بسم الله الرحمن الرحيم
أفادت الإحصائيات الرسمية التي قام بها الجهاز المركزي للإحصاء بمصر أن عدد العوانس في مصر يتراوح بين سبعة ملايين وثمانية ملايين عانس، بل وتذهب بعض التقديرات إلى اقترابه من تسعة ملايين..
وبصرف النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة، والتي يعرفها كل الناس، من وجود بطالة تقترب من الرقم نفسه، ومن ضعف الدخل، وغلاء الأسعار وصعوبة الحصول على السكن المناسب.. وضعف الدين والتنافس الدنيوي!!
بصرف النظر عن هذه الأسباب الشائعة والصحيحة.. إلا أن (أزمة المهور) التي تتمثل في طلب كماليات لا حصر لها أصبحت أساسيات مثل الأدوات الكهربائية والموبيليا الفاخرة.. والسكن (اللوكس) أو (السوبر لوكس).. والمباهاة الاجتماعية في حفلات الزواج في صالات الأفراح أو في الفنادق...
هذه المغالاة في المهور، وفي الكماليات، والتي لا تتناسب إطلاقا مع الإمكانات والدخول، تمثل أكبر عائق أمام الزواج.. وتمثل أكبر سبب لانتشار العنوسة!!
ونحن لا ندري من أين لمجتمعاتنا الإسلامية بهذه السلوكيات التي كانت محصورة - بعد عصر الصحابة والتابعين - في البيوتات الحاكمة أو القريبة منها، وهي لا تمثل نسبة مئوية من المجتمع.. لكنها أصبحت - في مجتمعاتنا - أصلا معمولا به من جميع الأوساط غنيها وفقيرها.. وكل على قدر طاقته في البذخ والإسراف والمباهاة..
إن تراثنا الإسلامي الذي تعلمنا منه عاداتنا الاجتماعية قام على البساطة والتقشف، وعلى الزهد، وتقدير الإنسان لعلمه وفضله، وليس لمجرد قدرته المادية.. وقد كان المهر (المعنوي) مشهورا شهرة تفوق (المهر المادي).. فما قيمة (خاتم من حديد) كان يؤديه بعضهم مهر.. إنه تقدير معنوي.. وليس مادي.. وكما يقول الحديث النبوي الشريف المروي عن الإمام أحمد بن حنبل (الإمام أحمد المغني حديث 14296) إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا).. وقال عبد الله بن مسعود: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصى، فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب.. ثم قرأ علينا {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (87)} [المائدة] (البخاري/ 4686).
وقد ورد عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: تزوج ولو بخاتم من حديد) (البخاري/ 4753).
كما يصح أن يكون (شيئا معنويا) تراه المرأة صالحا، فعن أنس قال: (خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها، قال ثابت فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم (مهرها الإسلام) فدخل بها فولدت له) (النسائي 3289).
وإذا كان الشرع لم يحدد مقدار المهر قلة أو كثرة فإنه ينبغي ألا يبالغ فيه حتى لا يشق أمر الحلال على الشباب فينصرفون مضطرين إلى الحرام (عن أبي العجفاء السلمي قال سمعت عمر بن الخطاب خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا لا تغالوا في صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصدق امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، ألا وإن أحدكم ليغالي بصداق امرأته حتى يبقى لها في نفسه عداوة... ) (الدارمي 23388).
وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) أحمد/ 23388).
وفي حديث آخر عن عائشة أيضا قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها) أحمد/ 23466).
فلم لا نعيد نحن المسلمين نظرتنا إلى (المهر)؟ - فالمرأة ليست سلعة تباع ويغالى في ثمنها - وإنما المهر (المهر المعنوي)، فتتزوج الفتاة على أن يعلمها زوجها أجزاء من كتاب الله، أو يعلمها القراءة والكتابة إن كانت تجهلها، إلى غير ذلك من الأمور المعنوية التي تفوق الأمور المادية التي أرهقت الناس وجعلت الشباب يعزف عن الزواج.. وبدأت العنوسة تمثل مشكلة مأساوية في مجتمعات المسلمين.. مجتمعات فتح أبواب الحلال وإغلاق أبواب الحرام (!!) المجتمعات التي قال لها نبيها الكريم - عليه السلام -: (إنا بعثتم ميسرين)!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد