( هذه سبيلي ) (2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فتقدم الحديث عن المعلم الأول للسبيل، المستمد من قول الله - تعالى -: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).

 

المعلم الثاني: الإخلاص، المستفاد من قوله: (أدعو إلى الله): فالدعوة إلى هذا السبيل دعوةٌ إلى عبادة الله وحده، والدخول في دينه، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك. وليست دعوةً قوميةً، ولا إقليميةً، ولا لتحقيق أمجادٍ, شخصية. قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، - رحمه الله -، في مسائله على كتاب التوحيد: (التنبيه إلى الإخلاصº لأن كثيراً لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه)!

وأمر الإخلاص عظيم، وهو في نفس الوقت خفي، لا يطلع عليه إلا علام الغيوب. والنفس، والهوى، والشيطان، تتناوشه من كل جانب، ولا يُعصم إلا الموفقون. يلتبس لدى كثير من الناس، وإن بدا صالحاً، غيوراً، متنسكاً، أمر الدعوة إلى الله، بأمر الدعوة إلى النفس، بدرجات متفاوتة. وهذا الالتباس المسمى (الرياء) ربما قوَّض العمل من أصله، ونسفه من أساسه، وربما أوهنه، وأضعفه.

ولم يزل أنبياء الله يعربون بشكل واضح، وإعلان جلي، عن ربانية هذه الدعوة، وخلوصها من حظوظ النفس، كما قال نوح، وهود، وصالح، ولوط، - عليهم السلام -، عبارة واحدة: (وَمَا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ, إِن أَجرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ) [الشعراء: 109، 127، 145، 164]، وقال خاتمهم، محمد - صلى الله عليه وسلم -: (قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً) [الشورى: 23]

ومن هنا جاءت عناية السلف الصالح بتحقيق الإخلاص، وتعاهده، عظيمة، ودرايتهم بآثاره وثماره واعية. عرّفه سهل التستري، - رحمه الله -، فقال: (أن تكون حركته، وسكونه، في سره، وعلانيته، لله - تعالى -، وحده، لا يمازجه شيءº لا نفس، ولا هوى، ولا دنيا). قال يوسف بن الحسين، - رحمه الله -: (أعز شيء في الدنيا الإخلاص. وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فكأنه ينبت على لون آخر)!

وحين يستيقن الداعي أنه يدعو إلى الله، لا إلى سواه، وتخلص نفسه من حظوظ نفسه، وتخلص نفسه من إرضاء الأصحاب والمشايعين، فضلاً عن الخصوم والمخالفين، يستنير قلبه، ويجتمع همه، وتنطلق طاقاته المكنونة في الاتجاه الصحيح. وما أحوج الدعاة إلى طول درس، وعمق نظر، في مسارب النفوس، وتلونها، والبصيرة في عواقب الأمور ومآلاتها، إذاً لاستراحوا من آفات كثيرة، من جنس:

1) حب الظهور، والتصدر، لغير الله.

2) حب التفوق وملاحظة الأقران.

3) محبة انخفاض الآخرين.

4) التعلق بالألقاب والمقامات، وحب الثناء.

5) اتخاذ العلم سلماً للمطامع الدنيوية المادية.

6) التعرض للطبوليات، إي مسائل الشذوذ والشهرة، كما قيل: (زلة العالم مضروب لها الطبل).

7) الشغب، والاشتغال بالأغلوطات، لاستجلاب الأنظار.

8) كتمان الحق، وربما قول الباطل، والإحجام عن البيان، خوفاً من التصنيف.

إن الإخلاص في الدعوة، كما في سائر العبادات، منار السبيل، وحياة القلوب، وحلاَّل العقد، والغذاء الكافي، والدواء الشافي، الذي لا يستغني عنه سالك السبيل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply