بسم الله الرحمن الرحيم
هذه كلمات أهديها بكل ود تخرج من جراحات عابقات تنزف دما لك أنت يا من كنت سببا في ذاك النزيف..
لك أنت يا من أخذتك الغفلة في أحضانها المهلكة يلفحك لهيبها ويحرقك لظاها وأراك تؤثر وهج ذلها وجبروتها على نسمات منعشات ترد الروح وتفجر الطموح ولا ندري ألهذه الغفلة من سهم قاتل يلوح ليرفع السدول عن أنوار يوم صبوح .
إليك هذه النفحات تخرج من لفح الأسى لتعانق الحياة كنبضات قلب دقاته لا تكون إلا بتلك الدماء التي تجري لتدخ بقوتها وسرعتها ينابيع الحياة .
أذكرك بمن ضيعتها رغم عظيم مكانتها وطول وفائها لك وجميل صبرها عليك وشوق إنتظارها على عتبات بابك كل يوم تبكي ولا ندري أتبكي نفسها أم أن البكاء كان عليك .
دموعها تلك التي تقطر بعد النحيب هي روح تخرج من روحك لو كنت تشعر فتنزل بحرقة لتذيب العقبات وتكسر الحواجز وتنير ظلمات الطريق لأجلك ولكنك تصارعها لتخمدها في كل حين وتطفئ ومض سناها من نورعينيك
تشتكي بعدك عنها ومفارقتك لها ولا ندري هل لشكواها من مكان في أذنيك .
تذكرك بخصالها وأفضالها وتقدم لك الهدايا الكرام والعطايا الحسان ولكني أراك ترمي بتجهم كل ذلك وتشيح بوجهك عنها كلما لاح نورها إليك .
هي لا تسأم في أن تلاقيك ببسمات وجهها كل يوم رغم إعراضك عنها ولا تمل من مد بالخير يداها ولو تنكرت وتضايقت منها.
هل تعلم من تلك الجريحة بسهام غفلتك عنها وعن ذاك النزيف الذي صار يقطر من جنباتك وأنت لا تدري؟؟؟
هل تعلم من تكون تلك التي تمد يداها إليك كل يوم فتردهما بجهلك بعيدا كلما منك اقتربت ولخيرك طلبت
إنها صلاة الفجر تئن وتشتكي من الوحدة ومن طول البعاد.
صلاة ضيعتها وأهملتها وتجاهلت مكانتها وعظمتها بين الصلوات .
وإننا إذ نتكلم عن هذه الفريضة يلفنا الحزن وتأخذنا الشفقة بمن تخلف عن أدائها بدون عذر وما كان يعرف هذا في عهد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إلا في صفوف المنافقين بل إن أبي بن سلول رأس المنافقين كان يصلي الفجر وإن كان متثاقلا ويقول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - « ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما من ثواب لأتوهما ولو حبوا » أي زحفا على الأقدام.
كان يلام ويعنف من تخلف عن صلاة الفجر ولو مرة واحدة فما بالنا بمن يعرف عنه أنه لا يشهدها في جماعة بل ينام عنها .
فهل رأيت أعجب من الجنة كيف ينام طالبها ومن النار كيف ينام هاربها.
تئن تلك الصلاة من قلة المريدين وتراجع المحبين وتفتقدك يا عبد الله عندما تصعد الملائكة بكشوف الأسماء كلها لتعرضها على رب العزة واسمك في سجل النائمين أو اللاهين الغافلين....{فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون...}.
تطرق برفق أبواب بيتك كل يوم تريد مصاحبتك بنورها إلى بيت الله لتشهد لك ملائكة رحمته وتحقق فيك بشرى نبيك الكريم بتمام النور يوم القيامة ولكني أراك لا تجيب..
تريد تلك الصلاة أن تقف بجانبك تدافع وتجادل عنك بكل خير في يوم عبوس قمطرير فكيف تعرض عن تلك الشهادة بإهمال حق أداء تلك العبادة وقد سميت من سابع سماء لعظم مكانها بقرآن الفجر {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا}..
هل تعلم يا عبد الله أنك إذا خرجت لصلاة الفجر في ظلمات الليل لا تسمع إلا قرع نعلك ولا ترى إلا ظلك تلتفت يمنة ويسرة فلا تجد أحد يمشي غيرك ثم أتيت بيت الله لتصلي الفجر بعدما تركت الفراش الناعم وطويت الغطاء الدافئ وهجرت النوم ولذته.
إن ذلك مقياس حبك لله - عز وجل - بتلبية ندائه وإنها لبشرى بتمام النور لك يوم القيامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما قال «بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة».
أفلا يستحق ذلك الإله الرحيم الكريم منك، أن تستيقظ له لتلبي نداءه وتقبل ضيافته فتصلي الفجر في بيته؟
عبد الله اختبر حبك لمولاك وصدق مشاعرك تجاه مليكك وقسه بمقياس صلاة الفجر، فمن منا يجهل أن حبه إن كان صادقا يدفعه للتفكير في الحبيب ويأخذ من وقته وجهده ويسعد بترك لذة النوم إذا حانت لحظة اللقاء بذاك الحبيب بل يطيب في سبيل الأنس به كل مكدر ومنغص.
فكيف تغفل يا عبد الله عن لقاء رب العزة وتصم أذانك عن سماع صوت الحق ينادي حي على الصلاة... حي على الفلاح... الصلاة خير من النوم... وتسقط صلاة الفجر من قاموسك.
أما علمت عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله».
و ها هو عمر - رضي الله عنه - يقول بعدما علم عن أحدهم وقد تخلف عن صلاة الفجر بسبب قيام الليل: (لئن أصلي الفجر في جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله).
هذا رجل شغله طول قيام الليل فنام عن صلاة الفجر فماذا نقول عمن شغلهم اللهو واللعب والمنكرات وألهتهم الشهوات فناموا وقد بال الشيطان في أذانهم كما أخبرنا عنهم رسول الله عليه أفضل الصلوات.
ولكن صدق عز من قائل: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}.
انظر معي يا عبد الله وأرخى مسامعك لبيوت الله تشتكي من أطياف تكسوها وقد هدها الهجران فلا تجد من يصلي إلا القليل...
منهم النائم ومنهم المنشغل بما يريد عمله ومنهم المخطط في صلاته لبرنامج يومه ومنهم من لا درى ما قرئ من سور وأه ثم أه لو أطال الإمام في صلاة الفجر... هذا يتأفف وآخر يتململ ويشتكي وذاك يبحث له عن مسجد آخر...
في حين تزدحم الشوارع وتكتظ الطرقات وتنتشر الحياة بعد ساعة أو ساعتين فقط من وقت صلاة الفجر لماذا؟؟؟
لقد خرج الناس من البيوت إلى أماكن أعمالهم وكأن تلك البيوت لم تكن أثناء الفجر عامرة بأحياء يسكنونها.
عبد الله بادر ولا تتردد واسعى بجد إلى لقاء ربك في كل يوم وضحي بلذة النوم فتعوض عنها بلذات كثيرات طويلات أمدهن وتنعم بحلاوة الإيمان التي حرمها الكثير من العباد..
إياك أن تغفل عن نداء الحق وترمي مشاعل النور التي تضيء لك طريق الحياة وتؤنسك في قبرك بعد الممات وترافقك إلى الجنات..
اثبت يا عبد الله ولو كنت وحدك ولا تستوحش الطريق إن قل الصاحب ولا تقل غيري ينام وأنا أسير لوحدي يلفني برد السقى ويحيط بي ظلام الليل فإنه نور لك يوم القيامة يوم الظلمة الكبرى يوم تختفي الشمس وقد كورت والنجوم وقد انكدرت والكل يلتمس النور..
من الناس من يكون نوره كالجبال ومنهم من يكون كمد البصر ومنهم من يكون نوره كإصبع في قدميه يضيء مرة وينطفئ مرة ومنهم من يكون أعمى في تلك الظلمات..
تخيل معي يا عبد الله وأنت تسير على الصراط وجهنم تغلي من تحته لهيبها يفصل اللحم عن العضام وهي تقول هل من مزيد..
تخيل وأنت تسير في صراط أحد من السيف وأدق من الشعرة وتمر من فوقه وأنت في ظلام هل تستطيع أن تجيد المرور وهل تستطيع في الظلام الوصول..
فالتمس لنفسك نور صلاة الفجر قبل أن ينادي المنادي وقد جاءتك سكرة الموت التي كنت منها تحيد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد