الدخان والتاريخ المجهول


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عزيزي المدخن:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

 تحية من عند الله - تعالى - طيبة مباركة إليك أخي المسلم، طبت أهلا وحللت سهلا وأتشرف بصحبتك على مدى الدقائق الغالية الآتية:

 

هذا الخطاب موجه إليك عزيزي المدخن سواء كنت من الباحثين عن الحل للتخلص من الآفة أو ممن حاولوا مرات عديدة وكان الفشل حليفهم في كل مرة أو حتى إن كنت ممن لا يريد التخلص من التدخين فلم لا تشاركنا القراءة.

 

التبغ نبات من الفصيلة الباذنجانية السامة، وكان أول منشئه من جزيرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية في أول اكتشافها تسمى \'تاباغو\'.

 

 ففي عام 1492م وصل الرحالة الأسباني \' كريستوفر كولمبس\' إلى العالم الجديد \' أمريكة \' ووجد كريستوفر أن السكان الأصليون للبلاد \' الهنود الحمر \' يدخنون لفائف تشبه السيجار فلما عاد إلى أسبانيا حمل معه من ضمن ما حمل من أخبار الاستكشافات عادة التدخين ومن خلال أسبانيا انتشرت زراعة التبغ في أوروبا ومن بعدها في العالم كله.

 

 ففي عام 1560م قام جين نيكوت سفير فرنسا في أسبانيا اشتق النيكوتين من اسمه - بإحضار كمية كبيرة من بذور التبغ من أسبانيا وقدمها كهدية ملكية إلى ملكة فرنسا آنذاك \' كاترين دي مسيس \'

 

 وإذا كانت أوروبا قد عرفت التبغ في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وانتشر فيها في القرن السادس عشر فإن العالم الإسلامي عرف التبغ في أوائل القرن الحادي عشر الهجري وقد انتشر من بلاد الشام أولا باعتبارهم على احتكاك مستمر بالبلاد الأوروبية وعرف عندهم باسم \' الدخان \' أو \' التتن \'ثم عربت كلمة \'تاباغو\' إلى \'تبغ\'.

 

 قال الإمام الحصكفي الحنفي: \' قال شيخنا النجم الغزي الشافعي: والتتن الذي حدث وكان حدوثه بدمشق سنة خمس عشرة بعد الألف\'[1]وكان هذا أول ذكر لتاريخ التبغ في كتب المؤرخين والفقهاء في العالم الإسلامي[2].

 

تاريخ الاتهام والإدانة:

كانت الإصابة بمرض السرطان نادرة الحدوث خلال القرن التاسع عشر الميلادي ولكن خلال القرن العشرين وبتتبع إحصائيات الوفاة لوحظ أن هذا المرض قد أصبح سببا رئيسيا في الوفاة في كثير من بلدان العالم بين الرجال والنساء معا ممن تجاوزوا سن الخامسة والأربعين علما بأن الرعاية الصحية في القرن العشرين كانت قد تطورت بالتأكيد أكثر مما كانت عليه في القرن التاسع عشر.

 

 وبحلول عام 1950م أظهرت الدراسات العلمية في إنجلترة والولايات المتحدة الأمريكية تطابقا غير مسبوق في الربط بين عادة التدخين وحدوث سرطان الرئة.

 

 وفي عام 1954م نشر الباحثون في إنجلترة وأمريكا دراسات مستقلة - بعضها عن بعض تثبت ارتفاع معدل الوفيات بين المدخنين عنه بين غير المدخنين.

 

 وبحلول الستينات تعرض التاريخ الاجتماعي للتدخين والتبغ لمنعطف خطير إذ ظهرت وثيقتان هامتان تم فيهما الكشف عن الآثار الضارة للتدخين على الصحة العامة كانت الأولى هي التقرير الطبي العام الذي أصدرته الكلية الملكية للأطباء في لندن عام 1961م.

 

 وفي عام 1964م قدمت اللجنة الطبية الاستشارية الأمريكية برئاسة كبير الأطباء \'وزير الصحة\' تقريرها عن أضرار التدخين إلى الصحافة العالمية في كتاب بلغت عدد صفحاته \'387\' صفحة عنوانه \'الدخان والصحة\' وقد تألفت هذه اللجنة الاستشارية من عشرة من العلماء كان بيانهم كالتالي: خمسة منهم يدخنون السجائر واثنان يدخنون السيجار وثلاثة غير مدخنين \' أي أن الأكثرية كانوا معتادين على التدخين\' ولقد كانت نتائج مقرراتهم وأبحاثهم بالإجماع وكانت مطابقة تماما لنتائج تقرير الجمعية الطبية الملكية التي نشرت تقريرها عام 1961م وإليكم في سطور نتائج هذا التقرير: \' التدخين ضار بالصحة حتما وسبب رئيس لعدد كبير من الأمراض المميتة وتدخين اللفائف هو المسؤول الأول عن معظم هذه الأخطار ولا تختلف الآثار الضارة بين تدخين اللفائف ذات المصفاة أو بدون مصفاة\'[3].

 

 وقد أدت هاتان الوثيقتان وغيرهما من الدراسات المستقلة إلى إحداث توجه لدى الحكومات لإعلام الناس عن مخاطر التدخين حتى وصل الأمر إلى الإلزام بحكم القانون على من يصنع التبغ والدخان بكافة أنواعه أن يكتب على كل عبوة للسجائر أو الدخان [التبغ] عبارة: \' التدخين ضار جدا بالصحة \' ثم تطور الأمر بالدول إلى إلزام المواطنين بعدم التدخين في أماكن متعددة بدأت بالمطارات والطائرات والمستشفيات والمواقع المهمة في الدولة ثم وصلت إلى منع التدخين في عموم الدوائر الحكومية ووسائل المواصلات والتغريم لمن يتم ضبطه بهذا الفعل.

 

ويقاس تقدم الدول في المجال الصحي على مستوى دول العالم المتقدم بحجم الإجراءات التي تتخذها هذه الدولة للقضاء على ظاهرة التدخين أو تقليصها والتقليل من انتشارها حتى أنه تم سن قانون يمنع شراء التبغ لمن هم أقل من سن 18 سنة كوسيلة للحد من تداول التبغ وأنواعه المختلفة بين الشباب والأطفال.

 

 وخلال الربع الأخير من القرن العشرين تم حسم قضية التدخين علميا: طبيا واقتصاديا، عالميا ودوليا، وفي جميع المحافل الرسمية وغير الرسمية الطبية وغيرها[4] واتضحت آثاره السيئة على الصحة العامة وأصبح المدخن يدرك إدراكا تاما أنه إنما ينتحر ببطء بمحض رغبته وإرادته.

 

مكونات الدخان [التبغ]: تتعدد المواد التي يحتويها دخان السجائر كمكونات رئيسية وهي: -

 

مواد ذات تركيب كيماوي بسيط والأحماض وهي \' مواد مهيجة \'ومواد أروماتية بسيطة منها الفينولات التي تنفرد بعض أنواعها بخصائص مسرطنة ومواد غير عضوية والنيكوتين ومواد مسرطنة.

 

أهم المواد الضارة في الدخان:

[1] النيكوتين: مادة شديدة السمية والجرعة القاتلة منها هي واحد ملليغرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم.

 

[2] مواد مسرطنة: وقد تم التعرف على ست عشرة مادة مسرطنة تتواجد داخل تركيب دخان التبغ منها: القطران المسرطن، والهيدروكربونات عديدة الحلقات المسرطنة وفينولات لها خواص مسرطنة.

 

[3] مواد مثيرة ومهيجة وهي المواد التي تؤثر في الأغشية المخاطية للمدخن ومنها النشادر وعدد كبير من الأحماض الطيارة والألدهيدات وكيتونات وفينولات.

 

[4] أول أكسيد الكربون: وهو غاز سام جدا يتحد مع هيموجلوبين الدم فيمنعه من أداء وظيفته بنقل الأكسجين الضروري من حجرات الرئة إلى داخل الجسم.

 

[5] ثالث أكسيد الزرنيخ: مادة مسرطنة.

 

وتتنوع طرق تعاطي الدخان فمنها تدخين السجائر ومنها استعمال مسحوق التبغ سعوطا أي باستنشاقه من الأنف ومن أشد طرق تعاطي التبغ تحقيقا للضرر هي طريقة مضغه بالفم وهكذا فتنحصر المواد المكونة للدخان في كونها مواد مسرطنة أو مهيجة أو سامة لا غير.

 

 كانت هذه نبذة يسيرة عن تاريخ الدخان من أين نشأ وكيف انتقل إلى العالم القديم من العالم الجديد وكيفية تنبه العلماء إلى حقيقة مخاطره وأضراره على صحة الإنسان ثم بيان موجز للتركيب الكيماوي الخاص به عافانا الله - تعالى - وإياكم من الوقوع في براثن هذا البلاء.

 

----------------------------------------

[1] الدر المختار: شرح تنوير الأبصار كتاب الأشربة الإمام الحصكفي المتوفى سنة 1088هـ.

[2] ملف التدخين محمد أمين عثمان ص 14

[3] محمود النسيمي: الطب النبوي والعلم الحديث ج1/347.

[4] ملف التدخين ص16

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply