أمل الصومالي : في التحرش المسكوت أكبر من المكشوف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هناك الكثير من الدراسات التي تناولت هذه القضية بالبحث والاستقصاء العميق

عدت باحثة سعودية في علم الاجتماع قضية التحرّش بالمحارم من أعقد القضايا التي تواجهها المجتمعاتº كونها تحدث في الخفاء التام وضد فئات ضعيفة في المجتمع (النساء والقُصّر) غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وتحدث آثاراً نفسية يطول أمدها، ويصعب علاجها، خاصة في ظل التكتم الذي يصاحب هذه القضيةº إذ لا يبلغ المتحرَّش به الجهات المختصة إلاّ في القليل النادر.

وقالت أمل الصومالي- وهي تعمل كاختصاصية اجتماعية في مستشفى الملك فهد بجدة-: إن امتناع الضحايا في المملكة عن التبليغ عن قضايا التحرّش، جعل من وضع المعالجات أمراً بالغاً الصعوبة، خاصة وأنه لا توجد إحصائيات معينة بعدد هذه الجرائم، غير أن الباحثة أكدت أن عدد الجرائم التي لم يُبلّغ عنها يفوق بكثير تلك التي وصلت إلى الجهات المختصة.

وأوضحت أمل الصومالي أنه قد وصلتهم العديد من قضايا التحرّش، وكانت الضحية فيها أقارب من الدرجة الأولى داخل الأسرة، ونبهت إلى أن قضية التحرّش لم تصل بعد للحد الذي يمكن أن توصف بأنها \"ظاهرة\"، وقالت إنها تتمنى ألاّ تصل لهذه الدرجةº لأنه عندها يكون المجتمع قد دخل في أزمة حقيقية في قيمه ومعتقداته.

 

في رأيك لماذا لم تحظ قضايا التحرّش بالمحارم بالتغطية الإعلامية اللازمة؟

مجتمع المملكة العربية السعودية لا يختلف عن أي مجتمع آخر من حيث السلوكيات الممارسة من قبل أفراده، وقضية التحرّش بالمحارم تُعدّ من القضايا الشائكة في كل المجتمعات الإنسانية، مرجع ذلك إلى الثقافة التي تحكم المجتمع، والنظر إلى هذه القضايا بأنها من الفضائح التي إذا لم يُرفض التحدث عنها وُجد التحفظ الشائك حولها. وما الإعلام إلاّ جزء من مؤسسات المجتمعº فهو موجه لهذه الثقافة التي ينظر لها الحفاظ.

 يُلاحظ أن قضايا التحرّش لها اهتمام أمني لكنها بعيدة عن الاهتمام النفسي والاجتماعي..فما أسباب ذلك؟

 اقتصار الاهتمام على الجانب الأمني مفاده تطبيق الشريعة الإسلامية من حيث الحدود والتعازير الشرعية، وذلك بعد التأكد من صحة المعايير والاشتراطات الشرعية التي أشارت لها الشريعة.لكن ليس صحيحاً تماماً أن القضية بعيدة عن التناول في إطار الدراسات الاجتماعية والنفسيةº فهناك الكثير من الدراسات التي تناولت هذه القضية بالبحث والاستقصاء العميق، وما المعالجات التي يوفرها الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون إلاّ ترجمة لهذه الجهود، فلو لم يكن هناك دراسات لما كان هناك علاج.

 

في رأيك ما الذي يمنع الشخص المتحرَّش به من قبل محارمه من الإفصاح عن الواقعة والتبليغ عنها؟

يرجع الأمر في مجمله للحساسية والخوف الاجتماعي من هذا النوع من القضايا، والمتحرَّش به ينظر إلى ما بعد هذه القضية، فحتى لو تم عقاب الجاني فإن المجتمع أو الأسرة تحديداً، ستنظر إلى المتحرَّش به نظرة أخرى، وهذا بالطبع ليس في كل الأسر، فهناك بعضهم في غاية التفهم لمثل هذه القضايا، لكن نفسية المتحرَّش به تكون في اضطراب حول هذه المسألة، ويكون هاجسه الأول هو نظرة المجتمع وأسرته إليه، ونحن كاختصاصيين في علم الاجتماع نحبذ دائماً أن يكون هناك قدر عالٍ, من الإفصاح، فبدون الإفصاح عن هذه القضايا، والطرق التي تتم بها لن نتمكن من رصد القضية بأبعادها الشاملة في المجتمع، ومن ثم يكون إعداد معالجات معينة أمراً بالغ الصعوبة.

 

هل يمكن أن نقول: إن قضية التحرّش أصبحت ظاهرة.. ؟

قضية التحرّش لا يمكننا النظر لها بمنظور الظاهرة نظراً لعدم توافر الإحصائيات، وهذا الغياب مردة حساسية هذه القضايا وسيطرة ثقافة العيب داخل محيط الأسرة. لكن حتى تتوافر هذه الإحصائيات دعني أقل لك إن الأمر لم يصل بعد لدرجة الظاهرة، وإن كان رقعته آخذة في الزيادة باستمرار، وأنا أحب دائماً أن أتناول الموضوع في إطار أنه قضية خلل في شخصية ما، أي أنه قضية وليس ظاهرة. وأرجو من الله ألاّ يصل الأمر للظاهرة، فهذه الكلمة لها مدلول خطير في علم الاجتماع. وتشير إلى أن هناك خللاً كبيراً قد حصل في معتقدات وقيم المجتمع.

 

هل تعتقدين أن المسكوت عنه أكثر من المكشوف؟

كما أسلفت سابقاً سيطرة ثقافة العيب بين أغلب فئات المجتمع قد يعطينا بالفعل مؤشراً إلى أن المسكوت عنه أكثر من المكشوف بحكم أن هذه النوع من القضايا يكون محاطاً بسياج شائك، ولا يُقاس ذلك على مجتمعنا فقط بل على سائر المجتمعات.

 

هل ترين أنه من المناسب أن تتحول قضايا التحرّش إلى قضايا رأي عام؟

نعم لأن ذلك يساهم في شرح وتوضيح الآثار التي قد تترتب على مثل هذه الممارسات، كما أن تحولها لقضية رأي عام، سيحفّز الكثيرين ممّن مروا بهذه التجربة (المتحرَّش بهم) على الإفصاح وكشف ماتعرضوا له، وهنا يمكن رصد القضية بكثير من العملية والمهنية سواء من جانب علم النفس أو علم الاجتماع، كما أن تحولها لقضية رأي عام يفيد أيضاً في ما يتعلق بجانب المتحرش نفسهº إذ يلمّ هذا الشخص بالأبعاد المختلفة لما يقوم به، وقد يقود هذا الأمر ببعضهم إلى الذهاب للأطباء والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين لأخذ العلاج المناسب.

 

ما هي المعالجات الكفيلة باقتلاع هذه الممارسات؟

المعالجات الكفيلة باقتلاع هذه الممارسات تقع على مساهمة كافة مؤسسات المجتمع الدينية والتربوية والصحية والإعلامية، وذلك من أجل نشر هذه الآثار التي توصم على المعتدي عليه، وهناك معالجات يتكاتف فيها الطب النفسي مع علم الاجتماع.

 

ما نوعية الحالات التي تصلكم؟ هل وصلتكم حالات من أطفال صغار في السن تعرضوا للتحرّش؟

هناك حالات عديدة وصلت لنا، كان الطاغي عليها هو العنف الجسدي بالدرجة الأولى، وما ترتب عليه من أثر نفسي على شخصية المعتدى عليه، نعم قد صادفت حالة واحدة تعرضت لتحرش جنسي من قبل شقيقها نتيجة لتعاطيه المخدرات، وعندما عرضنا لها مساعدتها بالاستعانة بالشرطة رفضت ذلك خوفاً من الوالد.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply