أصداء كلمة


 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة الطّيّبة .. ذلكَ المولودُ الجميلُ الذي يولدُ في لحظةِ صفاءº فتحتفي بهِ كلٌّ القلوب، وتستبشرُ لمرآه كلٌّ العقول، فتُعلن الأفراح داخلَ الأرواح، ويسودُ البشرُ كيانَ كلِّ من تلقّاها.. !

هي ذلكَ البلسم الشّافي من أصعبِ الأدواءِ وأكثرها تعقيداً، فمن تألّم قلبهُ واستهُ كلمة، وجبرتهُ برقّةٍ,º فعادَ سليماً مستبشراً. ومن أرّقتهُ الهمومُ بجبروتها، والحياةُ بسطوتهاº أحيتهُ كلمة ذات همّة، فتناسى الألمَ بشتّى معانيهِ، وانقلبَ يشقٌّ الأرضَ بهمّتهِ، يعمرُها بعزيمة، ويبنيها بإيمانٍ, تردّد من أصداء كلمة.

والمحزونُ تواسيهِ كلمة تصبّره، تعدهُ الحُسنى وزيادة، تكفكفُ دمعهُ وتغرسُ في قلبه بسمة. فإن رأيتهُ فهو الصّابرُ، وإن حادثتهُ فحديثُ القانعِ المتصبّر، فما يزالُ يترنّمُ بكلماتِ الرّضا، لعلّ الخالق - تعالى -عنهُ يرضى.

مفتاحُ المعرفةِ كلمة، ولعلّ (اقرأ) كانت منبع حضارتنا الإسلاميّة على مرّ عصور، كلّ من يمرٌّ على (اقرأ) يحملُ تلكَ الأمانة، فما يزالُ ينهلُ علماً، تارةً به متعبداً، وتارةً به عاملاً ومعلماً. حتّى عمرت الأرض علماً وحضارةً ورقيّاً.

وطريقُ القلوب كلمة.. !

تراها متألّمةً شاحبةً مسودّة، فتأتيها الكلمةُ الطّيبة فتغسلها، وتنقّيها، وتعملُ فيها تطهيراً حتى تشفّ، فتضيء بداخلها قناديلاً ما تزالُ تشعٌّ. زيتها المضيء كلمة!

ونورُ العقول كلمة طيّبة..

إذا استعبدها الجهلُ واستعمرها بجنوده من كلماتٍ, لا أصل لها، أقحمت نفسها إقحاماً في اللغة، واستباحت لنفسها وظيفةَ غير شرعيّة، فراحت تسرقُ وتنهبُ من لُبّ العقول، وتشيعُ فساداً، وتدمّرُ حياة، فتفرضُ سطوتها، وتملي أوامرها بعنجهيّة، فلا ينقادُ إليها إلا الضّعفاء، ولا يصغي إليها إلا الجهلاء. فيالحسرة من أغوتهُ كلمة، فغدا من جنود إبليس وأتباعه مسيّراً في ظلمات يحسبها نوراً..

ولو سمح لأنوار الكلمة الطّيبة أن تتسلّل إلى داخله، لحاربت مدّ الشّر، ولبصّرتهُ بالخير، وعرّفته بالشّر، ولقادتهُ إلى مواكب المؤمنين، فغدا عارفاً طريقهُ، متبصّراً سبيله على هدى من ربّه.

يقولون.. إنَّ الكلمة سلاحُ الضّعفاء.

وأقولُ.. إنَّ الكلمة ينبوعُ الحكمة، ومفتاحُ العلوم، وهي ذلك الجسرُ السّحريٌّ الذي يعبرُ بنا إلى حيثُ نريد، متى نريد! شريطة أن نحسن التّحكم بأنغام الحروف، وقطرات الحبر وهي تنسكبُ بجمالٍ, على الرّق، فندرك أيّ رسالة حمّلناها لها، وأيٌّ نورٍ, قلدناها إيّاه.

فكيف نستهينُ بكلمة؟ وقد تبني لنا في الجنّة قصوراً، أو تغرسُ بساتين نخيل، أو ترتقي بنا نحو فردوسٍ, تهفو نفوسنا إليه!

الكلمة توأمٌ للصّحة والشّباب والعلم والمال.. ادّخارٌ لا يبلى، ونعيم لا ينقطع.

فلنتصدّق بكلمة حبّ على أولئكَ الذين ما خفقت قلوبهم يوماً بمعناه، ولننشر حروفنا في أصقاع الأرض دعاةً مصلحين رُوّاد كلمة، ولننشر سلاماً منبعهُ أثيرُ كلمة..

وليكن نصب أعيننا دائماً..أنَّ الحروف مثلُ قطر الغمام لها أساس نقيّ، نحنُ من نوجهها إمّا إلى قيعان أو إلى جنّة وارفة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply