فنانة الزجاج الكندية ورحلة النور


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله نبدأ وعلى هدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - نسير {وَمَن لَّم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ,}..منذ بزوغ فجر الإسلام، وقوافل النور تسير في طريقها إلى الله قافلة إثر قافلة، لم تتوقف القوافل ولم يتوقف معها النور الدفاق البالغ بالإسلام إلى الآفاق، حتى لن يبقى بيت وبر ولا مدر إلا ويدخله نور الله - تعالى -.

ومع سير قوافل النور نرى أمثلة فذّة، ونبضات أكثر إشراقاً عبر تاريخ الأمة، من أول هذه النبضات التي لازالت حية بيننا بأفعالها سابق الفرس سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وأرضاه الذي بحث عن الله، في رحلة طويلة شاقة، ولكنها مليئة بالنور، من المجوسية إلى المسيحية إلى الإسلام، فكان بحقٍّ, من أكبر الروّاد الدينيين في القرن السادس الميلادي..

وعلى نفس الدرب، أخذت (أمة الله) دورها في قافلة النور، ولكنّها جاءت في قرننا هذا فيما بعد الألفين الميلادية، لتجدّد للأذهان ذكريات سلمان وأدرابه من طلاّب الحق عبر التاريخ الإنساني.

 

تقول عن نفسها وعن رحلتها إلى النور:

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان وبيّن لنا الطريق الصحيح لعبادته،

السلام عليكم و- رحمه الله - وبركاته:

أختكم أمَة الله، كندية مسلمة وأشتغل بفن الزجاج الملون (تلوين الزجاج).

بدأت رحلتي مع الإسلام منذ سنتين أو أكثر قليلاً وبالتحديد في إحدى ليالي فبراير عام 2003 م، عندما كنت بمفردي بمنزلي، جال في ذهني حديث النفس عن الجنة والنار ومثوى الإنسان ورحلته في الدنيا، ومأواه في نهاية الأمر، وقد فكرت أنه من المحتمل أن يعيش الإنسان قليلاً، لذا فعليه أن يقدم لآخرته، لذا على الإنسان أن يعطي ما يملك من طاقة الخير للآخرين، كما أنه عليه أن يعبد الله الإله الخالق، بدأت أبكي وأصلي صلواتي المسيحية ودعوت الله أن يوفقني في أن (أخدمه)، فيما يتبقى من عمري، فعزمت من تلك اللحظة أن أكون مسيحية صالحة، وفكّرت في دراسة الإنجيل، ومد صلتي أكثر بالكنيسة. ثم وبعد بكاء طويل وإحساس بالقرب من الله ذهبت لفراشي.

 

وبعد هذه الحادثة بيومين دق جرس الباب (ولم أكن سمعت عن الإسلام بعد ولكن كنت أسمع عن المسلمين ولم أقابل مسلم أو مسلمة من قبل)... رأيت أمامي امرأة مسلمة ترتدي الحجاب، واعتقدت أن هذه الملابس من عادات وتقاليد مجتمعها وثقافته، وقد طلبت زجاجاً ملوّناً بتصميمات إسلامية. فكنت بحاجة لمعرفة التصميمات الإسلامية ولذلك بحثت عنها في الإنترنت.

وعندما كتبت كلمة الإسلام في مؤشر البحث ظهر لي عدة مواقع فبدأت أقرأ عن الإسلام ونسيت التصميمات!! وبدأت أبحث أكثر وأتعلّم، وأحسست أنه الدين الصحيح، وآمنت بأن هناك إله واحد (الله)، ولكني لم أكن أسمع من قبل عن رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -. شعرت بمتعة جارفة وسعادة غامرة، ورغبة في قراءة المزيد ولم أستطع التوقّف.

وعلى الفور اشتريت العديد من الكتب ونسخة من القرآن الكريم وترجمات له، وقد قربني ما قرأت من الإسلام ولله الحمد.

وما مر شهر مايو من نفس العام إلا وكنت قد اتصلت بأحد المساجد، ومع بعض الخوف ذهبت وأشهرت إسلامي ونطقت بشهادة الحق، وقد قابلتني هناك إحدى الدعاة وأعطتني تفسير الجزء الثلاثين من القرآن وكتاب لشرح العقيدة الإسلامية، وخرجت من المسجد وكأنني خلقت من جديد، مسلمة بلا أي خطايا أو ذنوب فهي فرصة أن أعيش على طاعة الله وأن أعبده حسن عبادته.. فيا لروعة الوصول إلى الحق ويا لعظمة هذا الدين!

ومنذ الوهلة الأولى لدخولي في الإسلام، شعرت بأنني تحملت تبعات جديدة ومسئوليات عظيمة نحو نفسي أولاً، ونحو غيري ثانياً لإنقاذهم من غياهب الظلمات (وهذه رسالة مني لفتيات الإسلام: أين أنتن من التطبيق الصحيح للإسلام والدعوة المتفانية إلى الله تعالى).

بدأت أتعرّف على فرائض الإسلام، فبدأت أتعلم الوضوء والطهارة والصلاة والحجاب الشرعي للمرأة المسلمة، وواظبت على الصلاة منذ دخولي الإسلام ولله الحمد والمنة.

كنت أعيش بمدينة صغيرة ولذلك عندما بدأت الخروج وأنا أرتدي الحجاب كنت أجذب انتباه الآخرين (وأتذكّر أنني كنت أرتديه و بعض شعر رأسي ظاهراً وكنت أضع بعض أحمر الشفاه)

في البداية انتابني الخوف من كلام الناس في مدينتي، وعندما عدت إلى المنزل: فتحت كتاب (التعاليم والعقيدة الإسلامية)، وقرأت: أن الإنسان عليه ألا يخاف إلا الله - سبحانه وتعالى -. وعندما قرأت ذلك غمرتني السعادة لأنني عرفت أنه يجب على أن أخاف الله وحده رب العالمين ولا أخاف لومة أحد من الناس، ومن هذه اللحظة ارتديت الحجاب كاملاً بالنقاب.

ورغم أن الحياة في مدينة صغيرة ليس بها الكثير من المسلمين، مرتدية النقاب يعتبر صعباً جداً، ويحتاج إلى كفاح، ولكن ولله الحمد استطعت القيام بذلك، لأنني أصبحت لا أهتم ببعض التعليقات السخيفة التي تسخر مني.

فالحمد لله الذي اختارني وأعانني على أن أكون أمَة له، وأن أمثّل دينه الحنيف الإسلام.

ومع شعوري بأنني أصبحت أمثّل الإسلام في قريتي، ازدادت المسؤوليات، وقد أمضيت وقتاً كثيراً في الدراسة، وفي آخر شهر يوليو التقيت مع مجموعة من الأخوات بناءً على دعوة تلقّيتها من الأخت التي قد قابلتها بالمسجد يوم نطقي بالشهادةº حيث أرسلت لي دعوة عبر البريد الإلكتروني لحضور مناسبة إسلامية. وقد حضرت والتقيت بأخت كانت في غاية الكرم، ووجّهت لي الدعوة لحضور بعض الاجتماعات الإسلامية بصحبتها.

وبالفعل ذهبت واستمتعت كثيراً بتلك الاجتماعات، ولكن وجدت أن هذه ليست هي الطريقة المثلي لتعلم الدين الإسلامي.

بدأت أسأل عن طلب العلم حتى وجدت عالماً من كبار المعلمين يدرِّس الشريعة، فانتظمت في الدراسة والحضور أكثر من عام حتى الآن (فدراسة الشريعة هي الأكثر أهمية بالنسبة لي).

فتعلّمت عقيدتي عن طريق الأدلة النصّية الصحيحة، ولولا ذلك لوقعت في البدع، مثلي مثل كثير من المسلمين الذين التقيت بهم بالرغم من سلامة طويّتهم ووجود نية المساعدة، إلا أن هناك من كانوا يعلمونني الإسلام طبقاً لثقافتهم هُم، على ما فيها من بدع وأخطاء منتشرة بين أبناء المسلمين، لذا أنصح المسلمين في بقاع الأرض بتصحيح عقيدتهم أولاً لنشر دينهم بطريقة صحيحة، فمن فقد منهم هذا الجانب، فبالأحرى سينشر الإسلام مشوّهاًº لأن فاقد الشيء لا يعطيه. أدرس العربية، وحفظت بعض سور القرآن، وأتعلّم الآن التجويد ولله الحمد والمنة، وإن كان تعلم اللغة العربية أصعب شيء يقابلني.

وبناء على إيماني بالمسئولية نحو نشر الإسلام وأن هذا فرض علي، بدأت بالدعوة عن طريق خلقي وأفعالي حيث تطوّعت بملجأ للمشردين بتورنتو التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة عن بيتي، حيث أنني المسلمة الوحيدة المتطوّعة في هذا المشروع، والحقيقة أن جميع المتطوعين هناك يرحّبون بي، وقد أتاح لي تميّزي وارتدائي النقاب الفرصة لتوضيح سبب ارتدائي النقاب وأيضاً توضيح وحدانية الله - تعالى -والتحدث عن خاتم الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم -..

يعلم الله كم أصبحت سعيدة لنشر تعاليم الإسلام من خلال أفعالي الطيبة تجاه المحتاجين، والذي أثمر ولله الحمد عن ثمرات طيبةº فأحد النزلاء بالملجأ ويبلغ من العمر 80 عاماً، قد اهتم بالإسلام وحضر معي إلى المسجد ثلاث مرات، وقد دخل آخر في الإسلام، وأصبح الكثير من النزلاء يعرفون الإسلام جيداً، بعد ما كانوا لا يعرفون عنه شيئاً، فبأشياء بسيطة جداً أستطيع أن أنشر الإسلام وسط المحتاجين من أمثال نزلاء الملجأº من خلال العطف، وجود النفس بالمستلزمات البسيطة كالبطّانيات أو الطعام أو قليل المال، حتى دخل رجل ثاني في الإسلام بعد أن سأل عن تعاليمه، حيث أذكّر دائماً تعاليم الإسلام للمحتاجين فور مساعدتي إياهم، ومن هنا بدأ يساعدني بعض الأخوات في هذا العمل الخيري بالإضافي إلى من أسلم من أبنائي.

وفي الحقيقة أن الله - تعالى -منَّ علي وأكرمني بدعوة أهلي للإسلام، حيث أني منفصلة عن زوجي، وقد نجحت في دعوة من معي من أبنائي في دخول الإسلام. فالآن ولله الحمد ابني البالغ من العمر 14 عام قد نطق الشهادة، ما شاء الله وابنتي الصغرى تصلّي معنا، وسوف ترتدي الحجاب إن شاء الله...

وتبلغ سعادتي منتهاها عندما نصلي نحن الثلاثة معاً ونعبد الله سوياً . والآن ابنتي الكبرى لم تعتنق الإسلام بعد، ولكن إن شاء الله سوف تعتنقه في يوم من الأيام. وكانت دائماً ما تقول أنها مسيحية، أما الآن فهي تقول أنها ليست كما كانت من ذي قبل، وأنها الآن تؤمن بوحدانية الله وبخاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولي ولد يعيش مع والده وهو رافض اعتناق الإسلام، ولكن إن شاء الله سوف يسلم.

ودائماً ما أدعو له وللآخرين بأن يهديهم الله.

أما عن والدي فله قصة أخرى أريد أن أنهي بها حواري هذا..

فوالدي أيضاً اعتنق الإسلام في آخر شهر يوليو، وكان من أكثر من عرفت تديّناً وحياءً فكان يعبد الإله طوال حياته، ولكنه كان مشوّش الفكر، وهو أيضاً لم يكن يعرف أي شيء عن الإسلام ولا عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، وقد وفّقه الله وهداه للإسلام ونطق الشهادة. وبعد عدة أيام ذهبت معه إلى الطبيب لنكتشف أنه مصاب بمرض سرطان الدم، وبحلول يوم الأحد أصبح والدي مريضاً جداً ونُقل إلى المستشفي وتوفّي بعد 13 يوم.

الحمد لله توفّي بشكل طيب - أحسبه إن شاء الله من حسن الخاتمة - فقد كان لا يستطيع الكلام ولكنه كان يداوم على التسبيح والتلفـّظ بالشهادة، وكنت دائماً بجانبه، وعشت معه في غرفته، وكنت مداومة على تشغيل القرآن الكريم وقراءة القرآن له، وفي حين لفظه أنفاسه الأخيرة كان في ذكر الله وتوفي عليه... فلله الحمد أن أنقذه على يدي من النار.

وفي النهاية فكل منّا مسئول عن نفسه وعن الآخرين، وعن دين الله - عز وجل -، فعلينا أن ننشر دين الله - تعالى -، وعلينا الهجرة إلى الله، ونحن عالمين بأننا لسنا ملائكة ولا دون ذنب وإنما نعترف لله بالذنب ونسأله المغفرة، فأنا أعلم أنني اليوم لست كيوم دخلت الإسلام، حيث كنت يومها بلا ذنب كمن ولد من جديد، ولكنني أسأل الله المغفرة، وأن يوفّقني للعمل بخدمة الإسلام حتى ألقاه وهو راضٍ, عني غير غضبان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أختكم خادمة الإسلام (أمة الله)

 

هذه رسالة من مسلمة جديدة تبثها ليس من قلبها وإنما بقلبها وفعلها ولسانها قائلة لكل مسلم: هذا الدين أمانة في يدك، وهناك من ينتظر أن يصله هذا الدين، فبادر بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بادر بخدمة الإسلام، بادر بنشر دين الله الصحيح، بادر بالدعوةº بفعلك وسلوكك، وبادر بتصحيح معتقدك حتى لا تكون أفعالك دعوة سلبية وحجة عليك لا لك، وعلى كل متكاسل أن يقف مع نفسه وقفة وهو يقرأ قصة هذه المرأة العظيمة.

 

أحبّتنا في الله: هذه المرأة اعتمدت في دعوتها ليس على لسانها فقط - كما يفعل الكثير من الدعاة -، ولكن اعتمدت على أعمالها الصالحة وسلوكها الإسلامي السليم، وهذا ما ينقصنا الآن..

العمل ثم العمل.. تخيّل أنه بأعمالنا الصالحة وتقديمنا النموذج الإسلامي العملي كم يمكننا أن ننقذ من نصارى العرب والعالم، بل كم يمكننا أن ننقذ من شباب مسلم بالبطاقة فقط، فاقد للقدوة.. فلنكن نحن القدوة ولنقدم للعالم خلق الإسلام ناطقاً في سلوكنا وأعمالنا.

 

كما نسأل القرّاء كما استفادوا من قصة أختنا، - حفظها الله - وأكثر من مثيلاتها، أن لا ينسوها من صالح دعائهم لها بالتثبيت.

ملحوظة: القصة حقيقية مترجمة عن صاحبتها، وناقلها عن صاحبتها هو أحد مشرفي إذاعة طريق الإسلام، وبيانات هذه السيدة العظيمة - حفظها الله - هي:

الاسم: أمة الله -حالياً-.

الجنسية والإقامة: كندا

السن: 43

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply