بسم الله الرحمن الرحيم
منذ مدة قصيرة دُعيتُ إلى المشاركة في العمل التطوعي الخيري الميداني، فلبّيته مهرولة والسعادة تغمرني، ولكن ثمة سؤال في ذهني يلحّ عليّ قائلاً: ما هو سبب هذه الفرحة الغامرة التي تجتاح نفسك لاسيما وأنت تُدعين بمعدل شهري أو أسبوعي إلى دعوات مختلفة سواء الخاص منها أو العام، كالندوات أو المؤتمرات أو اللقاءات أو الاجتماعات، فلا تلبّين وإن لبّيتِ فلا تسعدين السعادة الداخلية الحقّة؟!
فكانت الإجابة واسعة متعددة الأفرع، حيث إن العمل التطوعي خصوصاً حينما يكون جمعياً يحقق للفرد والمجتمع فوائد عديدة، فيشعر معه الإنسان رجلاً كان أو امرأة بأنه في أحضان أسرة كبرى أفرادها متوادون متراحمون متكاتفون وقد طردوا الأنانية البغيضة من بينهم، لاسيما الأنثى حيث يتلاءم العمل الخيري مع طبيعتها التي جبلها الخالق - سبحانه - على الحنوّ والاحتواء المتلائمين مع مشاعر الأمومة الفياضة.
والأهم من ذلك أن ديننا الإسلامي دين منهج وحياة وتكافل وتعاون، والآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تزخران بالحث على أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، بل الثناء ثناءً بالغاً على من ارتقت به نفسه فوق ذلك حيث قال - تعالى -{وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ}، ولكنه لم يجعل الأمر مجرد ثناء بل طمأن النفس البشرية الطماعة حينما قال في محكم تنزيله: {فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, خَيرًا يَرَهُ وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, شَرًّا يَرَهُ}، فالعمل التطوعي هو الجهد المحتسِب الذي لا يصبو إلى أجر الدنيا الفانية، وإنما يريد بعمله أن يربو في مصرف الآخر الباقية، فالمتطوع أو المتطوعة إنما يقدمان جزءاً من جهدهما ووقتهما وربما مالهما في مقابل تقدم مجتمعها ورقي أبناء وطنهما.
ولعل أكبر سبب لسعادتي بدعوة العمل الخيري الميداني: هو أننا مللنا الأقوال والتنظير وحان وقت وضع النقاط على الحروف بمباشرة احتياجات المجتمع ودعم الولاء للدين والوطن فالجهد الرسمي وحده لا يكفي إن لم يدعم بجهد شعبي وأهلي، ولا سيما أن الخير هو فطرة المسلم منذ فجر الإسلام وهو ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات البهيمية، وذلك بتلبية الاحتياجات الاجتماعية لمقاومة أعاصير الفقر، واليُتم، والجنوح، والأوبئة المتفشّية خلُقياً وبدنياً ونفسياً، مما يساهم في تهذيب شخصيات المتطوعين ورقيها وينمي قدراتها على التواصل مع الآخرين، ويتلاءم مع الرغبة الإنسانية في العطاء والتضحية وتبادل المنافع والاحتياجات، فالحياة دُول والدنيا يومان يوم لك ويوم عليك.
فبادري أختي المسلمة لممارسة العمل الخيري التطوعي حسب قدراتك وملاءمة ظروفك، لكي تتحرري من شرنقة الفراغ، وتتخلصي من قوقعة الأنانية وعشق الذات، ولترتقِ فوق سفاسف الأمور والانغماس في مظاهر الدنيا وهواجس النفس الأمّارة بالسوء، لتكوني من الذين قال عنهم - تعالى -:
{يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ}، واختاري من أعمال الخير أقربها لنفسك وأكثرها ملاءمة لشخصيتك، حتى لو مارست ذلك وأنت في منزلك، وهي أعمال متنوعة متعددة، مثل: رعاية الأيتام معنوياً أو مادياً، ومقاومة الفقر الاجتماعي عن طريق التكافل والصدقة أو الدعوة إليه والكشف عن مواطنه فالدالّ على الخير كفاعله، وكذلك رعاية أسر السجناء المعوزين، ومدّ يد العون للمشاريع الصالحة مثل: تزويج الشباب وحل القضايا الأسرية وإصلاح ذات البين ورعاية الأرامل والمطلقات، ودعم الطلبة والطالبات الذين هم في عوز وحاجة، وكذا الاهتمام بالرعاية الصحية كممارسة التمريض ومكافحة الإدمان، وكل ذلك بالقول، أو الفعل، أو الكتابة، في العلانية والسرّ معاً، واضعة نصب عينيك إن (الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً).
فتلمسي أيتها المرأة المسلمة أيّ أمور الخير تستطعين أداءه، لتكوني عنصراً فعالاً في أمّتك، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، ولا تتواني في ذلك لأن العمر جدّ قصير وصحيفة أعمالك بانتظارك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد