همسات على الطريق ( 1 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

أظنها آخر صلاتي:

سئل حاتم الأصم عن صلاته، فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرا بتحقيق، وأقعد وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعا بتواضع، وأسجد سجودا بتخشع، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري: أقبلت مني أم لا؟

 

جباه المصلين:

كلما أوغلت الفهوم في معرفة الخالق فشاهدت عظمته ولطفه ورفعته تاهت في محبته فخرجت عن حد الثبوت. وقد كان خلق من الناس غلبت عليهم محبته، فلم يقدروا على مخالطة الخلق. ومنهم من لم يقدر على السكوت عن الذكر، وفيهم من لم ينم إلا غلبة، وفيهم من هام في البراري، وفيهم من احترق في بدنه. فيا حسن مخمورهم ما ألذ سكره، ويا عيش قلقهم ما أحسن وجده..

 

وكان أبو عبيد الخواص قد غلبه الوجد فكان يمشي في السوق يقول: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه.

وكان فتح بن سخرف يقول: التبذل فيه - سبحانه - أحسن من التجمل في غيره.

 

هل رأيت قط عراة أحسن من المحرومين..... هل رأيت للمتزينين برياش الدنيا سمتا كأثواب الصالحين..... هل رأيت خمارا أحسن من نعاس المتهجدين...... هل رأيت سكرا أحسن من صعق الواجدين...... هل شاهدت ماء صافيا أصفى من دموع المتأسفين...... هل رأيت رؤوسا مائلة كرؤوس المنكسرين...... هل لصق بالأرض شيء أحسن من جباه المصلين... هل حرك نسيم السحار أوراق الأشجار فبلغ مبلغ تحريكه أذيال المتهجدين..... هل ارتفعت أكف وانبسطت أيد فضاهت أكف الراغبين...... هل حرك القلوب صوت ترجيع لحن أو رنة وتر كما حرك حنين المشتاقين.

 

ظلام الليل:

أخي.... أما رأيت الصالحين في ظلام الليل، هذا يعاتب نفسه على التقصير... وهذا يتفكر في هول المصير... وهذا يخاف من ناقد بصير... منازل تعبدهم متناوحة، وفي كل بيت منهم نائحة... تائبهم أبكى من مُتمم... ومحبهم أتيم من مرقش... ومشتاقهم أقلق من قيس... وكلهم قد بات يقول: أن المقر على نفسي بالخيانة... أنا الشاهد عليها بالجناية، والمتعبد يبكي على الفتور بكاء الثكلى على القبور... ويندب زمان الوصال ويتأسف على تغير الحال، والخائف ينادي: ليت شعري ما الذي أسقطني من عينك؟ أقلت هذا فراق بيني وبينك؟

 

الزلزلة:

قال ابن القيم - رحمه الله -: وذكر ابن أبي الدنيا حديثا مرسلا: (إن الأرض تزلزلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوضع يده عليها ثم قال: اسكني فإنه لم يأن لك بعد. ثم التفت إلى أصحابه فقال: إن ربكم ليستعتبكم فاعتبوه، ثم تزلزلت بالناس على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه- أي معاصي ارتكبتموها - والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا.

 

وقال كعب: إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي، فترعد فرقا من الرب - عز وجل - أن يطلع عليها..

 

وكتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى الأمصار: أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله - عز وجل - به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به...... وقولوا كما قال اآدم - عليه السلام -: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وقولوا كما قال نوح - عليه السلام -: (وإن لم تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين)، وقولوا كما قال يونس - عليه السلام -: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

 

فما بالنا اليوم نرى الزلازل والبراكين والكوارث ونفسرها بأنها ظواهر طبيعية متغافلين..

 

لا تكف دمعك:

أخي.... لا تكف دمعك حتى ترى في المعاد ربعك، ولا تكحل عينيك بنوم حتى تعلم حالك بعد اليوم، ولا. تبت وأنت مسرور حتى تعلم عاقبة الأمور..

 

أخي إن الموتى لم يبكوا من الموت، ولكنهم يبكون من حسرة الفوت، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها، ودخلوا داراً لم يتزودوا لها، فأي ساعة مرت على من مضى؟ وأي ساعة بقيت علينا؟

 

أخي إن الآمال تطوى، والأعمار تفنى، والأبدان تحت التراب تبلى، وإن الليل والنهار يتراكضان، تراكض البريد، ويقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، وفي ذلك ما يلهي عن الشهوات ويسلي عن اللذات، ويُرغب في الباقيات الصالحات..

 

أخي....اعمل ما وجدت سبيلا للعمل، وما دمت في فسحة ومهل، ومهد المضجع ووطئ لذلك المصرع.

  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply