لجان الإصلاح .. تعيد البسمة المفقودة للأسر المتخاصمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نسبة الطلاق ازدادت في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات الزوجية

لا شك أن إنشاء لجان الإصلاح كان خطوة طيبة وموفقة من أولي الأمر، حيث ساهمت بشكل كبير في فصل كثير من النزاعات والخصومات قبل وصولها للقضاء، كما ساهمت بلا شك في التيسير والتخفيف عن رجال القضاء، حيث رفعت عن كاهل القضاء أعباء يمكن أن يكون لأهل الحل والعقد دور فاعل في إنهائها دون الحاجة للقضاء وهي بذلك مصلحة عظيمة للمواطن والمقيم وبها جمعت شمل كثير من الأسر، ولكن هل حققت هذه اللجان أهدافها؟ وكيف تصلها النزاعات والخلافات؟ وهل يمكن لكل إنسان أن يكون عضوا في هذه اللجان؟ وما هي آلية فض النزاعات؟ وهل يسوغ للمصلح أن يكذب من أجل الإصلاح بين المتنازعين هذا وغيره ما سنحاول أن نصل إليه من خلال هذا التحقيق الذي أجرته (الدعوة) عن لجان الإصلاح.

 

أهداف اللجان

* بداية الدكتور بندر العبدلي وكيل قسم السنة بجامعة القصيم يذكر لنا أهداف لجان الإصلاح ومنها:

1- التقريب بين وجهات النظر، وتأليف القلوب، وإبعاد الشحناء والبغضاء بين المتخاصمين، وجمع الكلمة، وردء الشقاق والفرقة والاختلاف، امتثالا لقوله - تعالى -: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114]، وقال: {وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما} [النساء: 129]، وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، قال: وفساد ذات البين هي الحالقة) رواه أبو داود والترمذي وصححه.

وقد طبق النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بفعله، ثبت في الصحيحين (أنه ذهب لبني عمرو بن عوف ليصلح بينهم حتى تأخر عن الصلاة وصلى بالناس أبو بكر - رضي الله عنه -.

2- الحد من حالات الطلاق، واستنفاد السبل للتوفيق بين طرفيه قبل وقوعه. قال - تعالى -: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} [النساء: 128]، أي إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضن من نفقة، أو كسوة، أو مبيت ولهذا قال: {والصلح خير}، أي من الفراق انتهى من تفسير ابن كثير.

والمتأمل لنسب الطلاق في الأعوام الأخيرة يجد نسبتها زادت عن 03% من نسب الطلاق في الأعوام الماضية، وما ذاك إلا بسبب الخلافات الزوجية لأتفه الأسباب التي لم يسع طرفاها لحلها وطلب الصلح له.

3- حل المشكلات الأسرية أو الاجتماعية بكل أمان وخصوصية ما أمكن.

4- تقديم الاستشارات والإرشادات عبر الهاتف في بعض اللجان الإصلاحية.

ولهذا فوائد عدة من أهمها التمكن من حل بعض المشكلات التي يتعسر على أصحابها حضور المركز أو لجنة الإصلاح.

 

لجان الإصلاح دورها وهدفها

الدكتور إبراهيم الحمود يضيف أهدافا أخرى إلى ما ذكره الدكتور العبدلي ومنها:

تحقيق مصالح كل مواطن ومقيم، جمع الكلمة ونبذ الخلاف والفرقة بين الناس، فض المنازعات والخصومات قبل وصولها للقضاء من باب التيسير والتخفيف وسرعة اتخاذ القرار وحتى لا يثقل كاهل القضاء بالمسائل الشخصية التي يمكن أن يكون لأهل الحل والعقد دورا فاعلا في إنهائها دون الحاجة للقضاء. وينتقي لتلك اللجان شخصيات متميزة من أهل الخبرة والحكمة والموعظة الحسنة، وقد أثبتت تلك اللجان فعاليتها في عدد من قضايا المجتمع. وهذا الإجراء يعطي القضاء فرصة أكبر للتفرغ للقضايا الأهم، وهذا يساعد على إنجاز العمل في المحاكم الشرعية بصفة أسرع من ذي قبل، ويعطي القاضي فرصة التأمل والبحث في بعض القضايا ذات الأبعاد المتعددة فإن توفير الوقت للقاضي يساعد على سرعة ودقة النظر والتأمل.

 

مشاكل متنوعة

ويتطرق الدكتور الزهراني إلى بعض المشكلات التي تتدخل اللجنة لحلها والتي معظمها من المشكلات الزوجية التي تقع بين الزوجين وتؤدي إلى اختلال الحياة الزوجية وهنا يكون دور اللجنة بإعادة التوازن والحياة الطبيعية بين الزوجين.

وكم من قضية زوجية تمت إعادة البسمة إلى وجه كل من الزوج والزوجة وإنهاء التوتر والخصام بينهم.

وفي بعض الحالات المستعصية ترى اللجنة أن من المصلحة إنهاء العلاقة الزوجية ويكون ذلك بإصرار أو رغبة الطرفين أو أحدهما ويتم ذلك وفق آلية معينة تحفظ حقوق كل من الزوجين وتحمي حقوق الأولاد بينهم.

ومن المشكلات التي تتصدى لها اللجنة المشكلات الأسرية وهي التي تقع بين الآباء والأمهات وأولادهم أو بين الإخوة والأخوات أو بين الأقارب.

ومن المشكلات التي تقوم اللجنة بمباشرتها المشكلات المالية والخلافات بين التجار والشركات وكذلك بعض المشكلات العامة الأخرى التي قد تقع بين الجيران على سبيل المثال.

وقد زاد عدد القضايا التي باشرتها اللجنة في كل من فروعها بمكة وجدة عن ثلاثة آلاف قضية تم حل أغلبها ولله الحمد والمنة عن طريق الصلح بين الأطراف المتنازعة.

ولكن كيف تتعرف اللجنة على النزاعات؟ وهل تأتيها الخصومات إلى مقرها؟ أم للجنة طرق تتعرف من خلالها على الخلافات وتصل إليها قبل أن تصل إلى المحاكم، الدكتور علي بن بخيت الزهراني نائب الرئيس التنفيذي للجنة بمنطقة مكة المكرمة يقول:

القضايا تأتي إلى اللجنة من مقام الإمارة من سمو أمير المنطقة أو وكيل الإمارة وذلك بحكم أن اللجنة تابعة للإمارة.. وقد تأتي بعض القضايا للجنة مباشرة من أطراف النزاع، كما تستقبل اللجنة بعض القضايا التي تحيلها لها المحاكم الشرعية أو أقسام الشرطة أو هيئة التحقيق والإدعاء العام وبعض الجهات الأخرى..

ويضيف الدكتور العبدلي طرق أخرى للتوصل إلى معرفة الخلافات الأسرية منها: حضور أحد الزوجين إلى لجنة الإصلاح وعرض مشكلته بنفسه، وهذا يكون من الزوج غالبا أو أحد أقاربه.

ومنها: اتصال أحد الزوجين على اللجنة الإصلاحية وعرض مشكلته على المصلح، وهذا يكون من الزوجة غالبا، وربما كان من الزوج أو من أحد الأبناء ونحو ذلك.

ومنها: ارتباط الزوجين أو أحدهما قبل عقد النكاح باللجنة الإصلاحية والالتحاق بالدورة التي تقيمها بعض اللجان لإعداد الشباب والفتيات للحياة الزوجية، وهي مفيدة ونافعة ولها ثمار يافعة، مما يجعل الزوج أو الزوجية على علاقة قوية بهذه اللجنة ورجوعه إليها في عرض المشاكل الأسرية ونحوها في المستقبل.

وأما الطرق إلى معرفة الخلافات الجنائية فهي كثيرة أيضا ومن أبرزها:

- ظهور قرائن وعلامات تدل على وقوع الخلاف والشقاق للجيران أو الأقارب أو نحوهم.

ومنها: رفع أحد المتخاصمين دعوى ضد خصمه الآخر للجنة الإصلاح والنظر فيه.

وهذا ما أكده الدكتور الحمود ويحبذ أن تتوصل اللجان إلى معرفة الخلافات الأسرية أو القضايا الجنائية بواسطة ممثلين لها يتقبلون الدعاوى قبل وصولها للقضاء، أو عن طريق الشكاوى التي تقدم لهم، أو عن طريق تلمس مشاكل المجتمع وما يعتريه من معوقات وإيجاد الحلول المناسبة لها، وفي حال الحالات الجنائية يسعى أهل الجاني إلى تدخل أهل الحل والعقد في الإصلاح بينهم وبين أهل المجني عليه، وقد نجحت تلك اللجان في إسقاط حكم القصاص إما إلى الدية أو العفو التام.

وهذا له أثره الكبير على تصفية النفوس والعفو والتسامح.

 

صفات المصلحين

والدكتور الحمود يرى أن مهمة الإصلاح مهمة تحتاج إلى صفات معينة فليس لكل أحد وإنما لا بد أن يكون عضو اللجنة متسما بصفات الرجل الناجح المعتدل ذا حلم وآناة وقدرة على الإقناع قد اهتم بصلاح نفسه قبل صلاح غيره فإن فاقد الشيء لا يعطيه. ولا بد أن يكون على علم بما يقول ليتمكن من الإقناع بالحجة والدليل، ولا بد أن يكون على قدر كبير من سعة البال وتحمل ما قد يوجه إليه من الفقر أو سوء الأدب من الطرف الآخر. إن الإصلاح بين الناس جانب دعوي، فيشترط فيه ما يشترط في الداعية، بأن يكون الإصلاح بأسلوب الوعظ الحسن والحكمة والمجادلة بالرفق واللين، {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269].

 

ويضيف الدكتور العبدلي صفات أخرى فيمن يتعرضون للإصلاح بين الناس وهي:

1- الحلم والأناة، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأشج أشج عبد القيس: (إن فيكم لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة).

والحلم هو التعقل واستعماله في الحكم على الوقائع والخلافات، والأناة عدم العجلة في الحكم على المشكلة قبل تصورها، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

فهاتان الصفتان من أهم ما ينبغي للمصلح أن يتصف بهم.

2- الاستفسار عن القضية والواقعة ومعرفة جميع أطرافها، والسماع من الطرفين، لأن ذلك أمكن في حل المشكلة وإزالة الخلاف بإذن الله - تعالى - وتوفيقه.

3- الرفق واللين، حيث في (الصحيح) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه).

وقال: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) إلى غير ذلك من النصوص.

فالمصلح لا بد أن يكون رفيقا لينا رحيما بمن تقدم إليه وعرض مشكلته طالبا منه إزالتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، ذلك أن الغلظة والشدة والعنف تعطي نتائج عكسية وأمورا غير مرضية، وقد كان سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه يستعمل الرفق واللين في وقائع متعددة.

من ذلك ما ثبت في (صحيح مسلم) لما عطس رجل في الصلاة فقال له معاوية بن الحكم: يرحمك الله، فرماه الناس بأبصارهم، فقال: واثكل أمياه، فجعل الناس يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فلما قضى الصلاة دعاه النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتحميد وقراءة القرآن) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.

ومن ذلك: الإعرابي الذي بال في المسجد وزجره الناس فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه ثم قال: إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا الأذى والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -.

ومن ذلك: لما وقع الخلاف بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورجل آخر من الصحابة في قراءة آية، قرأها على خلاف القراءة التي سمعها عمر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فترافقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنفهما بل قال: كل قد نزل القرآنه به.. الحديث.

4- سعة الصدر وبعد النظر: إذ إن المصلح لا ينظر إلى الواقعة والمشكلة بنظره الحالي، إنما ينظر إلى أبعادها وما تؤول إليه، وحينئذ يتروى ويتأمل قبل إصدار الحكم والحل..

5- عدم استعجال النتائج بمعنى أن المصلح يبذل قصار جهده في حل الخلاف ولا يتعجل حصول المطلوب.

وإذا كانت هذه الصفات التي يجب أن تتوافر في رجال الإصلاح فمن المؤكد أن هناك وسائل يلجأ إليها المصلحون كما يؤكد ذلك الدكتور الزهراني فيقول: الوسائل كثيرة ومختلفة ويستخدم كل عضو ما يراه مناسبا لكل قضية ومن ذلك استخدام وسيلة الترغيب والتحبيب في الصلح وربما الترهيب وتخويف بعض الخصوم بالله - عز وجل - ومن الوسائل إحالة بعض القضايا إلى عضو آخر فربما ينجح عضو فيما أخفق فيه آخر وغير ذلك من الوسائل..

وأما قضايا القصاص فهي تحتاج إلى صبر دؤوب وحكمة كبيرة وخبرة طويلة وهي قضايا ذات حساسية بالغة، ولذلك كانت قضايا القصاص مركزية أي من اختصاص اللجنة الرئيسية في إمارة منطقة مكة المكرمة، وقد وقفت اللجنة بفضل الله - عز وجل - ثم بتوجيهات سمو أمير المنطقة - حفظه الله - إلى عتق أكثر من سبعين رقبة من السيف ولله الحمد.

وقد ترى اللجنة في بعض الأحيان عدم السعي في العفو وضرورة تنفيذ القصاص لدفع مفاسد أعظم وإطفاء نار الفتنة بين الخصوم.

 

الكذب بين المتخاصمين

ولكن هل يمكن أن يلجأ المصلح إلى الكذب كوسيلة من الوسائل التي يمكن أن يصلح بها بين المتخاصمين الدكتور الحمود يقول: نعم، إذا دعت الحاجة إلى الكذب من أجل الإصلاح فهذا جائز شرعا، فإن من القواعد الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، فمتى تحقق في الكذب درء مفسدة وتحقيق مصلحة جاز ومن ذلك الإصلاح بين الناس فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا) متفق عليه، وفي صحيح مسلم: (لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث (الحرب، الإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)، فمتى قصد لإصلاح في الكذب فإن صاحبه لا يأثم، بل يثاب على حسن نيته وقد قال - تعالى -: {والصلح خير}.

أما الدكتور العبدلي فيؤصل المسألة ويوضحها بقوله: فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: يجوز للمصلح الكذب لأجل الإصلاح، لما روى مسلم في صحيحه عن أم كلثوم بنت عقبة - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا).

قال ابن شهاب - يعني الزهري -: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها).

قال القاضي عياض: (لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور).

فالكذب في مثل ذلك فيه مصلحة عظيمة تربو على مفسدة الكذب فأبيح منه بقدر الحاجة. وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلا لعموم النهي عن الكذب والتحذير منه في نصوص متوافرة من الكتاب والسنة.

قالوا: وما ورد في صحيح مسلم فهو من قول الزهري مرسلا، وليس من الحديث المرفوع رجح ذلك الأئمة كالنسائي وغيره، ويحمل إن صح على أن المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه..

وقد قيل: إن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيره.

قلت: وهذا القول أقوى أنه إذا أمكن استعمال التورية فهو أولى، فإن لم يمكن فلا حرج في الكذب حينئذ لكن بحدود ضيقة مع التحذير من التمادي فيه.

 

أشواك على الطريق

وإذا كان لكل عمل صعوبات فما الصعوبات التي يواجهها المصلح الدكتور الزهراني يوضح بعض الصعوبات التي قد يتعرض لها رجال اللجنة ومنها: عدم تعاون بعض أطراف النزاع وتهرب بعض المتخاصمين من أداء واجباتهم ومماطلتهم في إعطاء الحقوق التي عليهم وتمنعهم من الحضور إلى اللجنة.. مما قد يطيل الوقت الذي تستغرقه حل القضية.. مع أنني أسجل في هذا المقام شكر اللجنة وتقديرها لكثير من المتنازعين الذين يحرصون على المجيء إلى مقر اللجنة في مكة وجدة والتعاون مع العاملين فيها والالتزام بالمواعيد المحددة في ذلك.

كما لا بد أن نذكر - ونحن نتحدث عن الصعوبات التي تواجه اللجنة - طبيعة العمل الذي تقوم به اللجنة في فض الخصومات وإنهاء المنازعات وتحقيق الصلح..

لا ريب أن عمل اللجنة يأخذ شبها من عمل كل من القضاة والمحامين.. وذلك بإحقاق الحق وإنصاف المظلوم في بعض القضايا، وتذكير ونصيحة الظالم في إنهاء ظلمه للطرف الآخر..

وإن كان القاضي له صلاحية الفصل في القضية والحكم فيها لطرف على آخر حسب الأدلة والبيانات المتوفرة بين يديه..

والمحامي يمضي في طريق الانتصار لموكله إلى النهاية..

وأما عملنا في اللجنة فيقوم في كثير من القضايا على إقناع الخصوم بترك الخصومة ونبذ الشحناء وأخذ ما تيسر والتنازل بطيب نفس عن بعض الحقوق.. سواء من طرف واحد أو من طرفي النزاع.. لأن الله - عز وجل - يقول: {والصلح خير}.

ويضيف الدكتور الحمود صعوبات أخرى بقوله: كل عمل دعوي يعتريه بعض العقبات والمعوقات، والعمل الإصلاحي كذلك، فإن لجان الإصلاح تعمل جاهدة على تخطي تلك العقبات التي منها على سبيل المثال:

1- كون المخاطب صعب المرأس لا يمكن إقناعه بسهولة فهذا يحتاج إلى جهد ووقت، بل ربما يدعو الأمر إلى استخدام الوسائط والوجهاء لإقناعه.

2- إذا كان الصلح على مال فإن اللجنة تواجه صعوبة في تقدير هذا المال المرضي للطرفين، وصعوبة في ضمان تحصيله، ومتابعة ذلك حتى لا يحترم الخلاف بينهما مرة أخرى.

3- إذا لم يتفق الطرفان على الصلح بحيث رضي أحدهما به ولم يرضى الآخر ولكنه بصفة عامة فإن عمل اللجان يتسم بالمرونة والنتائج المثمرة.

4- نتمنى من الجهات المعنية بلجان الإصلاح مضاعفة العدد والإشراف المستمر، وإيجاد الحلول للقضاء على بعض السلبيات فكلما تم تطوير تلك اللجان فإن ذلك له أثره الإيجابي على العمل في المحاكم الشرعية وخصوصا في القضايا الأسرية، والأملاك، والمواريث. ولا شك أن الإصلاح عمل خيري وقربة إلى الله يتاب فاعله.. {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}.

 

مواقف مؤثرة

 وفي ختام التحقيق يروي لنا الدكتور العبدلي بعض المواقف المؤثرة التي تعرض لها أثناء عمله في لجنة التحقيق حيث يقول: المواقف المؤثرة في مسيرتي الإصلاحية كثيرة والمشاكل التي تم إيجاد الحلول المناسبة لها كثيرة أيضا، أسأل الله - تعالى -التوفيق والسداد.

وأذكر موقفا واحدا فقط مؤثر جدا، وقد تأملت فيه كثيرا ودعوت الله - عز وجل - أن يمن علي بحله وهو لأسرة مسلمة في إحدى البلدان الغربية في شهر رمضان.

ذلك أنني لما صليت التراويح ذات ليلة في تلك المدينة أرسلت إلي امرأة ممن حضرن الصلاة معنا في المسجد وقال: إن لديها مشكلة ترغب في عرضها علي وإيجاد حل لها، فوافقت على ذلك، وبدأت تعرض علي مشكلتها من وراء حجاب وهي في المسجد، ومشكلتها مع زوجها في خلاف وشقاق وتتهمه بكل فحشاء ومنكر ولم تترك فعلا منكرا إلا وصمته به، وقال: إنني أريد الحل، ولا سيما أنني تقدمت بدعوى قضائية في المحكمة ضده، وقال: إنه يدعي الإسلام، وهو بعيد عن الإسلام، فجعلت أتعجب من هذا الزوج وقبح أفعاله وإجرامه وطلبت منها رقم هاتفه لأتصل به، وبعد ذهابي إلى المنزل وأنا مهموم من فعل هذا الرجل اتصلت به فرد علي وقلت: أنت فلان فقال: نعم، فقلت: أنا فلان: فقال: الشيخ، قلت: نعم، فرحب بي، وفرح باتصالي به، وقلت تأذن لي بالتحدث معك، فقال: نعم، فجعلت أتحدث معه عن علاقته مع ربه - عز وجل - ولزوم العبادة والطاعة ولا سيما في بلاد الغربة.

ثم تحدثت معه عن أولاده وأهله وأنه ينبغي له أن يحسن إليهم ويعطف عليهم، وأن المرأة ضعيفة وهي طوع زوجه... إلخ فقاطعني وقال: يا شيخ زوجتي امرأة فاجرة وهي تتظاهر بالاستقامة، لكنها بعيدة عن الإسلام وتعاليمه ولها صداقات مع رجال أجانب وأنها وأنها..

وجعل يصم زوجته بكل فعل قبيح، وقال: إنني من المستقيمين وقبل قليل خرجت من المسجد وقد حضرت معكم صلاة التراويح وها أنا ذا استمع لقراءة القرآن من المذياع.. وجعل يرفع صوت قارئ القرآن حتى يسمعني عبر الهاتف... إلخ.

فأصبحت في حيرة كل واحد من الزوجين يتهم الآخر بأمور فظيعة ويبرئ نفسه..ودعوات الله - عز وجل - أن يلهمني الصواب في القول والعمل..إلخ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply