أم أنه ناب أزرق جديد.. يضاف إلى باقي الأنياب الفكرية التي تفتك بعقولنا وهوياتنا ليل نهار..
يتم غرزه تدريجياً في خاصرة الأمة.. على حين غفلة.. أو (استغفال)!
الناب الجديد الذي فتح الثغرات في عقولنا، وأحدث شقاً عميقاً في هويتنا المهترئة.. هو ناب الإعلام.. هذا الغول الذي ظننا أنه مجرد عفريت صغير يكبر ويلهو أمام أعيننا، يمكن صرفه بسهولة وإعادته إلى داخل \"القمقم\" إذا أردنا ذلك.. بحكة بسيطة على مصباحه المنير!.. وتركناه وشأنه.. كعلامة على تقدمنا الحضاري.. وأفُقـنا الديموقراطي الحر.. واتبعنا سنن من كان قبلنا في نقل المعايير ووسائل تقييم النمو الحضاري حذو القذة.. بالفرجار الثقافي والإجتماعي تارة.. وبالمكيال الإقتصادي الذي لا يملك من الحس العملي.. إلا اقتفاء رائحة الدولار!.. واعتبرنا أن معيار التقدم الأخلاقي.. يقاس بمدى تفسخنا الإعلامي.. وتفلتنا من أي قيد بدعوى الحرية الإعلامية!!
المصيبة التي لا أريد التحدث عنها هي تنحى الأخلاق وضوابط الشرع عن إعلامنا بشكل عام!
ولذلك.. فيكفيني ما قد يشعر به المسلم البسيط من غزو انحلالي فاسد، يقتحم عليه بيته وعمله، ويشاركه في الأموال والأولاد ويعده الغرورَ والثبورَ.. ويعتصر ثمرة فؤاده وعقول أكباده التي تطأ الأرض بجانبه، ليرى أجيالاً بشرية تقطع الليالي والأيام سائرة إلى.. لا شئ.. فقط حافة ضيقة زلقة.. لهاوية السقوط الحر!!
وإنما أريد بحديثي هذا.. أن أفضَّ بأسناني ومخالبي غشاء الخداع والزيف الذي يغلف إعلامنا بغلاف فضفاض لامع، يعكس على وجوهنا علامات حائرة باهتة.. تسأل عن مصير القافلة التي أصبح بين يوم وليلة حـدَّاؤها مجموعة من الأفاقين الأفاكين.. تلوك ألسنتُهم لحومنَا وأعراضنا بتلذذ عجيب مريب.. وتدك قلاع ديننا بشئ من الحرفية المنظمة، في تتابع لا يفتر.. وعزيمة لا تخور.. وهدفٍ, لا حيدة ولا تراجع عن السير إليه.. قد ارتدوا عقالاً وشماغاً.. ويقهقهون بالعربية الفصحى أحياناً.. وبما تلهج به ألسنة العرب على اختلاف مشاربهم.. ساترين بذلك أحذية المارينز الضخمة.. التي يطأون بها جماجمنا وأشلاءنا في سعيهم المبارك.. لقطع شجرة الدين وما قرب إليه من قول أو عمل!!
فجأة.. أصبحت كراسي الإعلام في بلادنا لا تحمل فوقها إلا مؤخرات منتة.. تربت وترعرعت في مرابض الخنازير.. تغذت بالذل وفُطمت على استحسان الخزي والعار، خلعت عقولها وأرواحها في صفقة شيطانية ماجنة، ليحل في هذه الأجساد الخاوية.. أرواح شريرة.. ونفايات طالما بحثت لها عن مستقر آمن، نظرة لا تجلب لنا إلا كل كآبة وإحباط.. كيف تسلل هؤلاء بين أظهرنا وإرتقوا الرؤوس وإعتلوا الأكتاف.. وتخطوا الأكابر والشرفاء؟!.. في فترة زمنية طويلة تم الإعداد لها جيداً، قاربت الخمسين عاماً، تغير كل شئ.. وأصبح الإعلام بكافة روافده، والذي يقتات الناس منه ثقافات وهويات.. وقضايا وثورات.. وآراء الرجال وأحلام الأجداد، أصبح هذا المعلم الحضاري البارز مجرد ثقب أسود.. يسحق هويتنا وماضينا وحاضرنا في هوة سحيقة، ويجذب إليه النفايات وثقافة العار والاستسلام، لتختلط بها دماؤنا عن غصب وإكراه.. ولئن كنا -نحن الأقدمون- قد علمنا الخير وطعمناه.. فبانت لنا قرون الشر علانية.. فما بال أجيال ولدت وعاشت في زمن الانكسار والحسرات، وما ذاقت يوماً طعم عزةٍ, ولا نصرٍ, ولا أمانٍ, في ظل هوية سليمة قوية سامقة.. كيف بهم.. وآهٍ, لهم!!؟
إعلامنا ذو الناب الأزرق المسموم.. بات يهدم في ثوابتنا بطريقتين ناجعتين: استبدال وإحلال!
أما الاستبدال.. فهو أساس المشكلة.. وزعاف السم الذي سال من مقدمة الناب المسلط علينا، فالذي يتم استبداله ببساطة هو كياننا وهويتنا.. انتماؤنا وجذورنا.. عربيتنا وفصاحة ألسنتنا.. صلاتنا وصيامنا.. دعاؤنا على من ظلمنا.. تميزنا عن غيرنا.. قدرتنا على بُغض من نشاء وحُب من نشاء.. أرضنا وسماؤنا.. تاريخنا ومستقبلنا، كل ذلك يُستبدل في هدوء وسكينة ووقار تحيط به الأضواء والكاميرات والصخب الزائف، مؤامرة أشبه بالجريمة المنظمة.. إلا أنها مافيا الإعلام العربي!!
الاستبدال لا يحدث أيها السادة إلا لكوننا أردنا ذلك!.. لم نُستبدل وتُسرق منا أحلامنا إلا بموافقة ممهورة بختم.. وبصمة عقل.. وتوقيع من مثقف جاهل!.. حين توافقت أهواؤنا مع نفايات أعدائنا.. حدثت المعجزة.. وسُرقت أجيال وأجيال من شباب المسلمين! وأصبحنا في هزلية شنعاء.. نضحك ملء النواجذ.. وأقدامنا تتحسس الأرض فلا تجد إلا منزلقاً رخواً.. صرنا الآن نبحث عن علاج ودواء لأسقام ما كان لها أن تنبت في لحومنا وعقولنا.. في الوقت الذي ما يزال فيه النزف مستمراً.. والسقوط مدوياً.. وإعلامنا يحفر تحت أقدامنا هوة لا قرار لها!
وبعد الاستبدال.. يأتي الإحلال!.. ونرى عقولا تم حشوها بالمنتجات الرخيصة.. المقطوعة النسب والمجهولة الهوية.. انتماؤنا تم إحلاله (إعلامياً) بفرجٍ, آمن.. وكرش دافئ!.. إحكام منضبط لعملية أشبه بالإخصاء العقدي والفكري تحدث الآن.. بعد أن اجتزنا مرحلة الاستبدال بجدارة لا نظير لها.. وبدلاً من أن نبحث عن علاجٍ, بمنطقية الباحث الذكي.. بأن نعود من حيث أتينا لنحكم القبضة على هويتنا المتفلتة، والتي تستبدل على مدار الساعة.. صرنا أسوأ من نعامة داهمها جيش من الأسود.. وأحكمنا دفن رؤوسنا بالرمال.. ولا حديث لنا إلا عن: كيف نقاوم الإحلال.. مع أننا قد استبدلت هويتنا بالفعل!!
لا سبيل للنجاة.. إلا بمقاومة الاستبدال الإعلامي المقنن.. وليس الإحلال فقط!.. والغباء أن نحارب كل مسوخ العالم التي نراها في بيوتنا وعلى فرشنا.. ونحن بلا أرضية صلبة.. سُلبت منا في عمليات التطهير العرقي للهويات.. استبدلت منذ زمن وضاعت معها جذور كثيرة.. وما بقى لا يكفى في ظل هذه الحرب الشعواء. الاعتراف بأننا هزمنا في الموقعة الأولى لا مفر منه.. وعلينا تحديد الخسائر وحصرها.. وكما أراها أمامي.. فإن خسارتنا الكبرى في هويتنا التي ذابت.. وتلبس بها ما ليس منها ثم أُشربت لصغارنا وشبابنا على أنها ديننا وهويتنا الصحيحة!
بحاجة لوقفة جادة.. تتبعها وقفات ووقفات!
مفروس
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد