سأعصي ربي ادعوا لي بالتوفيق


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 \"اعتدنـــــــا دائمـــــــا أن نطلـــــب التوفيــــق من ربنـــــــا فـــــي دراستنا.. في عملنا.. في حياتنا الأسرية... لكن ندعــــــوه بــــأن يوفقنا في معصيتـــــه.. !! فهذه هي الطامـــــــــة مستغربون أليــــــــس كذلك ولما هذا الاستغراب.. فأنتم دائما تستمعون.. إلى هذه الفئة من البشر التي تدعوا الله بأن يوفقها في معصيتها له.. بل اعتدنا عليها و اعتاد عليها أبناؤنا وأطفالنا ويالها من كارثـــــــة...

 

والآن دعوني أروي لكم سر غضبي... لعلكم تشعرون بما أشعر به الآن.. وقصتي هذه حدثت مع طفله صغيرة.. لم تتعدى بالعمر عشر سنوات

هي ابنة أخي فاطمة.. وهي كجميع الأطفال في سنها تحاول أن تتعلم بقدر الإمكان ممن حولها.. وتقلد كل ما يحدث أمامها.... وتسأل عن كل شيئ

 

وإليــــــكم ما حدث معي...: -

كنت منكبة على كتابي أقرأه... عندما دخلت فاطمة غرفتي ووقفت أمامي.. نظرت إليها مبتسمــــة.. وطلبـــــت منها أن تجلس بقربـــــي كعادتهـــــا معـــــي لأريها ما أقــــرأ.. فأنا أعلم جيدا بأنها فضولية جدا.. وتسأل وتطلب الشرح لكل ما يجري حولها..

 

لكنهـــــا لـــــــم تأتـــــــى.. !!

 

فعدت طلبي لعلهـــــا لم تنتبه لـــــي... لكن أيضا لم تأتــــى..!!!

 

كان وجهها البريء متضايق.. بل أراها وكأنها غاضبــــــة مني أنا.. سألتها \"ما بالك يـــــا صغيرتي.. ؟؟؟ \"

 

\"\"أنت كذبتــــي علـــــي؟؟ \"\"

 

قالتها وهي تقطع حديثي معها بعصبية.. ووسط بحر الدهشة الذي اعتراني.. وأنا أحاول أن أستفهم سر غضبها وسر اتهامها لي بالكذب.. فهي لم تجرأ في السابق أن تتهمني هكذا...

 

تركت كتابي.. واقتربت منها وحملتها بين أذرعي.. وجلست على إحدى الكراسي.. ووضعتها بحضني.. محاولةً أن أهديء من ثورتها وغصبها...

 

في البداية لم أعاتبها على اتهامها لي بالكذب.. وأنه لا يجوز على طفله أن تتهم من هم أكبر منها بالكذب.. تغاضيت عن ذلك مؤقتا إلى أن أعرف سر غضبها.. فأعالجه.... و بعد ذلك أشعرها بمدى الخطأ الذي ارتكبته عندما اتهمتني بالكذب.... لأنها في وقتها ستكون بحاله تتقبل أن انتقدها على هذا خطأها

 

سألتها \" اتهمتيني بالكذب.. أي أني قلت لك شيئا غير صحيح... فهل لي أن اعرف بماذا كذبت عليك..؟؟ \"

 

وببراءة وبصوت يحتوي على الاستنكار.. \"كيف تقولين أن كل من يزاول الفن والرقص حرام.. وأن الله لن يوفقهم الله في الدنيا وسيعذبهم وسيدخلهم النار إن استمروا على ذلك ولم يتوبوا.. وأنا سمعت بالتلفاز بأن الفنانة والراقصة الكبيرة (... ) عندما سألوها عن سبب نجاحها في الفن عامه والرقص خاصة.. أجابت إنه توفيق من رب العالمين.. وأن الله كان دائما معها بكل خطوه يخطوها... كيف الله يوفق العاصي؟؟ \"

 

بصراحــــة تفاجـــــــأت.. كيف لي أن اقنع فتــــاه صغيــــــره.. ربما لو كان فردا كبيره لكان الأمر هين في مناقشته وإقناعه.. لكنها طفلـــــــــــــه..

 

لكني تذكرت بأن فاطمة تسبق من حولها بأعوام.. ويعود الفضل إلى حبها للقراءة الدائم فقد كانت دائم تلازمني في ذهابي إلي المكتبة.. لتشتري ما يعجبها من الكتب.. وأيضا وبحكم عمل والدتها كمدرسه فكانت أمها لا تتهاون أن تعلم ابنتها شتى العلوم المختلفة.. إلى أن أصبح عقلها أكبر من سنها بكثير.. ومكتبتها تحوي من الكتب التي تفوق سنها.. لذا اعتدت أن أعاملها بحكم عقلها الكبير لا سنها الصغير

 

نعم هي تعصي الله... وتقولها أمام الملأ بأنها سبب نجاح معصيتها هو توفيق من رب العالمين... كثيرا ما نسمع الفنانين والمغنيين... يقولون هذا.. وربما لم نعلق ولم نهتم.. كيف لله أن يوفق في معصية...؟؟ أحاديث أخذ تدور في رأسي لأجد مدخل أستطيع من خلاله أن أدخل به إلي عقل هذه المسلمـــــة الصغيـــــرة

 

فكــــان هذا هو حديثي معها.. : -

غاليتـــــي... إن الله لا يوفقنا عندما نعصيه.. لكنه يسهل الأمر علينا.. فنفعل المعصية دون مشقه.. ويضع لنا كل سبل النجاح.. ونحن من نسعى إليها... فالله وضع لنا طريقين... الطريق الأول يؤدي إلى النار... والطريق الثاني يؤدي إلى الجنة

وكلا الطريقين مختلف جـــدا...

 

الطريق الأول

فهو طريق سهل جدا وممتع.. به من السعاده الزائفة الشيء الكثير.. وهذه السعادة لا تأتى إلا بمصادقة أصدقاء السوء.. وترك العبادات وعمل المعاصي كاحتراف الفن والرقص.. أو السرقة.. والكذب.. أو كسب المال بطريقة غير شرعيه ومحرمه.... الخ هذه الأمور المحرمه التي نبهنا الله بتركها فطيلة الوقت أنت مستمتعة.. ناجحة... متألقة.. الكل يحسدك على ما وصلتي إليه.. سواء من مال.. أو شهره... أو سمعه.. أو مركز... أو هيبة... أو أو.. لاهية عن ربك.. عن صلاتك وعبادتك.. لتفاجئين في نهاية هذا الطريق وهو يوم القيامة.. النــــــــــــــار تنتظرك.. فتعيشين بها الدهر كله تتعذبين وتشقين لأنكي عصيت الله - سبحانه - على حساب ترضية نفسك.. فإِنّ الغفلة عن العبادات و الآيات الإِلهية والانغماس في الملذات هي أساس البعد عن الله - سبحانه -.. والابتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية و تلوّث الأعمال وفسد السلوك في أنماط الحياة المختلفة.. ولا تكون عاقبة ذلك إِلاّ النّار... وقد قال الله - تعالى - ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو الد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المها))

 

أما الطريق الثانــــــي: -

طريق صعب بعض الشيء.. تقضين وقتك بين الصلاة والعبادة.. والزكاة.. والبر وطاعة الوالدين.. ومراعية الجار... والعطف على اليتيم... وقراءة القرآن... والتمسك بتعاليم دينك... الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ربما ليس لديكي تلك الشهر أو المال أو المركز أو كل زيف الدنيا.. ولكن لديكي من القناعة ما تغنيك عن كل هذا.. لعلمك بأنه الجنة تنتظرك بما فيها من نعيم لا يوازي نعيم الدنيا بشيء.. وأيضا ذلك الطريق حفظك أنت يا مسلمه من العيون المتوحشة.. فألزمنا بالحجاب والتستر.. وكأننا كنز غالي لا يجب على الكل النظر إليه

 

لـــــــذا يـــــــا حبيبتــــــي :

فطريقك الأول طيلة الوقت تكونين خائفة من الموت.. فأنت تعلمين ما ينتظرك.. ((فالخوف هو صديقك.. والموت هو عدوك))..

 

أما الطريق الثاني طيلة الوقت تكونين مطمئنة راضيه تنظرين الموت بفارغ الصبر بل تسعين إليه بالشهادة كي تنعمي بجوار الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالجنة ونعيمها... ((فالطمأنينة صديقك والموت أيضا مطلبك)).. وحبذا لو كانت في الجهاد فهو منية النفس وغايتها

 

وقد قال الله - تعالى -: ((إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَوةِ الدٌّنيَا وَاطمَأَنٌّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُم عَن أَيَاتِنَا غَفِلُونَ - أُولئِكَ مَأوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكسِبُون َ- إِنَّ الَّذِينَ أَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ يَهدِيهِم رَبٌّهُم بِإِيمَانِهِم تَجرِى مِن تَحتِهِمُ الأَنهَرُ فىِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - دَعوَاهُم فِيَهَا سُبحَنَك اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَمٌ وَآخِرُ دَعوَاهُم أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ))

 

والآن يا طفلتي.. أي الطريقين ستسلكين... ؟؟

وباندفاع كبير احتضنتني وقالت \"الطريق الثاني بلا شك يا عمتي.. لأني أحب أن أكون بجانب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -... وأيضا لأنه نفس الطريق التي تسلكه أمي وأبي وجدتي.. وأنت.. وكل من أحبهم.. \"\"

 

وقبل أن أحدثها عن خطأها بنعتي بصفة الكاذبة.. أجدها قد وقفت أمامي وهي تحني رأسها بالأرض وبعد لحظات من الصمت... قبلت رأسي واعتذرت مني لأنها اتهمتني بالكذب...

 

وأظن أنها تعلم بأني سأحاسبها على ذلك.. لذا حرصت هي أن تقفل موضوع تأنيبي لها قبل أن أبدأه أنا.. نعـــــم فهذا هو أسلوب أبيها وقـــــد تعلمتـــه منه.. فابتسمت لسرعة فطنتها... وتركتني وذهبت دون أن تنتظر تعليقـــــي.. وكأن ابتسامتي لها.. موافقة على اعتذارها.. فهي تعلم جيدا إن بقيت للحظات أخرى.. لن تستلم أبدا من محاسبتي  .

 

الطفولة... أرض خصبة.. يجب علينا الاهتمام بها.. هذا الموقف جعلني أقف مع نفسي كثيرا.. يجب علينا التركيز بأطفالنا.. فهم يتعرضون لأمور يجب علينا شرحها.. قبل أن تتركز في أذهانهم.. وتكون شيئا عاديا... علينا الاهتمام بمسلمين ومسلمات الغد... علينا نجد في عالمهم ما نفتقده في عالمنا... فانتبهوا لأبنائكم... فنحن وديننا في أمس الحاجة لهم انظـــــروا حولكم تمعنوا النظــــــر جيدا.. كيف وصل بنا الحال من الاستهانة في فعل المعاصي... كفانــــا ما نحمـــــــل من ذنوب.. فرحمة الله لا تعني أن نتمادى في هذه الغفلة.. مسلماتنا كاسيات عاريات..مسلمينا..لاغيرة ولا حرص أسال الله أن يحفظ أطفال المسلمين \"

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply