رحيل عام ومسك الختام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحبتي في الله لقد عشنا أياما هي خير أيام الدنيا ألا وهي أيام عشر من ذي الحجة، تاقت قلوب الحجيج وترقبوا تلك الأيام بشوق ولهفه فتأهبوا متجردين من الدنيا بملذاتها ومفاتنها ألسنتهم تلهج بالتلبية وتردد الأذكار من تسبيح واستغفار وأدعية ابتعدوا عن المحظورات ولكم أن تتصوروا حرصهم على معرفتها والابتعاد عنها ابتعد الحاج عن لبس المخيط وعن تغطية رأسه واحتمل البرد والهواء طاعة لخالق الأرض والسماء وابتعدت المرأة عن العطور وتركت التبرج والسفور راجية مغفرة رب غفور، وقفوا في عرفات وذرفت العيون بالدمعات وذهبوا إلى مزدلفة ثم الجمرات وقلوبهم خاشعة نادمه على ما فات وهناك أناس لم يكتب الله لهم ان يكونوا مع الحجيج لكن بنيتهم شاركوهم الأجر، أحيوا تلك الأيام في العبادات واجتهدوا في الطاعات...أيام جميلة انقضت وذهبت وهكذا الأعمار تمضي... في عالم التجارة نجد ان هناك ما يسمى بعملية (الجرد) يقوم التاجر بجرد بضاعته ليرى مقدار الربح وكيف يمكن ان يعمل على تنمية وزيادة هذا الربح ثم ينظر إلى الخسارة وأسبابها وكيف يمكن ان يتجنبها أو على الأقل يقلل منها بقدر ما يستطيع ونحن أحبتي ترى هل قمنا بهذه العملية خاصة ونحن على مقربة من وداع عام من أعمارنا؟؟ هل قمنا بالجرد والمحاسبة في تصديق إيماننا بالله - عز وجل - أم أننا اكتفينا بمقوله واعتقاد خاطئ (الإيمان في القلب) للأسف أحبتي ما أكثر ما نسمع هذه العبارة والتي ليس لها أساس من الصحة فنجد من يتهاون بالصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين ووصية نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم في آخر أيامه ليردد هذه المقولة (الإيمان في القلب)، ونجد ذاك الشاب يستمع إلى الأغاني وتتعالى من جواله ومن سيارته الموسيقى مزامير الشيطان وتفوح رائحة الدخان من فمه ثم يقول إن الإيمان في القلب وتلك المرأة تكشف عن وجهها تجمل عينيها ترتدي تلك العباءة المطرزة وقد زين لها الشيطان أن هذا هو التطور والتحضر ويكون الإيمان بالقلب غفل هو وغفلت هي عن حقيقة الإيمان وماهيته كما عرفه أهل السنة والجماعة قال ابن قدامه - رحمه الله - (الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان) وكما جاء في منظومة سلم الوصول إلى علم الأصول للحافظ الحكمي - رحمه الله تعالى -حيث قال: -

اعلم بان الدين قول وعمل *** فأحفظه وافهم ما عليه اشتمل

 

أحبتي هل نسأل أنفسنا ترى ماذا فعلنا في ذلك العام هل ازددنا للرحمن طاعة ؟؟ هل ازددنا له إنابة ؟؟ هل أعددنا إجابات لتلك الأسئلة.. عن ابن عمر عن ابن مسعود - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: - عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم). رواه الترمذي..

أحبتي في الله كم وكم وكم ظلمنا أنفسنا حرمناها من لذة الإيمان حرمنا أعيننا من إن تذرف دموع الخشية من الرحمن فذرفت على أغنية أو على مسلسل وفلم هابط ساقط كم تقلبت تلك العيون ونظرت إلى الحرام  كم خطت أقدامنا لأماكن تغضب الله - جل وعلا - ترى هل فكرنا يوم إن ينطقها الله وتشهد علينا قال عز وجل (حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) كم سهرنا من الليالي فرطنا في أيام وفرص ذهبيه منحنا إياها ربنا - جل وعلا - فكان رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان وأيام و أيام ونحن نبحر في بحور الغفلة والأماني والأوهام.

أحبتي لا خير في الأيام والأعوام إن لم تزدنا قربا وطاعة للمليك العلام؟؟

أحبتي عملية الجرد هذه آن الأوان لكي نجعلها بشكل مستمر قال عمر - رضي الله عنه - (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم وتأهبوا للعرض الأكبر على الله (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافيه)

 

أحبتي هذا القرآن كتاب الله بين أيدينا يتلى علينا صباح مساء زواجره أوامره كم صممنا الآذان عنها وكم قست قلوبنا واسودت من كثرة ذنوبنا لكن أحبتي ابشروا نعم ابشروا ابشري أيتها الزوجة التي ما أكثر ما أغضبتي زوجك ومن طاعته ورضاه حرمتي نفسك، ابشري يا فتاة يا من تبرجتي وكشفتي وجهك وغضبتي ربك يا من بالذنوب أغرقتي نفسك،، وأبشر آخي يا من أغضبت الرحمن وتماديت في العصيان ورحت تبحث عن الراحة فخدعك الشيطان وأوهمك أنها في تلك الأغنية وذاك الدخان.. يا من أوهمك أن الراحة والأمان في الحب الزائف فوقعت وأوقعت فتيات في شباك الشيطان.. أبشر أيها الأب وأيتها الأم وأنتم من أهملتم في تربية أبنائكم وفرطتم وأبشروا جميعا بأنه مازال هناك فرصة بل فرص فقد أمد الله عز وجل في أعمارنا لنبيض ما اسود من صحائف إعمالنا بالتوبة والعزم على الطاعة فتكون مسكا لختام عامنا .

ختاما أحبتي هدية أهديها لكم شريط بعنوان (اللسان) للشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - وجمعنا به في الفردوس.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply