الوعي الإسلامي : تطرح قضية التعثر الدراسي للأبناء


بسم الله الرحمن الرحيم

 

التعثر الدراسي للأبناء مشكلة تواجه كثيراً من الأسر، وقد يرجع هذا التعثر إلى أسباب متنوعة يعاني منها الابن ما يجعل الآباء في حيرة عن تفسير السبب، وكيف يفعلون تجاه هذا التعثر وهل السبب يرجع إلى المدرسة أم إلى عدم رعاية الأبوين الرعاية الكاملة للابن؟ هذا ما تفسره لنا الدكتورة سهام ما الله ـ كلية التربية جامعة الكويت·

أرجعت الدكتورة سهام مال الله ـ كلية التربية جامعة الكويت أسباب مشكلة التعثر الدراسي إلى أربعة أسباب رئيسة هي عوامل جسمية، ونفسية، وأسرية ومدرسية·

 

العوامل الجسمية:

وأوضحت مال الله أن قصور بعض أعضاء الجسم أو الخلل في وظائفها يؤدي إلى تعثر الطالب الدراسي مثل اضطراب عمل الغدد، وخلل الجهاز العصبي، والتهابات داخلية، وضعف السمع أو البصر وغيرها من الأمراض والحوادث، فالضعف الجسدي ومرضه يؤثر تأثيراً مباشراً على قدرات الطالب على تلقي العلم واستيعابه·

 

أسباب نفسية:

أما عن العوامل النفسية، فأكدت أن انخفاض مستوى الذكاء يرجع كذلك إلى أسباب عدة أحدها أن الجهاز العصبي المركزي لا يعمل بشكل طبيعي، وذلك لأحد سببين، هما أنه ربما أصيب الجهاز العصبي بمركز تلف بسبب مرض أو حادث، أما قبل الولادة أو خلال الولادة أو بعدها، وخلال السنوات الأولى من عمر الطفل أو قد يتأخر أو يختل تطور الجهاز العصبي المركزي عنده، وهذا ما يسمى بالتأخر النضجي أو الانحراف التطوري، ومعنى ذلك أن الجهاز العصبي للطفل لا يتطور بسرعة تطور الجهاز العصبي للأطفال الآخرين الذين في سنه، وهناك أطفال آخرون منخفضوا الذكاء، ولكنهم لا ينتمون إلى ما ذكر سابقاً، ويعرفون بالفئة الحدّية وهم أطفال عاديون، ولكنهم ليسوا في مستوى ذكاء الآخرين ولديهم بطء في التفكير والتعبير··· إضافة إلى أنه قد يكون للطفل بعض الاستعدادات السلوكية السلبية التي إذا ما نمت لديه تسبب له الكثير من المشكلات فيما بعد، إحداها قد يكون تعثره الدراسي·

ومن هذه الاستعدادات، الاستعداد للقلق والشعور بالنقص وبالذنب والاتكالية، والعداوة، وغيرها ما يجعل الطفل قليل الثقة بنفسه عاجز عن تحمل المسؤولية لا يقوى على حل الصراعات، سريع الغضب، كثير المخاوف، محبط يشعر بالإحباط والفشل وبالتالي يؤدي إلى فشله في الدراسة·

 

الأسرة:

وأشارت د· مال الله إلى أن نتائج الدراسات التي أجريت مع المتعثرين دراسياً بأن أسرهم في أغلب الأحيان هي المسئولة عن فشلهم الدراسي، فالطفل المتعثر دراسياً هو ضحية أسرته لأنها إما أن تكون قد خلقت له المشكلات أو أسهمت في خلقها وتنميتها، فالأسرة مسئولة إلى حد كبير عن العوامل الجسمية والنفسية، فهي التي تنمِّي عند أطفالها الاستعدادات السلبية وتعوق نموهم العقلي وتعرضهم للأمراض والحوادث··· ومن أهم أخطار هذه الأسباب فشلها في إشباع حاجات الطفل وحرمانه من الأمن والطمأنينة، وهذا يؤدي إلى شعوره بالإحباط والصراع والقلق، وهي مشاعر مؤلمة لا يستطيع الطفل تحملها والتغلب عليها·

وأكدت د·مال الله أن من هذه الأسباب، الإفراط في إشباع حاجات الطفل الذي يظهر في التدليل والحماية المبالغ فيها، والتساهل الزائد مع الطفل فيتعود على الأخذ دون العطاء، وينمِّي الاتكالية والكسل وعدم بذل الجهد والمثابرة والعمل فيهمل دراسته لأنه يعلم بأنه مدلل ولن يعاقب، وإنه سينال كل ما يرغب به حتى لو رسب لأنه الطفل المدلل···

 

أسباب أسرية أخرى:

وعددت د·مال الله أسباب التعثر الدراسي والتي منها أيضاً إهمال الأسرة في توفير الحاجات العضوية الأساسية، فسوء التغذية يؤدي إلى الهزال وتأخر النمو والخمول، وقلة النوم تؤدي إلى الانفعال الزائد، وعدم التركيز في الدراسة والعدوانية، وأيضاً قسوة الوالدين وجفاؤهم وتسلطهم يشعر الطفل بالنبذ وعدم التقبل وعدم الثقة وفقدان الإحساس بالحب والمكان والتقدير فينصرف الطفل عن الدراسة والتركيز·

 

دور الوالدين:

وأكدت مال الله أن غياب الأم أو الأب عن الأسرة بسبب الطلاق أو الهجر أو الوفاة أو الانشغال بالعمل أو بالأصدقاء، كلها عوامل تبعد الطفل عن والديه وتحرمه من حبهما واهتمامهما ومتابعتهما له ما يدفع الطالب إلى التوجه والتعلق بالأصحاب والرفقة السيئة، وهي من أحد الأسباب القوية التي تؤدي إلى فشل الطالب الدراسي، وكذلك كثرة الخلافات والشجار بين الوالدين يؤثر على رعايتهما لأبنائهما وعلى استقرار الأسرة وبالتالي يؤثر على شعور الأطفال بالأمن والأمان·

وقالت: إن هذه المشكلات والخلافات بين الوالدين تسهم أيضاً في نشأة المشكلات عند الأطفال لأنها تدل على أن الأب والأم غير سعيدين وغير آمنين فلا يستطيعان تحقيق السعادة والاستقرار لأطفالهم >لأن فاقد الشيء لا يعطيه<·

ومن أثار المنافسة بين الأبناء تفضيل أحدهم على الآخر إما لسبب الجنس أو السن أو السلوك أو الذكاء كما أن عقد المقارنات بينهم يولد الغيرة والخوف وعدم الارتياح·

وأشارت مال الله، إلى أن طموحات الآباء الزائدة تجعلهم يطالبون أبناءهم بأعمال تفوق قدراتهم ولا يراعون الفوارق الفردية بينهم، ويضعون أهدافاً يعجز الأبناء عن تحقيقها فيشعرون بالفشل والإحباط والصراع والقلق ويلجأون إلى الحيل النفسية التي تستنفد جزءاً من طاقاتهم فيسوء أداؤهم في المدرسة·

 

انحرافات الآباء:

وأكدت د·مال الله، إلى أن انحرافات الآباء وعاداتهم السلوكية السيئة لها تأثير سيئ على نمو الأبناء، وقد تؤدي إلى خلل فسيولوجي أو بيولوجي في نمو الطفل وهو جنين في بطن أمه، فإدمان الأب أو الأم في أثناء الحمل على المخدرات أو تناول الكحول وحتى التدخين من العوامل التي تعوق نمو الجنين النفسي والجسمي، وقد يولد ناقص النمو مشوهاً أو متخلفاً عقلياً أو يعاني من الصرع وهذا يعود إلى جهل الأسرة وعدم تقديرها لهذه النتائج الخطيرة·

 

المدرسة:

وأوضحت د·مال الله، أن العوامل المدرسية لا يقل تأثير الخبرات المؤلمة في المدرسة عن تأثير الخبرات المؤلمة في البيت في تعثر الطالب الدراسي، وأن اضطراب علاقة الطفل بالمدرِّس لا تقل أهمية عن اضطراب علاقته بأبيه··· ومن أسباب هذا الاضطراب، قسوة المدرِّس وجفاؤه وتحقيره للطفل وإهانته وإهماله، ومقارناته غير العادلة بين التلاميذ، وتفضيل تلميذ على آخر، وهذا يجعل التلميذ يشعر بعدم الثقة في نفسه وفي المدرسة، ويشعر بعدم التقبل والتقدير والإحباط، وهذا الشعور بالخوف يشغل الطالب عن التركيز والاستيعاب والإجابة على أسئلة الاختبارات·

العلاج:

ولحل مشكلة التعثر الدراسي لدى الطفل قالت د·مال الله، لابد من علاج الأسباب، ولنبدأ بالعلاج الطبي، بعرض الطفل على الطبيب لمعالجة الأسباب الجسمية مثل معالجة الأذن إذا كان الطفل يعاني من ضعف في السمع أو أن يلبس الطفل نظارة طبية لحل مشكلة النظر، لذا لابد من فحص الطفل طبياً والتأكد من سلامته جسمياً، كما لابد أن يعرض الطفل على مختصين آخرين، أهمهم المتخصصون النفسيون لإجراء تقويم للطفل من خلال اختبارات الذكاء المقننة، ثم يقوم المتخصصون بمقارنة الأداء الكلي للطفل في هذه الاختبارات مع أداء أطفال آخرين في مثل سنه ليحدد مستواه· ولتحديد مستوى الطفل في التحصيل الدراسي وطريقة تعلِّمه وتحديد نقاط ضعفه، في المهارات الأساسية كالقراءة والتهجي والحساب، وبالتالي بناء على هذا التقويم يقوم المتخصصون بإرشاد الأبوين بخصوص تربية الطفل وطريقة التعامل معه·

 

دور المدرِّس:

وأكدت أن للمدرس دوراً مهماً في علاج مشكلة التعثر الدراسي لدى الطفل، فالمدرس يتفاعل مع تلاميذه وجهاً لوجه يومياً، ويستطيع أن يكتشف التلميذ الذي يبدو مختلفاً عن التلاميذ العاديين، لذا عليه أن يكتشف هذا الأمر مبكراً حتى يسهل التعامل مع هذه المشكلة··· فعلى المدرس أن يهتم بهذا الطفل ويشجعه على النجاح في التحصيل الدراسي ويشجعه على تنمية مواهبه في النشاطات المدرسية، ويحاول حل الصعوبات التي تواجه الطفل في البيت والمدرسة بالتعاون مع الأسرة، فالأسرة عليها العبء الأكبر في حل هذه المشكلة، ولابد من اكتشاف هذه المشكلة في بدايتها حتى يتم علاجها بسهولة، وخلال مدة قصيرة، فالتأخر في اكتشافها يجعلها مزمنة معقدة تحتاج إلى وقت طويل للعلاج وتترك بصمات سيئة على شخصية الطفل، وعلى الأسرة أن تتعاون مع المتخصص النفسي المعالج وتثق به، وتتجاوب مع إرشاداته، وأن تتعاون كذلك مع المدرِّس للوقوف عند أسباب المشكلة·

 

اقتراحات مهمة:

وتضيف د·مال الله اقتراحات عدة أخرى لحل مشكلة التعثر، وهي عدم الإفراط في تدليل الطفل وحمايته، بل تركه ليتحمل مسؤولية نفسه وتعويده على النشاط والعمل والمثابرة ومكافآته على العمل وعقابه على الكسل، مع تدعيم الثقة بنفسه وإشباع حاجاته من الحب والاستقرار، فلابد من الاهتمام بالطفل وعدم إهماله، وأن يبتعد الوالدان عن أسلوب القسوة الشديدة والجفاء والدكتاتورية والتسلط في التعامل مع الطفل، ولابد أن يوجد الوالدان حول الطفل حتى لا يُحرم من العطف والحنان، وكذلك ألا يقع شجار وخلافات أمام الطفل، ويجب أن يتفهم الوالدان أن هناك ما يُسمى بالفوارق الفردية بين الأبناء، فلا يقارن الأب أو الأم أحد أبنائهما بالآخر·

وأكدت مال الله على ضرورة أن تطالب الأسرة أطفالها بأعمال توافق قدراتهم، فالطفل حين يعجز عن تحقيق آمال وطموحات والديه يشعر بالإحباط المستمر والصراع، ويصبح غاضباً عدوانياً فهو غير قادر على تحقيق ما يصبو إليه والداه لأن قدراته متواضعة، فيشعر بالدونية، ويحط من قدر نفسه ويشعر بعدم قبول الأسرة له وهذه كلها مشاعر سلبية سيئة تزيد من فشل الطفل الدراسي، لذا فعلى الأسرة أن تساعد الطفل على التخلص من المشاعر السلبية والتوترات، وأن تحسِّن مفهوم الطفل عن نفسه حتى يثق في نفسه، وذلك عن طريق تحسين ظروفه الأسرية، وتشجيعه على إطلاق طاقاته وتنمية شخصيته، وبناء مستقبله بالتعلم وأن تشعره بكفاءته وتقديرها له، تحقق له السعادة وتجعله يستمتع بحياته·

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply