زيـــارة.... عــــابرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هاهي رحلة الحياة تقف على شاطئ الوداع!

وهاهو قارب الرحيل قد نصب الشراع!

وهاهي الدموع تهمل في التياع!

لقد رحل الأحبة مرغمين...... وعز في الدنيا الاجتماع!

وخلت الديار من أهلها...... واستوحشت منهم بقاع! وأنت على الخطو تسير...... فاجعل الخيرات زادك والمتاع!

 

سألت الدار تخبرني ***عن الأحباب ما فعلوا

فقالت لي: أناخ القوم ***أياما وقد رحلوا

فقلت: فأين أطلبهم ***وأي منازل نزلوا

فقالت: بالقبور وقد ***لقوا والله ما فعلوا

 

ذهبت أبحث عن الأحباب والأصحاب..... بعد أن واريناهم.... بأيدينا التراب....

فما وجدت غير أجداثهم.... تسفعها العاديات.... وتحثو فوقها الذاريات............... كانوا معنا... يأكلون ويشربون.... ينعمون ويتلذذون.... يذهبون ويأتون.... يضحكون ويبكون..... ثم ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

دهتهم داهية الموت.... فانقطع منهم الصوت..... وفات عليهم الفوت...

جئت قبورهم لأزورهم..... فوجدتها هامدة..... ساكنة..... خامدة..... دارسة جامدة....

والدواهي في دواخلها... والعظائم في بطونها.... !

 

أتيت القبور فناديتها...... فأين المعظم والمحتقر؟!

وأين المدل بسلطانه...... وأين القوي إذا ما افتخر؟!

تفانوا جميعا فما من خبر...... وماتوا جميعا ومات الخبر

تروح وتغدو بنات الثرى...... فتمحو محاسن تلك الصور

فيا سائلي عن أناس مضوا...... أما لك فيما مضى معتبر؟!

مضوا أمامك..... وأنت على الأثر...

والموت سائر إليك.... فأين المفر؟!

 

وأعظم منه ما يكون من أهوال يوم الحشر!

وأعظم منه، الخطب الأخطر، والهول الأكبر: أين يكون المستقر؟؟؟

أفي: (جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر)...

أم في: (ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر)...

 

فيا لساعة الموت ما أشدها!

وما أعظم المحن التي بعدها!

قال - صلى الله عليه وسلم -:\"القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه\"...

فجدوا..... واستعدوا

جدوا فإن الأمر جد.... وله أعدوا واستعدوا

لا تغفلن فإنما..... آجالكم نفس يُعدُ

 

أيامنا تنصرم.... وأعمارنا تنهدم...

ونحن نقترب من الأجل المكتوب، والوعد المضروب... خطوة في إثر خطوة...

قال - تعالى -:

(قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)

 

أخي.... أختي:

لا تأس على الدنيا وما فيها، فالموت سيفنيك ويفنيها، وستعرف قيمتها عندما تخرج منها - مرغما - لتدفن فيها!

 

فيا لها من ليلة! ويا لها من ساعة! ويا له من مضجع! أي خوف وفزع؟! وأي وحشة وهلع؟!

 

يوم توضع في لحدك لوحدك.... وتضجع في قبرك بمفردك... لا أنيس ولا جليس!

 

أين الأحباب والأصحاب؟؟أين الإخوان والجيران؟؟ أين الزوجة والولدان؟؟

 

لقد أفردوك.... ثم ذهبوا وتركوك.... ولو بقوا ما نفعوك...

 

فمن يؤنس وحشتك؟! ومن يؤمن في القبر روعتك؟!

فأي منظر فظيع؟!وأي مجلس شنيع؟! وأي خطب كبير؟؟؟!!!

 

فأعدوا لها العدة..... وجهزوا لها الزاد....

فإنها ترقبكم على الطريق! وتنتظركم على الأبواب!

قال - تعالى -:(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)..

 

قف بالقبور وقل على ساحاتها...... من منكم المغمور في ظلماتها

ومن المكرم منكم في قعرها...... قد ذاق برد الأمن من روعاتها

لو جاوبوك لأخبروك بألسن...... تصف الحقائق بعد من حالاتها

أما المطيع فنازل في روضة...... يفضي إلى ما شاء من دوحاتها

والمجرم الطاغي بها متقلب...... في حفرة يأوي إلى حياتها

وعقارب تسعى إليه فروحه..... في شدة التعذيب من لدغاتها

 

أيها المغتر بطول مهلته، أما رأيت قط مأخوذا من غير عدة؟؟

إنك لو فكرت في طول عمرك لنسيت ما تقدم من لذاتك..

 

أبالصحة تغترون؟

أم بطول العافية تمرحون؟

أم للموت تأمنون؟

أم على ملك الموت تجترئون؟!

 

إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك، ولا كثرة احتشادك...

 

رحم الله عبدا عمل لساعة الموت....

رحم الله عبدا عمل لما بعد الموت...

رحم الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول الموت...

 

فأين الوجل من الأجل؟!

أين الاستعداد ليوم المعاد؟!

 

لقد دنا الرحيل...... وأزف التحويل....... فما بالنا غافلين؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!

 

قال - تعالى -: ((إن ما توعدون لأت وما أنتم بمعجزين)).........

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply