أنا أم أنتِ


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

أسطر لكما هذه الرسالة بدموعي التي أحرقت أجفاني وأنتما السبب يا مهجة قلبي..

 

وأنتما لا تشعران بذلك، فالذي يكوي لا يحس بالألم والذي لا يكوي يحترق جوفه ولا أحد يحس به..

 

والدي… والدتي… وكل فتاة تسمعني هذه قصتي، بل مأساتي أقصها لتكون عبرة وعظة، فالسعيد من أتعظ بغيره.

 

تخرجت من معهد المعلمات. ومن الله علي بوظيفة تدر علي مالا يسيل له لعاب كل طامع… قدرا وتزوجت بشاب وجدت فيه ما تريده كل فتاه من زوجها، صار عونا لي على هذه الوظيفة، فأعفاني من أعمال المنزل المختلفة لأتفرغ للعمل دون عناء ومشقة.. ثم هيأ لي المناخ الظروف، فأكملت الدراسة الجامعية.. وعموما مهما قلت ومهما ذكرت من أوصافه فسأتهم أني أمتدح زوجي..

 

وصلت سفينة زواجي بالاستقرار على شاطئ الحب والحنان المتبادل، فكان نتيجة هذا الزواج ولدا وبنتا ملاءا علينا دنيانا ضياء وإشراقا فحاولنا أن نعلمهما الأدب الجم الرفيع لنتذكر بهما طفولتنا البريئة فما أجمل أن يعيش المرء في سعادة وهناء ونعمة.. ولكن حال الدنيا لا تستقر، فهي كموج البحر لا يعلم متى يفترس السفينة فيقلبها ويبعثر ما فيها ويغرق أهلها.. فلم أكن أعلم أن أمواج البحر تترصد لقاربي الصغير وتفترسه وتمزق أوصاله، إلا يوم أن ولجنا بحر الطمع والحسد والعناد، فهذه صخور تكسرت عليها مجاديف مركبي الصغير..

 

فكيف عشت بجنتي الصغيرة هادئة مع زوجي وطفلي وكيف خرجت وحيدة مشردة أستجدي العطف والشفقة لأزرعها في عيني طفلي اللذان يسألان عن سبب هذا الضياع وهذا الحزن العميق في عيني…….

 

فهذه قصتي ومأساتي باختصار لعلها توقظ نائمة أو تدل حائرة، وهي في الوقت ذاته جرس إنذار للأباء والأمهات الذي يهدمون من حيث لا يشعرون بيوت بناتهم أو أبنائهم بتدخلهم في كل صغيرة وكبيرة بين الأبناء وزوجاتهم والبنات وأزواجهن، فهذه قصتي أسوقها لعل أمي وأبي وأخوتي وأخواتي يسمعونها.

 

أقول: لقد تعودت نفسي وألفت قلة العمل في المنزل، فكل ذلك كان يعمل بالنيابة عني، حتي الطعام كان زوجي يحضره من الخارج، وأناملي لم تترطب يوما من جراء الغسيل فنسيت ما كنت تعلمته في بيت الأهل.. لأن زوجي وفر كل ما أريده وليته لم يفعل، فمرت الأيام سريعة وأنا بجنة أتمني أن لا تزول..

 

في يوم من الأيام فاتحني زوجي عن المستقبل، فقلت: وماذا أريد أنا من المستقبل، وقد من الله علي بزوج مثلك؟ فقال: الدنيا لا تأمن فواجعها، فلو أنك استثمرت جزءا من مالك وراتبك في شيء تدخرينه للمستقبل.. فوافقت على الفكرة فاستقر رأينا على شراء منزل نستثمره لنا ولأبنائنا من بعدنا فبذل أهلي وزوجي جهدا كبيرا.. وتم شراء منزل، ففرحنا به كثيرا، ولم أشعر أن هذا المنزل سيكون الصخرة التي يحطم عليها استقراري والموجة التي كان بها غرق مركبي ومعول هدم لحياتي الزوجية: والسبب في ذلك أن الأهل بدءوا يوغرون صدري ضد زوجي فزرعوا الشك في نفسي بأنه يريد أن يأخذ مالي، ويستحوذ على بيتي، وأنه يجب أن يكتب البيت باسم أبي، فرفض زوجي بحجة أنه يجب أن يكون باسمي ولا مانع من أن يستفيد منه أهلي بالسكن فيه، فنشب الصراع والعناد المبطن بالطمع فصرت كريشة ضعيفة تلعب بها الريح يمينا وشمالا، ومع الأسف صدقت رواية أهلي بأن زوجي يريد الاستيلاء على مالي لأن تيار الضعف ونسيان الجميل والمعروف جرفني، ولم أتفطن أن زوجي لو كان يريد أن يستولي على مالي لفعل منذ زمن بعيد، فقد كنت أسلمه راتبي ولم أفقد منه شيئا، ولكن مع الأسف نسيت في لجة هذا الصراع هذه الحقيقة فغابت عني العواقب فدخلت المعركة في صف أهلي ضد زوجي وبيتي وأطفالي واستقراري، ونفث الشيطان سمة فأعمي الأبصار والقلوب، فطعنت زوجي بخنجر الطلاق وطلبت منه الفراق، فكيف هان كل شيء جميل مضي، كيف نسيت ذلك الحب والحنان المتدفق، كيف نسيت ولدي وابنتي فهما الذكرى لطفولتي، وأوغلت في التحدي والعناد وبتحريض من أهلي لجأت إلي المحكمة، وكأني أريد أن أرغمه على فراقي بالقوة، وهو الحنون الرفيق.

 

وارتكبت في سبيل ذلك الفراق أشياء لم تخطر على بال… فكنت أغاضب زوجي وأنا قد أدرت جهاز التسجيل لأقتنص منه كلمة تدينه حال غضبه لتكون سكينا في خاصرته لإرغامه على الطلاق، فكيف سولت لي نفسي ذلك فتم لي ما أردت، فكيف مزقت لحمي بيدي؟ وكيف هدمت بيتي بمعولي… طلقني زوجي…. وكتب البيت باسم أهلي.. فأفقت من صدمتي بعد حين وإذا بي في صحراء لوحدي… بدون زوج… بدون أطفال… بدون بيت، فصرت في بيت أهلي كضيفة ينتظر منها أن ترحل في أقرب وقت، فجلست أتجرع مرارة الألم والحرمان في واد تصفر فيه الريح…

 

فيا تري ما هو السبب؟؟؟؟

 

أهو زوجي الذي دللني وغمرني بالحب والحنان، وتغاضى عن تقصيري، فأفسد طبعي.

 

أم هو ضعفي وجبني وانهزامي وانسياقي وراء أهلي متناسية العواقب،

 

أم هي والدتي التي ألغت عقلي وشلت تفكيري، ففكرت بالنيابة عني، بتدخلها بكل صغيرة وكبيرة في حياتي، فجعلتني كرقم على الهامش لا قيمة له.

 

أم هو أخي الذي أحرق كل أخضر ويابس في حياتي.

 

أم هم الأقارب الذين اكتفوا بدور المتفرج في هذه المأساة ولم يتدخلوا لإنقاذ هذه السفينة من الغرق والتحطم على صخور الطمع والعناد والحسد.

 

فأنا الآن أتجرع مرارة الألم والندم بعدما فات الأوان..

 

فهذه قصتي ومأساتي لمن أراد أن يعتبر..

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply