بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تقدمت العناية بالقلب من الناحية الحسية حتى وصلت لمرحلة زراعة القلب. لكننا هنا سنتطرق -إن شاء الله - لموضوع العناية به من الناحية الروحية المعنوية.
أهمية الموضوع:
1 -أن الله أمر بتطهير القلب. قال - تعالى -: (وثيابك فطهر) الثياب القلب.
2 - أهمية القلب وأثره في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، فلهذا القلب مكانه فهو الموجه والمخطط. ففي حديث أبي هريرة: (القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث خبثت جنوده).
3 - غفلة كثير من المسلمين عن قلوبهم مع الاهتمام الزائد في الأعمال الظاهرة مع أن القلب هو الأساس والمنطلق.
4 -أن كثيراً من المشاكل بين الناس سببها من القلوب وليس لها أي اعتبار شرعي ظاهر.
5 -أنّ سلامة القلب وخلوصه سبب للسعادة دنيا وأخرى.
6 -مكانة القلب في الدنيا والآخرة قال - عز وجل -: (يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) وقال: (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قوله – صلى الله عليه وسلم -: (إنّ الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار إلى صدره. وفي حديث النعمان بن بشير قوله – صلى الله عليه وسلم -: (إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
7 -أن من تعريف الإيمان (وتصديق بالجنان) وتعريف آخر (عمل الجوارح وعمل القلب)، فلا إيمان إلا بتصديق القلب وعمله، والمنافقون لم تصدّق قلوبهم وعملوا بجوارحهم ولكنهم في الدرك الأسفل من النار.
ولكن قليلاً منّا من يقف أمام قلبه فهو يقضي جلّ وقته في عمله الظاهر، والقلب يُمتحن ففي الحديث: (تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أُشربها نُكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين قلب أسود وقلب أبيض). وليس الامتحان الابتلاء بالشيء الظاهر كالسجن أو الفصل من العمل أو الإيذاء ولكن الامتحان الأصعب هو امتحان القلوب، وفي قوله - تعالى -: (وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) معنىًً للامتحان.
والقلب كالبحر لاحتوائه على أسرار عجيبة وغموض كبير وأحوال متقلبة سواءً كانت منكرة كالغفلة -الزيغ-الأقفال-القسوة-الرياء-الحسد-النفاق... والنتيجة الطبع والختم والموت... وصفته أسود. أو كانت تلك الأحوال محمودة كاللين -الإخبات -الخشوع -الإخلاص -المتابعة -الحب -التقوى -الثبات -الخوف -الرجاء... والنتيجة السلامة والحياة والإيمان... وصفته أبيض، فالقلب عالم مستقل.
المواضع التي يكثر فيها امتحان القلوب و ابتلائها:
1 - موطن العبادة: الصلاة-الصدقة-الصيام. قال الله - تعالى -: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً).
2 -موطن العلم: فقد يكون أول مقصده لله ثم يتحول مقصده للرياسة أو عند المراءاة والجدل.
3 – الدعوة.
4 –المال.
5-الرياسة والمناصب.
6 -الحسب والجاه والنسب.
7 -الشهوات والشبهات.
ملاحظة مهمة:
إن أعمال القلوب لا يعلمها إلا الله خالق القلوب - سبحانه - وليست موكلة لنا، فقد قال الله - تعالى - لرسوله الكريم في شأن المنافقين: (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم)، وفي قصة أسامة بن زيد أنه لحق رجلاً من الكفار وعندما رفع السيف عليه، قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقتله أسامة، فجاء يخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أقال لا إله إلا الله وقتلته فأجاب أسامة: إنما قالها خوفاً من السلاح، فقال الرسول: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا.
مجالات الابتلاء:
1 - النفاق: لم ينته بل هو أخطر منه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان الصحابة يخافون من النفاق، فهذا عمر يسأل حذيفة: أعدني رسول الله من المنافقين؟، وقال أبن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخشى النفاق على نفسه، وتجد البعض من الناس يقع في صفة من صفات المنافقين من حيث يشعر أو لا يشعر، وعلى سبيل المثال نجد من يتحدث في بعض المجالس مؤثراً حكم الطواغيت والأحكام الوضعية على حكم الله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).
2 - الرياء: لا يسلم منه إلا القليل فقد تجد الرجل يصلي مبتدءاً صلاته بنية خالصة لله ثم تتحول نيته عندما يسمع صوتاً فيحسن صلاته، وهو أدق من دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء. وفي الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). وقال: (من سمّع سمّع الله به ومن يرائي يرائي الله به).
3 - الشبه والشك والريبة: قال - تعالى -: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه).
4 - سوء الظن: أسوأ ذلك سوء الظن بالله - تعالى - في نصره ووعده للمجاهدين والدعاة، وفي أنه يرزق العبد.
5 - الحسد والغيرة: إذا رأى على غيره نعمة مثل عنده علم أو منصب أو تجارة، فيحسده عليها ويغار منه. ويقول شيخ الإسلام: (والحسد مرض من أمراض القلوب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس ولهذا يقال: ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه) وقال - تعالى -: (أم يحسدون الناس على ما ءآتاهم الله من فضله). ومن علاج ذلك ما قاله شيخ الإسلام: (من وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر ويكره ذلك من نفسه).
6 - الكبر والإعجاب واحتقار الغير: قال الله - تعالى -: (إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه) وقال: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق)، فالبعض يُحتقر لأنه مسكين، أو لأنه في وظيفة صغيرة، أو لأن أصله كذا أو كذا أو قبيلته كذا. وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) وقال أيضاً (بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم).
7 - اليأس: البعض يأيس من الواقع وقال: لا مخلص مما نحن فيه، وقنطوا من نصر الله ووعده. قال الله - تعالى -: (أفلم يأيس الذين ءآمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً).
8 - الهوى: ومنه محبة غير الله، وصرف المحبة لغير الله مهلِكº فإن الحب يعمي ويصم إذا كان لغير الله - تعالى -.
9 - الخوف والخشية من غير الله: قال - تعالى -: (فلا تخشوا الناس واخشوني إن كنتم مؤمنين).
10 - الوسواس: عند الصلاة وعند الوضوء وغير ذلك.
العلاج:
أساس صحة القلب وسلامته هو الإيمان. ومنه يتفرع:
كمال محبة الله لله وفي الله قال - تعالى -: (فسوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونهم)، صدق الإخلاص قال - تعالى -: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، حسن المتابعة قال - تعالى -: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقال: (وما ءآتاكم الرسول فخذوه) وقال: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).
السلامة من الامتحان والابتلاء:
ذكرُ الله - تعالى -. قال - تعالى -: (ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذ كر الله...) وقال: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وأعظم الذكر قراءة كتاب الله.
ونوع من العلاج محاسبة النفس-العلم-التقوى-الدعاء-إطابة المطعم-الصدقة-غض البصر- تحقيق الولاء والبراء- محبة المرء لأخيه ما يحب لنفسه - عدم التطلع لزينة الحياة الدنيا.
وذكر ابن القيم (علامة صحة القلب ونجاته أنه:
أ-أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى يتوب إلى الله وينيب.
ب- لا يفتر عن ذكر ربه ولا يفتر عن عبادته.
ج- إذا فاته ورده وجد لفواته ألماًَ أشد من فوات ماله.
د- أنه يجد لذة في العبادة أشد من لذة الطعام والشراب.
هـ - أنه إذا دخل في الصلاة ذهب همه وغمه في الدنيا.
و-أنه أشح بوقته أن يضيع من الشحيح بماله.
ز- أنه بتصحيح العمل أعظم اهتماماً من العمل نفسه.
ومن علامات رسوب القلب في الاختبار:
أ- أنه لا تؤلمه جراحات القبائح.
ب- أنه يجد لذة في المعصية وراحة بعدها.
ج- أن يقدِّم الأدنى على الأعلى فيهتم بتوافه الأمور على حساب شئون الأمة.
د- يكره الحق ويضيق صدره.
هـ - الوحشة من الصالحين والأنس بالعصاة.
و- قبوله للشبهة وتأثره بها.
ز- الخوف من غير الله.
ح- أن لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ولا يتأثر بموعظة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد