إعداد مشروع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تراود الإنسان بين فترة وأخرى فكرة تقض مضجعه، وتؤرقه، يريد من خلالها تحقيق أمر يخدم به أمته، وهذا الشيء يدل على حسن نيته، وطيب معدنه، ولكن التعامل مع الأفكار يختلف من شخص لآخر، ويحكم ردات الفعل تجاه الأفكار عدة أمور منها:

- الخبرة في المجالات العملية.

- الاطلاع والفهم الصحيح لمعطيات الواقع.

- طبيعة الإنسان نفسه من حيث التعجل والتروي، والتفكير وإشباع الفكرة.

هذه الأمور المهمة تعطي ردود أفعالنا صورة من الصحة والخطأ تتناسب عكسياً معها، وحتى تتضح الصورة نأخذ مثالاً فكرة إنشاء جمعية خيرية.

الفكرة جميلة، والهدف منها من خلال المسمى هدف راقي لا غبار عليه، ولكن لا بد من مقدمة لهذا المشروع تقنع المسؤول بأهميته، هذه المقدمة هي ما نسميها \"الدراسة\"، ولابد فيها إضافة للمقدمة المعتادة من توضيح الأمور التالية:

1- الكادر: وهم من سيعمل في الجمعية، وهم إما أن يكونوا:

·         موظفين: ويتولون المناصب الإدارية والمهام الحيوية، ويعملون ضمن إدارة منظمة.

·         متطوعين: ويقومون بالأعمال البسيطة كجمع التبرعات، أو المساهمة في نشر الإعلانات، أو تحضير مادة إعلامية أو دراسية جانبية، وغير ذلك، ولا يعتمد عليهم في الأمور الأخرى لأنهم غير ملزمين بعمل أي شي.

وهذا الكادر ينقسم إلى أربعة أقسام:

·         الكادر المخطط: وهو من ينظر للجمعية في مراحلها الأولى، ويرسم لها أهدافها على مدار المراحل، ولعدة سنوات، ويبين لنا الأهداف وكل ما يتعلق بسياسات الجمعية، وهم فئة خاصة لا بد من توفر عدة شروط فيهم، فهم أصحاب قدرات عقلية تحليلية متميزة في التخطيط والتنظير، وغالباً لا بد من توفر ناحية أكاديمية، كما أنه لابد من توفر خبرة في هذا المجال تساوي أو تزيد عن الناحية النظرية الأكاديمية، ومن خلال التخصص والخبرة يستطيع أن يعطي دراسة المشروع قوته لمعرفته بطبيعة العمل من ناحية، ولكونه متخصص من ناحية ثانية.

ونحن لو تساهلنا من حيث التخصص الأكاديمي فإننا لا يمكن أن نتساهل من حيث الخبرة في العمل الإغاثي لطبيعة الأعمال الإغاثية الخيرية والتي تحتاج تخطيطاً خاصاً يضمن لنا القوة في العمل المقدم، وموافقته لمنهج أهل السنة، مع الانضباط ضمن قوانين الدولة التي سنعمل فيها، أو حتى الدول التي ستسمح لنا بفتح مكاتب داخلها.

·         الكادر الإداري: فإذا انتهينا من التنظير وعرض الأمر على المسؤولين، وتمت الموافقةº وجب البحث عمن يدير لنا المشروع، ويجب في هذا الكادر التالي:

·         الخبرة الإدارية الكافية مع ملاحظة أن الكافية لا تعني بالضرورة الكبيرة بقدر ما تعني المتمكنة.

·         المستوى التربوي العالي، فالعمل الخيري ليس كالعمل التجاري فلا بد فيه من توفر ناحية شرعية مناسبة مع توقير لأهل العلم، والقدرة على موازنة المصالح والمفاسد مع وجود المؤثرات، والعلم بالأولويات في الدعوة وغير ذلك من الأمور التي يجب أن تميز مديري الجمعيات الخيرية.

·         بعد النظر والهدوء والتروي، والعمل بصورة جماعية تضمن الاستماع لكل الآراء، وإكمال الصورة عند البدء في أي عمل.

ولا بد من الحذر في اختيار هذا الكادر، لأن العمل سيقوم عليه بصورة كبيرة، فلا يختار أي شخص بل نتحرى الدقة.

ولعل مختصر القول في صفاته هو: (القوي، الأمين)، فالقوة هنا: التميز الأكاديمي والخبرة، والأمانة هنا: التربية والتفكير.

وأؤيد أن يدعم هذا الكادر بكل وسيلة تريحه ليتفرغ للمشروع وليشعر بالأمان، فإنه من خلال التجربة أرى أن شعوره بالأمان سيجعله يبذل أكثر، ويبدع في طرحه، ويستمر العمل بصورة قوية متجددة مميزة.

فيما يتعلق بالكادر المخطط والكادر الإداري لا أنصح بالتالي:

  • لا تكلف المتطوع بهذا الأمر بل عين موظفاً بمرتب، فإن المتطوع غير ملزم، ولكن الموظف سيهتم بالأمر على الأقل كوظيفة أسندت إليه، ويسهل محاسبته على التقصير فيها.
  • حدد الزمن لكل مرحلة بما يريح الكادر، ومن ثم طالبه بالنتيجة، فلا يمكن ترك الأمر دون محاسبة، كما أنك لا تستطيع أن تحدد وقتاً وأنت لا تملك القدرة والخبرة، ولهذا دع الأمر له، وطالبه بالنتيجة بناءً على الزمن الذي حدده لك.

·         الكادر المنفذ: وهم موظفي الجمعية وقد سبق القول في هذا الجانب.

·         الكادر الداعم: وهم من سيقومون بتمويل الجمعية ومشاريعها، ويكونون عادة تجاراً أو أمراء، ويمكن أن يكون الداعم فرداً أو مؤسسة، جهة حكومية أو أهلية، ولكن لا بد في كل الأحوال من توفر الدراسة القوية التي تقنع الداعم بأهمية وجدوى وضرورة المساهمة والدعم.

2- الشرائح: أعني الطبقات التي ستتعامل مع الجمعية، وتستفيد منها وهم قسمان:

·         منفذة: وهم الكوادر التي تكلمنا عنهم سواء أكان مخططاً أو إدارياً، أو منفذاً أو داعماً.

·         مستفيدة: وهم كل من ستقدم له خدمة من خلال أنشطة الجمعية سواء أكانت الخدمة تعليمية أو إغاثية، مهارة أو دراسة.. وغير ذلك، وسواء أكانت الخدمة شخصية كعلاج وتعليم، أو عامة كبناء مدرسة أو طباعة مناهج، فكل من تصل له الخدمة أياً كان نوعها وحجمها فهو مستفيد من الجمعية.

3- الموازنة: وهذه النقطة مهمة لأنها ستحدد المبالغ التي نحتاجها لعمل أي مشروع خيري سواء أكان دعوياً أو إغاثياً، وحتى نقنع الداعم بجدوى الأمر لا بد من عمل إحصائيات لكل شي سنفعله، فالداعم من خلال ما سيقرأ سيقرر إن كانت المساهمة في الجمعية مفيدة له أو لا.

أنا لا ألوم أي داعم يرفض دعم أي مشروع ناقص في حساب التكاليف لأن عمل الموازنة يدل على قوة وتمكن القائمين على النشاط، ومن خلال هذه الأمور تزرع الثقة والطمأنينة في نفس أي متعامل معنا.

فرق بين أن أثق فيك كشخص أتعامل معه، وبين أن أطمئن لقدراتك التنظيمية، فلربما كنت صالحاً، ولا يطعن في دينك وأمانتك، ولكنك ضعيف إدارياً وتنظيمياً، وبالتالي ستبدد أموال المسلمين في مشاريع لا فائدة منها ولا تعود بجدوى.

4- الأهداف: التي أريد الوصول لها من خلال عملي الذي أنوي القيام به، فإنشاء عمل كبير كجمعية لا بد وأن ينبع من خلال قناعات معينة منها على سبيل المثال:

·         خلو الساحة من أي عمل مشابه، وبالتالي استشعار الحاجة لمثل عملي، وهذا سيجعلنا نؤكد على بعض القضايا:

- هل نحن وحيدون في الساحة لمثل هذا المشروع أو لا؟

- فإن لم نكن وحيدون فهل سنقدم خدمة متميزة أم لا؟

- ما الفرق بيني وبين غيري؟

- وهل هناك حاجة لاستقلالنا في جمعية جديدة أم لا؟

- وهل يمكن الدمج بيننا وبين جمعيات أخرى أم لا؟

- وإن حصل الدمج هل سنخسر شيئاً من سياساتنا وأهدافنا وبرامجنا أم لا؟

تساؤلات مهمة يجب الإجابة عنها بتعقل وترو، فهي أبسط ما يتبادر إلى الذهن، ولكنها تدل على تعقل، ومعرفة بالواقع، ومعايشة للأحداث، وربما لا نحتاج أن ننشئ عملاً جديداً بقدر ما نحتاج إلى ترتيب أفكارنا، وعرضها بصورة دراسة جادة شاملة ومتكاملة لأي جميعة موجودة في الساحات لتبني مشاريعها، وأنا واثق أن هناك الكثير من المشاريع ستجد ألف باب يفتح لها لو عرضت بصورة سليمة، كما أنني واثق أن الدعوة إلى المسلمات ستجد صداً لو كان هناك غموض في المسلم، وعدم اتضاح في الطرح.

·         عدم التعارض بين ما نريد أن نفعل وبين أنظمة الدولة المستضيفة.

·         المطابقة بين الأهداف والبرامج.

·         الملائمة بين البرامج والشرائح.

·         التميز في التخصص، فالتدريس يختار له كفاءات متخصصة في مجالاتها، والإدارة كذلك.. وهكذا.

5- السياسات التي تحكم المشروع، واللوائح والأنظمة التي لا بد أن تتوافق مع أنظمة الدولة التي ستقام فيها الجمعية، وهذا نظام دولي لا مجال فيه للعاطفة، بل لا بد من الوضوح فيه منعاً للإحراج، وتحسباً لأي وضع قانوني.

6- البرامج التي من خلالها سيتم العمل، وتصل الفكرة للمستفيدين، وتطبيق السياسات التي على ضوئها يعمل الموظفين.

أمر آخر لا بد من الانتباه له وهو: أين سيكون مشروعي؟ وفي تصوري أن الأماكن الموجودة هي كالتالي:

1-      دول عربية.

2-      دول خليجية وهي الأنسب في نظري لأي مشروع خيري نظراً للأمور التالية:

·         وضوح الشعائر الإسلامية.

·         كثرة الداعمين نظراً للحالة الاقتصادية الطيبة.

·         التنافس فيما بينها على إظهار هذه المشاريع.

عن نفسي أؤيد أن يقام النشاط الخيري عموماً في دولة خليجية، وحبذا أن يكون في السعودية أو قطر، أو الإمارات أو الكويت فهي الأنسب في نظري، وبالنسبة للسعودية أعلم أن الدولة الآن تتبنى المشاريع ذات الدراسة الجيدة وتدعمها، ولهذا أؤيد أن يكون العمل الخيري مرتبطاً بها للأسباب التالية:

·         أن قدسية المكان ستعطي مشروعي قوة في نظر المسلمين من خارج الخليج.

·         توفر البيئة المناسبة، وكثرة أهل الخير والداعمين والعلماء.

·         وفرة النشاط الخيري الذي يمكن أن أستفيد منه في عملي.

·         إمكانية ارتباط الجمعية بمؤسسات الدولة مع البقاء على قوتها.

·         توفر مساحة كافية في قوانينها للتعامل مع الجمعيات الخيرية، وتقديم الكثير من المشاريع النافعة والمفيدة.

والأمر هذا كله يدور حول (الدراسة الجيدة)، ولهذا لا ينبغي التساهل في هذا الأمر.

3-      دول أخرى وغالباً الجمعيات السلفية في معتقدها ستجد تعارضاً مع أنظمة الدول العربية الأخرى نظراً للأمور التالية:

·         اختلاط المجتمع بين عدة أديان أو قوميات.

·         قلة الداعمين نظراً للحالة الاقتصادية المتدنية.

·         مقاومة الأنشطة الإسلامية القوية، وبالتالي إيقاف النشاط أو دمجه ضمن مؤسسات الدولة.

4- دول أجنبية: دول أوربية وهي تناسب بعض الأعمال، ودول آسيوية وهي مناسبة نوعاً ما نظراً للتعاطف مع المشاريع الإسلامية في بعض الدول، ولكن العقبة المادية تحول بين الانتشار، وكذلك ضعف الدول السياسي.

5- غير ذلك كبعض دول إفريقيا وخلافها، ولكنني لا أنصح بغير الخليج عموماً والسعودية خصوصاً نظراً لما ذكر من الأسباب.

 

ملحوظات عامة:

·         التنقيط في عرض الفكرة، والبعد عن الكلام الإنشائي.

·         المطالبة بالناحية العملية في المشروع (الدراسة، السياسات، آلية التنفيذ، صفة الوجود).

·         الاعتماد على الكوادر الموظفة رسمياً، والاستفادة من المتطوعة، ولكن يبقى الأصل هم الموظفون.

·         محاولة الارتباط بالجهات الحكومية، بل ضرورة الارتباط ومن خلاله يتوفر لنا:

-          الدعم ولو كان بسيطاً.

-          الأمن كون الجهة التي تغطي المشروع هي الدولة.

-          الرسمية كوني دائرة شبه حكومية.

·         ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولا بد من بعض التنازلات التي تفرضها المتغيرات السياسية للبلاد.

·         محاولة توحيد الجهود مع الجمعيات القائمة، والاستفادة من كل الطاقات.

·         دراسة الجمعيات الخيرية وربما الحركات الإسلامية لمعرفة التخصصات الموجودة، وكيف بدأت وكيف انتهت، مع التأمل في السلبيات والإيجابيات.

·         البعد عن التالي:

- كل ما قد يثير الخلاف بين الكادر الإداري الذي اتفقنا على تميزه التربوي.

- العشوائية في العمل وضعف التخطيط.

- كل من يشك في توجهه وفكره، والأخذ بالعزيمة في حق المسؤولين (الإدارة) بمعني لا تعطى إدارة الجمعية إلا لمن تثق في دينه وعلمه، وهذا لا يتعارض مع المبدأ القاضي بالاستفادة من الجميع، ولكن الفرق يكمن في كون الإداري متميز تربوياً، وصافي عقدياً.

هذه النقاط هي قصاصات أرجو أن أكون قد وفقت من خلالها لوضع التصور الذي يساهم بفاعلية في تكوين عمل إسلامي ومركز خيري دعوي إغاثي والله الموفق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply