بسم الله الرحمن الرحيم
تُرى هل يكفي للنجاة في الآخرة، ولاستجلاب النصر في الدنيا، ولنيل ثمرات الإيمان الأخرى _ وما أكثرها - .
تُـرى هل يكفي أن يقول الإنسان بملء فمه صباح مساء: أنا مسلم..!
ثم هو في سلوكيات حياته أبعد ما يكون عن تعاليم الإسلام وهديه.!؟..
اللسان مسلم، ولكن العمل في دنيا الواقع لا يترجم ذلك الادعاء..
المرأة _ مثلاً _ التي تردد كل حين بأنها مسلمة، وتردد _ كل حين _ أنها تحب الله - عز وجل - وتخشاه، وترغب في نيل جنته، ثم هي لا تبالي بعد ذلك أن ترمي تعاليم الله - عز وجل - وراء ظهرها،
وتقبل في لهفة وعلى عجل وفي حرص وشوق، على موضات شياطين الإنس، تطير إليها، وتحرص عليها، وتلتزم بها، وتنافس عليها وتهواها وتشغف بها، وتتطلع دوماً إليها، تُرى ماذا بقي من حقيقة الإسلام في قلبها؟؟!
إنها تسمع الله – سبحانه - يأمرها بالتحلّي بثياب معينة محددة، صفتها كذا وكذا، غير أنها ترفض ذلك، بل وقد نجدها تسخر وتستهزئ، وتذهب شططاً في اختيار ملابس مناقضة تماماً لِما طلب الله منها، واختاره لها..!!
كأنما هي تعانده _ سبحانه وتعالى عما يفترون _.
.تٌـرى ماذا بقي لمثل هذه المرأة من لب الإسلام؟؟!
ألاَ ما أسهل الدعاوى، وما أصعب وأشق العمل لها، والالتزام بها..!
- - -
كذلك قل في سلوكيات كثير من الرجال، وإعراضهم عما طُلب منهم، وإقبالهم على ما يغضب الله عليهم، عامدين متعمدين، والأمثلة على ذلك كثيرة، أشهرها مسألة التعامل بالربا، التي حذّر الله منها أشد التحذير وأبلغه..
فقال مٌهدداً المُصرين على التعامل بالربا ((فأذنوا بحرب من الله ورسوله)).
ورغم أنهم يسمعون إعلان حالة الحرب هذه، تجدهم لا يبالون ولا يكترثون، بل ما أكثر ما يتفلسفون، ليضحكوا على أنفسهم..
أو ليجعلوا أنفسهم أُضحوكة للشيطان…!!
- - -
إنّ الإسلام في حقيقته وجوهره ولبه لا معنى له إلاّ الاستسلام المطلق لله - سبحانه وتعالى - ((إذ قال له ربه: أسلم. قال: أسلمت لله رب العالمين)).
وفي آية أُخرى يوضح معنى قوله: أسلمت لله رب العالمين..
((قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين))..
ومن ثـَمّ فحياة المسلم كلها يصح أن يقال بأنها (وقف) لله سبحانه، (وقف)!!
هو الذي يختار لها ما يختار، ولا يسع المسلم الحق إلاّ أن يبادر للتنفيذ والالتزام.. وفي سبيل ذلك:
لا بأس عنده أن يدوس على أهواء نفسه الأمّارة، بلا مناقشة ولا تسويف، ولا تلكؤ، ولا تردد. بل في رضى وفرح وانشراح..
وفي ثقة عميقة جازمة حازمة، بأن اختيار الله: هو الأفضل، والأحلى، والأرقى، والأكمل، والأقوم، والأحسن، والأصح، والأصلح..
وفي الحديث الشريف: [لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لِما جئت به].
لاحظ كلمة (هواه) وكيف أنه يفترض في المسلم الحق أن يدوس على هذا الهوى في اللحظة التي يعارض فيها حكماً من أحكام الله - سبحانه وتعالى - ..
- - -
أما الذين لا يفعلون ذلك.. أما هؤلاء..
فإنهم قد آثروا أن يجعلوا الهوى إلهاً، يعبدونه من دون الله رب العالمين، كما قال - عز وجل -:((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه؟؟!))…!!
إنّ شأن المسلم مع الله – سبحانه - كشأن إسماعيل مع أبيه _ عليهما السلام _ ولله المثل الأعلى _ قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى؟
فماذا كان موقف هذا الغلام المطيع الأديب؟؟
قال ببساطة وفي رضى وبانشراح: افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين..
هكذا في طاعة كاملة وتسليم تام، وبلا فلسفة خائبة، ولا مماحكة أو جدال..
بل إنّ شأن المسلم الحق في استجابته لله – سبحانه - ينبغي أن تكون أقوى وأسرع من استجابة هذا الغلام لأبيه: طاعة تامة، وأدب جمّ، واستسلام محض، وعبودية حقيقية..
بذلك ينال الدرجات العلى عند الله – تعالى -:
أدبُ العبيــد تــذلـلٌ *** والعبــدُ لا يــدعُ الأدب
فإذا تكــاملَ ذلّــهُ *** نــالَ المــودّةَ واقــترب
تلك هي حقيقة الإسلام وجوهره..
وذلك هو المظهر الأجلى والأحلى لمعنى العبودية الحقة لله رب العالمين..
وإلاّ فحين يعارض العبد سيده فيما يأمره وينهاه، فهل يكون إلاّ عبد سوء ركبته الحماقة من مفرق رأسه حتى أخمص قدمه..!!
والآن لتستقر هذه الحقيقة جيداً في قلبك:
اقرأ سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبل وسيرة الصحابة _ رجالاً ونساء _ لترى سرعة المبادرة إلى تنفيذ ما يطلبه الله منهم.. بلا توقف ولا تلجلج..
بل إنك تجدهم يطيرون خفافاً في فرح وسرور لأنهم سيكونون بذلك في زيادة قرب من ربهم جل جلاله..
ولهذا صنع الله على أيديهم ما صنع من عجائب تدير رأس الباحث في سيرتهم..
رجالٌ همومهم بالله قد علقت *** فما لهم هممٌ تسمو إلى أحدِ..
نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يحقق قلوبنا بحقيقة الاستسلام له - جل جلاله - .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد