بسم الله الرحمن الرحيم
قف... قف.... نعم أنت أنت.... قف وارجع لتسمع مني يا من صمت معنا رمضان، واستطعت أن تجاهد نفسك على الصلاة، ما بالك تركت قطار طاعة الرحمن، وهممتَ بركوب قطار الشيطان، وكأنما كنتَ تنتظر محطة العيد بفارغ الصبر؟!
ما الذي تغيّر؟! هل بلغك أن ربنا - سبحانه - الذي نخافه ونرجوه يغفل أو ينام في غير رمضان؟! أم جاءك خبرٌ بأن النار التي نفر منها قد أُطفئت؟! وأن الجنة التي نرجوها قد ضمناها بهذه الأعمال القليلة من صيام وصلاة مخلوطة بتقصير كثير؟! أم هل تراك أيها المسكين قد توهّمتَ أنك خرجت عن سلطان الله؟ أم وجدتَ رزقك عند غيره - سبحانه - فاستغنيتَ عنه؟! كلا، لم يحصل من ذلك شيءº فالله هو الحي القيوم يعلم ما تكسب كل نفس، لا تأخذه سنة ولا نوم، وسع جميع مخلوقاته بعلمه وقهره، فلا يُعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، بل نحن وجميع الثقلين فقراء إليه في كل أمر وفي كل حين.
أخي! لسنا نطمع أن نكون في شوال كما كنا في رمضان في الصلاة والذكر وقراءة القرآنº فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد العباد كان يتضاعف جوده وقيامه في رمضان. لكن الذي لا يصلح أبداً هو أن يتمادى بنا النقص حتى نترك الواجبات ونهجر المساجد ونضيع الصلوات، أو نتجرّأ على المحرمات وننطلق لاهثين وراء شهوات البطن والفرج كالعطشى.
ليس هذا شأن الصالحين الذين يعرفون أنهم لا بد واقفون بين يدي الله - سبحانه - محشورون إليه بلا زاد سوى ما قدموا، يصدرون أشتاتاً ليروا أعمالهم. وهؤلاء قد بيّن الله - تعالى - حالهم فقال: {.. يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} يعني يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألاّ يقبل منهم. أولئك أقوام أراد الله لهم الكرامة، فأحيا قلوبهم بخشيته في الغيب والشهادة مع اجتهادهم في العبادة.
وآخرون عسى ألاّ نكون منهم أراد الله استدراجهم فجمعوا التقصير في حق الله مع الأمن من عذابه، {كلا بل لا يخافون الآخرة}.
أخي! إنك إن أصررتَ على خداع نفسك، وأعمت قلبك الشهوات المحرمة فستقول: رحمة الله واسعةº فلا تقنِّطنا. وحينئذ سأترك العالم الرباني والتابعي الجليل بلال بن سعد - رحمه الله - يلقّنك الجواب الحق، حين كان يذكر الجنة والنار، فقال له قائل: لا تقنِّط الناس، فقال - رحمه الله -: معاذَ الله أن أفعل ذلك والله يقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}، ولكنكم تريدون أن تدخلوا الجنة بمساوئ أعمالكم!
نعم نريد أن ندخل الجنة بمساوئ أعمالنا، بينما الصالحون يطمعون في رحمة الله وجنتهº لأنهم بذلوا أسبابها. نعم! والله إن الزنى واللواط ليس من مؤهلات الثبات على الصراط، وليس هجران المساجد وارتياد أماكن الفجور مما يفرح به العبد يوم البعث والنشور.
وليس يسرك أبداً في ذلك اليوم الرهيب أن ترى في صحيفة أعمالك عكوفاً على آلات اللهو والطرب سماعاً أو مشاهدةً، ولا تضييع الصلوات يعد في أسباب الأمن من عذاب القبر، كيف وقد أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - عن بعض أصحابه أنه كان يعذب في قبرهº لأنه كان يصلي صلاة لم يتم طهورها إذ كان لا يتنزه من البول!! فكيف بمن لا يتوضأ ولا يغتسل من جنابة ولا يصلي؟!
أما إن صدقتَ أخي مع نفسك فستعترف بأنك مقدم على شر، وأنك تركض إلى ما فيه سخط ربك وهلاك آخرتك، لكنك لا تستطيع أن تكبح شهواتك أكثر من هذا الشهر، فسأذكر لك بعض الحقائق التي تعينك على نفسك وعلى شياطين الإنس والجن. فمن ذلك:
يجب أن تستشعر خطورة الداء حتى يهون عليك استعمال الدواء، فالمعاصي طريق يوصل إلى عذاب الله الذي لا يطيقه بشر، وسلامة الدين تستحق أن تضحي من أجلها بكل شيء، وأن تهجر بسببها كل إنسان يحول دونها مهما كان.
أن الهداية للخير والتوفيق للأعمال الصالحة لن تنالها بالذكاء ولا بالشهادة، ولكنها نعمة من الله يهبها لمن أناب إليه. فأقبل على الله وتضرع إليه بالدعاء الصادق عسى أن يهدي قلبك ويجعلك من عباده المفلحين.
أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. وإن القلب الذي رانت عليه الشهوات والشبهات كيف سيقود الجوارح إلى طاعة الله؟! ومن أين يصل إلى قلبك الخير، وأنت معرضٌ عن دروس العلم النافع، تفرّ من المواعظ، وتخالط من رؤيته تقسي القلب وسماع حديثه يمرضه؟!.
أن الدنيا لا تغر ذوي الألباب، فكما انقضى رمضان سريعاً حتى لكأنه حلم، فكذلك العمر كله سينقضي كأنه يوم أو بعض يوم {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم}. والدنيا لا تساوي أن يهتم لها الإنسان فضلاً عن أن ينشغل بها عن الآخرة.
أن الطاعة يذهب تعبها ويبقى ثوابها، وأن المعصية تذهب لذتها، ويبقى عقابها، أين تعب الصيام والقيام... لقد نسيناه، لكنه مدّخرٌ عند من لا يُضيع أجر المحسنين، وبالمقابل أين لذّات المفرطين في الصوم والصلاة؟ لقد ذهبت وستنتظرهم فيجدونها حسرات عليهم.
وختاماً أخي الكريم ارجع إلى ربك، وعد إلى بذرة الخير التي غرسها رمضان في قلبك فتعاهدها بالسقي حتى تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها، فإن أعرضت عن هذا كله ووليت عن آيات الله كأن لم تسمعها، فاعلم أن الله حين سهل لك طرق الفاحشة، وهوّن ارتكابها على نفسك لم يكن هذا منه - سبحانه - محبّة لك، ولا غفلة عنك، ولكن حلماً منه لعلك تتوب، وهواناً منك عليه جل جلاله حتى أسلمك لنفسك ولشيطانك {إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً} {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً}.
أما من أحبهم وأراد - سبحانه - لهم الخير فقد حبب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون.. إنه رحيم ودود.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد