صلاة الأَوابين ( 1 )


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمـد لله وبعدº

يعتقد كثيرٌ من المسلمين أن صلاة الأوابين هي الصلاة التي تُصلى بين المغرب والعشاء، وهذا الاعتقاد بناءاً على ما ورد من أحاديث، وكلامٍ, لأهل العلم.

فما صحة ما ورد في هذا الباب؟ وما هي صلاة الأوابين الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

قبل البدءº يذكر العلماء عند قوله - تعالى -: \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ \" [السجدة: 16] أقوالا في المقصود بالصلاة التي تتجافى جنوبهم من أجلها، نذكرها باختصار:

 

الـقَـولُ الأَوَّلُ:

قيام الليل، وهو قول جمهور المفسرين.

قال الإمام القرطبي في \" أحكام القرآن \" (14/67):

وَفِي الصَّلَاة الَّتِي تَتَجَافَى جُنُوبهم لِأَجلِهَا أَربَعَة أَقوَال:

أَحَدهَا: التَّنَفٌّل بِاللَّيلِ ; قَالَهُ الجُمهُور مِن المُفَسِّرِينَ وَعَلَيهِ أَكثَرُ النَّاس، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ المَدح، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالأَوزَاعِيّ وَمَالِك بن أَنَس وَالحَسَن بن أَبِي الحَسَن وَأَبِي العَالِيَة وَغَيرهم. وَيَدُلّ عَلَيهِ قَوله - تعالى -: \" فَلَا تَعلَم نَفس مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّة أَعيُن \" [السَّجدَة: 17] لِأَنَّهُم جُوزُوا عَلَى مَا أَخفَوا بِمَا خَفِيَ. وَاَللَّه أَعلَمُ. ا. هـ.

 

واستدل الجمهور بما يلي:

عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ, قَالَ: كُنتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ,، فَأَصبَحتُ يَومًا قَرِيبًا مِنهُ، وَنَحنُ نَسِيرُ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِº أَخبِرنِي بِعَمَلٍ, يُدخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَن النَّارِ. قَالَ: لَقَد سَأَلتَنِي عَن عَظِيمٍ,، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيهِº تَعبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشرِك بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجٌّ البَيتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلٌّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ: الصَّومُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِن جَوفِ اللَّيلِ قَالَ ثُمَّ تَلَا: \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ \" حَتَّى بَلَغَ \" يَعمَلُونَ \"...الحديث.

أخرجه الترمذي (2616)، وابن ماجه (3973)، والنسائي في الكبرى (11330)، وأحمد (5/231).

وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وقد رد الحافظ ابن رجب كلام الترمذي كما في \" جامع العلوم والحكم \" (2/135) بأن الحديث معلول بعلتين: الأول: الانقطاع بين أبي وائل، ومعاذ - رضي الله عنه -. أنه رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرا، قال الدارقطني: وهو أشبه بالصوابº لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه.

قال الحافظ ابن رجب: قلت: ورواية شهر عن معاذ مرسلة يقينا.... ا. هـ.

وقال الشيخ الألباني في الإرواء (2/141) بعد أن ذكر طرق الحديث وما فيها من العلل:

وخلاصة القول: أنه لا يمكن القول بصحة شيء من الحديث إلا القدر الذي أورده المصنف يعني صاحب منار السبيل وهو: وذروة سنامه الجهاد لمجيئة من طريقين متصلين يقوي أحدهما الآخر. ا. هـ.

 

القَولُ الـثَّانِي:

صلاة العشاء، وهي صلاة العتمة.

ودليل هذا القول:

عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ,: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ \" نَزَلَت فِي انتِظَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدعَى العَتَمَةَ.

أخرجه الترمذي (3196)، وابن جرير (12/100).

قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعرِفُهُ إِلَّا مِن هَذَا الوَجهِ.

وقال ابن كثير: رَوَاهُ اِبن جَرِير بِإِسنَادٍ, جَيِّد.

وأورده الشيخ مقبل الوادعي في \" الصحيح المسند من أسباب النزول \" (ص115).

 

القَولُ الثَّالثُ:

التنفل بين المغرب والعشاء.

ودليل هذا القول:

ما ورد من سبب نزول هذه الآيات وهي:

1 - عن الحارث بن وجيه قال: سمعت مالك بن دينار قال: سألت أنس بن مالك عن قوله - تعالى -: \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ \" فقال: كان ناس من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة فأنزل اللَّه فيهم \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ \".

أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما نقل الشوكاني في \" نيل الأوطار (3/54)، وفي سنده الحارث بن وجيه.

قال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال البخاري، وأبو حاتم: في حديثه بعض المناكير، زاد أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال النسائي: ضعيف.

وقد ذكر ابن عدي في الكامل هذا الحديث مما تفرد به الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار، وأيضا حديث: تحت كل شعرة جنابة.

وقد ضعف هذا الحديث الشوكاني بالحارث، وقال: ورواه أيضاً من رواية أبان بن أبي عياش عن أنس نحوه وأبان ضعيف أيضاً ورواه أيضاً من رواية الحسن بن أبي جعفر عن مالك بن دينار عنه. ا. هـ.

والحسن بن أبي جعفر أيضا لا يفرح به، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: متروك الحديث.

 

2 - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال بلال: لما نزلت هذه الآية \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ \" كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا يصلون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت.

أخرجه البزار في مسنده (1364)، وقال: ولا نعلم روى أسلم عن بلال إلا هذا الحديث، ولا نعلم له طريقا عن بلال غير هذا الطريق.

وقال الهيثمي في المجمع (7/90): رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف. ا. هـ.

وقال الحافظ ابن حجر في مختصر البزار (1498): إسناده ضعيف.

 

3 - عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, فِي هَذِهِ الآيَةِ \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ \" قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَينَ المَغرِبِ وَالعِشَاءِ يُصَلٌّونَ. وَكَانَ الحَسَنُ يَقُولُ: قِيَامُ اللَّيلِ.

أخرجه أبو داود (1321)، والبيهقي في السنن (3/19).

قال صاحب عون المعبود: قَالَ العِرَاقِيّ: وَإِسنَاده جَيِّد.

وصححه العلامة الألباني - رحمه الله - في صحيح سنن أبي داود (1173).

 

4 - عَن أَنَسٍ, فِي قَولِهِ - عز وجل - \" كَانُوا قَلِيلًا مِن اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ \" [الذاريات: 17] قَالَ: كَانُوا يُصَلٌّونَ فِيمَا بَينَ المَغرِبِ وَالعِشَاءِ. زَادَ فِي حَدِيثِ يَحيَى: وَكَذَلِكَ \" تَتَجَافَى جُنُوبُهُم \". أخرجه أبو داود (1322)، والبيهقي في السنن (3/19). وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود.

وقد أورد محمد بن نصر المروزي في \" قيام الليل \" أبوابا تتعلق بهذه الآية في المراد بالتجافي، والخلاف الوارد فيها، والسيوطي في الدر المنثور (6/545) أورد أثارا كثيرة.

 

القَولُ الرَّابِعُ:

صلاة الفجر والعشاء جماعة. وقد استحسن هذا القول القرطبي فقال: قُلت: وَهَذَا قَول حَسَن، وَهُوَ يَجمَع الأَقوَال بِالمَعنَى. وَذَلِكَ أَنَّ مُنتَظِرَ العِشَاءِ إِلَى أَن يُصَلِّيَهَا فِي صَلَاةٍ, وَذِكرٍ, لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ; كَمَا قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: \" لَا يَزَال الرَّجُل فِي صَلَاة مَا اِنتَظَرَ الصَّلَاة \". ا. هـ.

وبعد ذكر هذه الأقوال نأتي إلى المقصود من هذا البحث ألا وهو بيان ما ورد من الأحاديث في صلاة الأوابين، وإنما قدمت بهذه المقدمة لكي نأخذ القول الذي نريده وهو القول الثالث وننطلق في بحثنا من خلاله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply