بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يخلو حالك أخي المسلم في معاملتك مع المساكين من إحدى ثلاث:
1. أن تكون قد ملكت نصاباً حل أجل زكاتهº فلا يصلح دينك، ولا يتم إيمانك إلا بأداء زكاة مالك، لقوله - تعالى -: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)[1]، ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (بُني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،... الحديث)[2]، والزكاة معلومة بشروطها ومقاديرها وقد قاتل الصديق ـ رضي الله عنه ـ من منعها، وأجمعت الأمة على وجوبها. ولو أدى المسلمون زكاة مالهم إلى الفقراء لما أصبح المال دولة بين الأغنياء، كما نرى اليوم.
2. أن تكون لا تملك نصاباً من أنصبة الزكاة، ولكنك في سعة ما من رزق الله عليك، فأنت مطالب أن تعامل المساكين كما وصف الله - تعالى - المحسنين: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)[3] ، وأكد - سبحانه - هذا الحق في صفات المصلين بقوله: (و الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)[4]. فهو حق، وهو معلوم، حق لله، وحق للسائل والمحروم، ولا منة لأحد على أحد في حق، وإنما المنة لله وحده أن وفق لأدائه، يقول - جل وعلا -: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[5].
3. أن تكون من الذين لا يملكون ذلك القدر من المال الذي يجعلهم ينفقون ويتصدقون وجوباً أو تطوعاً، فلا أقل من أن تحض على طعام المسكين، وأن تستعيذ بالله من أن تكون ممن (لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين)[6].
ثم انظر إلى هذه الصفة في سورة الماعون كيف وردت ضمن تلك القبائح من تكذيب بالدين، ودعّ لليتيم (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين)[7]، قال ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: (ولا تحاضون على طعام المسكين)[8]: \"يعني لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ويحث بعضهم على بعض في ذلك\"[9].
كثيراً ما نقرأ في آيات القرآن ذم ترك الفرائض المطلوبة من العبد كالصلاة والصوم ونحوه، ولكن في أمر طعام المسكين ذم الله - تعالى - ترك الحض على الفعل وليس ترك الفعل فحسب، لأن هذا الحض ـ والله أعلم ـ لا ينفك أحد عن أن يكون مطالباً به بدرجة ما، غنياً كان أو فقيرا.
لكل هذا أخي المسلم لا ينبغي لك أن تعفي نفسك من إحسان تجاه المساكين، فرضاً كان أو تطوعاً، ولا يُصلَح حال المجتمع المسلم إلا بهذه الإيجابية في العمل، أما أن يعفي كلٌّ نفسه من عمل شيء، فهذه سلبية لا يرضاها الله ولا تزيدنا عن الحق إلا بعدا.
سارع أخي المسلم إلى إغاثة الملهوف، والحض على إطعام المسكين، فـ ((الدال على الخير كفاعله))، و ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من عمل به، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)).
قد رشحوك لأمر لو فطنت له = فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
فلا تحقرن من المعروف شيئاً، فرب عمل صغير تكبره النية ويضاعفه ربنا بالإخلاص.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
-----
[1] البقرة: 43
[2] متفق عليه
[3] الذاريات: 19
[4]المعارج: 24-25
[5] البقرة: 262
[6] الحاقة: 33-34
[7] الماعون: 1-3
[8] الفجر: 18
[9] تفسير ابن كثير، ج 4، ص 509
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد