تحمل المسؤولية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فك الحروف والكلمات:

ما معنى هذه الرسالة الايجابية؟؟ إنها تعني أن الإنسان لن يتوصل إلى القيادة الكاملة لنفسه، حتى يتحمل المسؤولية الكاملة لمشاعره وتصرفاته، فلا يلقي باللوم على الآخرين عندما يخطئ أو يتسبب في خطأ، فالضعيف هو الذي يتهرب من المسؤولية ويلقي باللائمة على الآخرين، لأنه لا يملك القوة للاعتراف بخطئه، ولهذا السبب فإن الأخطاء والعيوب ونقاط الضعف تستمر فيه، وتتراكم عليه، مما يسبب ازدياد ضعف القوة الداخلية لديه، ولهذا السبب كان التدريب على تحمل المسؤولية كاملة أحد أهم الخطوات في تنشيط القوة الداخلية.

 

أحد أسباب الغضب:

ما علاقة الغضب والهيجان بقضية \"تحمل المسؤولية\"؟

إن أحد أهم أسباب الغضب والهيجان أن الذي لا يتحمل المسؤولية عندما يخطئ أو يتسبب في الخطأ ثم يوجه له العتاب أو اللوم أو المساءلة بما أخطأ يرفض الاعتراف بذلك، وعندما يصر الآخرون على توجيه ذلك اللوم إليه، فإنه ينفجر ويرفض بغضب ما وجه إليه، لأنه يعيش وهم الكمال والعصمة، ولا يتحمل أبداً الحديث عن أي عيب من عيوبه.

العظماء يعترفون: على مر التاريخ، وفي جميع العصور والمجتمعات لا نرى أحداً يتصف بتحمل المسؤولية كاملة، ويعترف بخطئه دون إلقاء اللوم على الآخرين إلا العظماء والناجحون، وكان أول هؤلاء الناجحين سيدنا وأبونا آدم - عليه السلام - عندما أخطأ بمخالفة أوامر الرحمن بالامتناع عن الأكل من تلك الشجرة فاعترف بخطئه قائلاً:( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) (23) (الأعراف).

 

اعتراف خاتم المرسلين:

لا بد أن نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - معصوم فيما يبلغ به عن ربه، أما الأمور البشرية البحتة، فمن الممكن أن يخطئ فيها كسائر البشر، كاجتهاده فيمن يركز عليهم من قريش في دعوته، وعبوسه في وجه عبد الله بن أم مكتوم عندما جاءه يطلب التعلم وهو مشغول مع علية القوم.

فعاتبه ربه في ستة عشر آية من سورة عبس بقوله: ( عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2) وما يدريك لعله يزكى (3) أو يذكر فتنفعه الذكرى (4) أما من استغنى (5) فأنت له تصدى (6) وما عليك ألا يزكى (7) وأما من جاءك يسعى (8) وهو يخشى (9) فأنت عنه تلهى 10 كلا إنها تذكرة 11) (عبس).

فكان كلما التقى بعبد الله بن أم مكتوم بعد ذلك، قال له: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، وأدناه من مجلسه، اعترافاً بخطئه معه، - صلى الله عليه وسلم - ورداً لاعتباره(1).

واعترافه - صلى الله عليه وسلم - بخطئه عندما أشار على زارعي النخيل بعدم تلقيحه، فعن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يلقحون فقال: \"لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج، فمر بهم فقال: ما لنخلكم ؟ قالوا: قلت كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم\"(2).

وفي رواية لمسلم أيضاً قال - صلى الله عليه وسلم - : \"إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إن حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله - عز وجل -\".

 

اعتراف صاحب الحوت:

وهذا سيدنا يونس - عليه السلام - يعترف بخطئه عندما ترك قومه بعد أن يئس منهم، فعاقبه الله - تعالى -بالتقام الحوت له،( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى\" في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) 87(الأنبياء).

يقول الإمام الطبري: نادى بهذا القول معترفاً بذنبه، تائباً من خطيئته إني كنت من الظالمين في معصيتي لك(3).

 

واقع مر:

إن مما يحز في النفس أن نرى أصحاب القرار في الدول الأوروبية والولايات والمتحدة واليابان إذا أخطأ أحدهم أو حدث خطأ جسيم في وزارته فإنه يعترف بهذا الخطأ ويقدم استقالته، متحملاً كامل المسؤولية عن ذلك الخطأ، وهو جانب من جوانب النجاح في تلك البلاد، بينما نجد الكثيرين من أصحاب القرار في بلادنا الإسلامية يغرقون بالأخطاء الخطيرة، ولا يعترف أحد منه بالخطأ، وهذا جانب من جوانب التخلف في بلادنا.

 

------------------------

الهوامش:

(1) صور من حياة الصحابة 2-116 دار النفائس.

(2) صحيح مسلم 2363

(3) مختصر تفسير الطبري 2-60 ط-دار القرآن.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply