بسم الله الرحمن الرحيم
قد يكونُ في الموضوعِ غرابةً، إذ هو رثاءً للأحياءِ وليس للأموات، لأنَّ الذي سارَ عليه الشعراءُ هو رثاءُ أهلِ القبورِ، الذين ودَّعوا الدنيا، وولجوا أولَ أبوابَ الآخرة، لكني سأُخالفهم في مسارهم الذي ساروا عليه، وسأرثي الأحياءَ الذي هو أشدٌّ تأثيراً في النفسِِ من رثاءِ الأموات، لكن لم أرثي رجلاً بعينه، بل أفراداً لا يحصى عددهم إلا الله، سواءً كانوا رجالاً أو نساءً، سأرثي أولئكَ الغارقين في أنهارِ الدنيا التي لا مجمع لها، سأرثيهم بدموعِ الأسى، لا بأبياتٍ, تحكمها قوافي وأوزان.
إنَّ الناظرَ في شبابِ أمتنا، يجدُهم مترامين على مُفترقِ الطُرق الموصلةِ إلى نهايةِ شعارها الهلاك، وما ساروا على تلك الطُرقِ إلا بعد ما علت عقولهم وقلوبهم غشاوةَ الضلالِ والشهوة، فجعلوها هدفاً لهم يسعون من أجلها، ويتحاربون في سبيلها، ومن أجل كسبها والفوز بها، وما هي إلا الخسارة والنار.
ترى الواحدُ منهم يسيرُ في طريقٍ, مظلم، يتخبطُ فيه يمنةً ويسرة، لا مفرَّ له، بل له عينين عاجزتين عن إرشاده، وما عسى تُغني جوارحٌ وأركان لا عقلٌ يُسيِّرها، ولا أعني بهؤلاءِ المجانين فهم معذورون، بل أعني الذين وكَّلوا شياطين الجنِّ والإنس ليكونوا قُوادَ عقُولهم فأصبحوا بلا عقول، بل أصبحوا اسماً لا مسميات، وعدداً لا اعتداد لهم في المجتمعات.
لن أبحُرُ في وصفِ حالهم وحياتهم، فهذا من المُحال، لكن سأوجِّهُ صيحاتٍ, إليهم وإلى دُعاةِ الضلالة.
أولاً: يا أيَّها الغارقون:
قفوا في طريقكم المُظلم، والتمسوا نُوراً يُنيرُ لكم الدرب، وهل رأيتموه؟ فمحالٌ! إنَّ النورَ الذي تبحثونَ عنهُ، هو السعادةُ، وهل ترجى سعادةٌ بين جنبات الشيطان؟
كلا، إنَّ الشيطان يُمنِّيكم، ولا يبعثُ شعاعَ الأملِ التي في قلوبكم، في الحصولِ على السعادة.
إنَّه يُمنيكم يوماً بعد يوم، ويعدُكم دهراً بعد دهر، وما تلك الأمانيٌّ والوعودُ إلاَّ خيالات لا حقيقةَ لها، بل لو كان صادقاً في وعُوده لرأيتم نفحاتَ السعادةِ على أولِّ عتباتِ الطريق، لكنَّها الحيلُ والأكاذيبُ التي لا تُرى إلا عند شُخوص البصرِ وانتزاعُ الروح.
يا أيَّها الغارقون: تفكروا لحظاتٍ, في مصيركم بعد انتزاعِ الروحِ و مواراتِ الأجسادِ الثرى.
يا أيَّها الغارقون: أين الشهواتِ المزيفة، أينَ شياطينَ الجنِّ والإنس؟ هل يُحامون عنكم في قبوركم؟! أو يفرشونها سندساً وإستبرق؟ فمحالٌ! بل عذابٌ وحسرةٌ، تتمنون العودةَ لحظاتٍ, ودقائق، تُبيضون بعضَ ما أسودَّ من صحائفكم، فانتبهوا ولا تُواصلوا السير على طريقكم المظلم، بل تراجعوا إلى الخلفِ وأفيقوا من سُباتكم،
ثانياً: يا دُعاةَ الفضيلةِ
أوقدوا النارَ، وشُدٌّوا العزائمَ لانتشالِ أولئك الغارقين، فلا معينَ لهم بعدَ اللهِ سِواكم، كبكبوا الدموعَ وأرسلوها رثاءً لحالهم، وليكونوا همَّاً من همومكم الأولى.
فهم إخوانُنا ولأنَّ ضياعهم وضلالهم حسرةً وحزناً لنا.
فلا تكلوهم إلى قُطاعِ طريقِ الهدايةِ، من شياطينِ الإنسِ والجنّ.
كونوا جواباً للمستغيثين بحالهم لا بألسنتهم، كونوا يداً تبعثُ الأملَ في إنشاءِ ميلادٍ, جديد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد