أجر السر وأجر العلانية\" (5).
وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث: \"إذا اطلع عليه فأعجبه، إنما معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"أنتم شهداء الله في الأرض\"، فيعجبه ثناء الناس عليه لهذا، فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير ويُكَرَم ويُعَظم على ذلك فهذا رياء\".
وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يُعمل بعمله، فتكون له مثل أجورهم، فهذا له مذهب أيضاً (6).
المملوك المصلح:
6 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"للعبد المملوك المصلح أجران\". والذي نفس أبي هريرة بيده! لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك.
قال: وبلغناº أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه، لصحبتها (7).
للعبد المملوك الصالح أجران، واسم الصلاح يشمل شرطين وهما: إحسان العبادة والنصح للسيد، ونصيحة السيد تشمل: أداء حقه من الخدمة وغيرها، وفيه فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح، وهو الناصح لسيده والقائم بعبادة ربه المتوجهة عليه، وأن له أجرينº لقيامه بالحقين ولانكساره بالرق.
من سن سنة حسنة
7 عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه، حتى رؤي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء...\" (8).
8 عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا... \" (9).
قال النووي: \"هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك سواء كان العمل في حياته أو بعد موته\".
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أبدع بي فاحملني، فقال: \"ما عندي\"، فقال رجل: يا رسول الله! أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من دل على خير فله مثل أجر فاعله\" (10).
قال النووي: \"فيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لاسيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم، والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثواباً بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثواباً ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء\".
9 وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفرٍ, فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيِّباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعِدِ الآخر، ثم أتيا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: \"أصبت السٌّنَّة وأجزأتك صلاتك\"، وقال للذي توضأ وأعاد: \"لك الأجر مرَّتين\" (11).
الاستماع وعدم اللغو في صلاة الجمعة
10 عن عطاء الخراساني، عن مولى امرأته أمّ عثمان قال: سَمعت علياً على منبر الكوفة يقول: إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث، أو الربائث، ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإِمام، فإِذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من أجر، فإِن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفلٌ من أجره، وإن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفلٌ من وزرٍ,، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: \"صه\" فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء، ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - وسلم يقول ذلك\" (12).
--------------------------------------
الهوامش:
1 صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: فضل من أسلم من أهل الكتابين، رقم (2849).
2 صحيح البخاري، كتاب التفسير، رقم (4653).
3 سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ، رقم (3574).
4 سنن ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب الصدقة على ذي قرابة، رقم (1834).
5 سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب: الثناء الحسن، رقم (4226).
6 تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي.
7 صحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله (1665).
8 صحيح مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم (1017).
9 صحيح مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم (2674).
10 صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، وخلافته في أهله بخير (1893).
11 سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت (338).
12 سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب:فضل الجمعة، رقم الحديث (1051).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد