العنف داخل الأسرة السورية يهدد المجتمع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تتوقف درجة العنف التي تتعرض له المرأة داخل أي مجتمع على المفاهيم السائدة ووعي المجتمع، وبالطبع مدى التزام المجتمع بتعاليم الإسلام الذي يعلي من شأن المرأة، ويوصي بها خيراً، وقد يبدو العنف واضحاً في المجتمعات الغربية أكثر منه في مجتمعاتنا العربية، وإن كانت حالة الحضور الميداني القوي الذي تعيشه المرأة الغربية جعلت منها مركز ثقل مساوياً للرجل، في حين أفقدها جوانب أخرى أكثر أهمية، كالحفاظ على تماسك المجتمع، ومستوى الأخلاق العام، إلى جانب شيوع الرذيلة والأمراض.

وعلى الرغم من عدم اتفاق الجميع على وجود هذه الظاهرة، وهي تنامي العنف الموجه للمرأة، إلا أنها بقيت ماثلة في أغلب المجتمعات، وتعذّر الوقوف في وجهها، مما يستدعي تكثيف حملات التوعية، وإجراء مزيد من الدراسات والبحوث لاستقصاء أسبابها.

 

المرأة في موجهة العنف:

ويُعدّ العنف ظاهرة عامة أصبحت الأكثر انتشاراً في المجتمع السوري حيث اللغة السائدة في المشاكل الاجتماعية يتم معالجتها بالعنف من قبل الأسرة، سواء مع الأطفال أم النساء.

ولعل العنف الواقع على المرأة اليوم، والذي يُمارس بأشكال عدة يشترك فيه مختلف أطياف الأسرة على حدٍ, سواء إن كان من الأزواج والآباء، أو غيرهم من الأبناء الذكور، إلى جانب تعرّضها يومياً للإهانة والشتم، بجانب الإيذاء الجسدي أيضاً كالضرب، كما أن خروجها إلى الشارع غالباً ما يكون تحت ضغط نفسيº إذ من الممكن أن يواجهها رجل يقوم بالتعرض لها بحركة ما أو بالتحرش بها بشكل أو بآخر، كما تعاني بعض النساء والفتيات خارج أسرهن من أعمال عنف متعددة الأشكال والدرجات يمارسه عليهن رجال لا يمتّون لهن بصلة، سواء أكان العنف اللفظي والنفسي والبدني والجنسي ابتداء من الكلام البذيء والتحرش الجنسي وانتهاء بالاغتصاب.

 

تنبه دولي:

ولقد تنبهت هيئة الأمم المتحدة إلى مدى انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة في العالم بكل أصقاعه المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، الأمر الذي أدى إلى إصدار العديد من القرارات الدولية التي تعدّ العنف ضد المرأة سواء في الأسرة أو المجتمع ظاهرة لا بد من التصدي لها وتسليط الضوء عليها.

وفي سبيل تحديد المشكلة للوقوف على أسبابها أجرت الأمم المتحدة دراسة على العنف الموجه للمرأة داخل المجتمع السوري بمشاركة الاتحاد العام النسائي والهيئة السورية لشؤون الأسرة والمكتب المركزي للإحصاء بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم)، لتلقي الضوء على أشكال العنف الممارس ضد المرأة وحجمه وأسبابه وعواقبه، في محاولة لتغيير المعادلة القائمة لعلاقة المرأة بالمجتمع.

 

امرأة من أربع..تُضرب!

شملت دراسة صدرت بالاشتراك بين أربع جهات هي المكتب المركزي للإحصاء، والهيئة السورية لشؤون الأسرة، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم)، وطبعاً الاتحاد النسائي السوري الاستطلاع على 1891 أسرة في (14) محافظة سورية قُسّمت إلى (970) أسـرة تنتمي إلى الحضر، و(921) أسرة تنتمي إلى الريف، وأوضحت الدراسة أن جزءاً من العنف الواقع على المرأة ناتج عن أخطاء ارتكبتهاº إذ وصلت هذه النسبة إلى 50.4 % من المبحوثات اللاتي ارتكبن خطأ وعوقبن عليه، مع اختلاف درجة العقاب، باختلاف حجم الخطأ، أو الجرم الذي ارتكبته المرأة طبقاً للأخلاق والعادات المتبعة المتعارف عليها داخل المجتمع.

ولمن العجيب أن الدراسة أوضحت أن امرأة من كل أربع نساء تُضرب في سورية بناء على العينة التي تم دراستها، وهو بالطبع رقم خطير، ويحتاج إلى اهتمام، فهو يدل دلالة قاطعة على أن العنف المتمثل بالضرب يشكل ظاهرة خطيرة في سورية، وليس كما دأب الكثيرون على قولهم: إن الجهات العاملة في هذا الإطار تبالغ في حجم المشكلة.

ونؤكد مرة أخرى إلى أن العنف المقصود هنا ليس فقط الضرب، وإنما يدخل في إطاره الشتم والسب وغيرها من أشكال التعنيف، إذ أوضحت الدراسة أن الشتم يأتي في مقدمة الاعتداءات التي تعرض لها أفراد العينة بنسبة 45. 4 % من مجموع أفراد العينة (نساء ورجال)، ووصلت عند الإناث الريفيات إلى 52. 5 %! أما الضرب فجاء في المرتبة الثانيةº إذ بلغت نسبته بين الإناث الريفيات إلى 52. 2 %! تلا ذلك التحرش من الجنس الآخر بنسبة 15. 4 % عند الإناث في الحضر (التحرش عند الحضر أعلى مما هو في الريف). ثم النشل والسرقة من أفراد العينة بنسبة متقاربة بين الذكور والإناث في الحضر. ثم الاعتداء الجسدي، أي الجنسي.

أما عن الأدوات المستخدمة في ممارسة هذا العنف، فبالإضافة إلى استخدام اليد في الاعتداء، فقد بلغت نسبة الشتم الممارس بالترافق مع الضرب نسبة كبيرة، أما العصا، فقد استخدمت بدرجة كبيرة أيضاً كوسيلة من وسائل التخويف ضد المرأة.

 

العنف.. من الأسرة أولاً!

ومن النتائج الهامة للدراسة أن نسبة كبيرة من مجموع المعتدى عليهن بشكل عام تعرضن لاعتداء من أحد أفراد أسرتهن، مقابل نسبة أقل بكثير من المعتدى عليهم من أشخاص سواء كانوا على معرفة سابقة أو مجهولين، مما يهدد بتنامي العنف الأسري، والذي يقع داخل المنازل هو الأهم والأكثر شيوعاً، ويُعدّ الزوج المسؤول الأول عن هذا النوع من الاعتداء في نحو 54% من حالات الضرب التي وقعت على النساء من قبل أفراد الأسرة، وترتفع في الريف عنه في الحضر.

ومن هذه النتائج السالف ذكرها يتضح أن المشكلة تزداد خطورة يوماً بعد يوم خاصة في ظل تزايد العنف الموجّه للمرأة، والتي تُعدّ اللبنة الأساسية في بناء أجيال المستقبل، هذا بالإضافة إلى العنف الواقع على الأطفال بصفتهم جيل المستقبل، والعنف الذي يؤدي إلى تفكك الأسرة، وانهيار البناء المجتمعي.

وبالطبع تدعو هذه النتائج إلى اتخاذ إجراءات سريعة في سبيل التصدي للمشكلة والتعرف على أسبابها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply