عمر المختار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

رَكَـزُوا رُفـاتَكَ فـي الرّمـال لِـواءَ  * * * يَســتنهضُ الـوادي صبـاحَ مَسـاءَ

يـا وَيحَـهم! نصبـوا مَنـارًا مـن دمٍ, * * *  تُوحِــي إِلـى جـيل الغـدِ البَغضـاءَ

مـا ضـرَّ لـو جَـعلوا العَلاقَة في غدٍ,* * *  بيــن الشــعوب مَــوَدَّةً وإِخـاءَ?

جُـرحٌ يَصيـحُ عـلى المدَى، وضَحِيَّةٌ* * *  تتلمَّسُ الحريَّـــــةَ الحــــمراءَ

يأَيٌّهــا الســيفُ المجــرَّدُ بـالفَلا* * *  يكسـو السـيوفَ عـلى الزمان مَضاءَ

تلــك الصحـارى غِمـدُ كـلِّ مُهَنِّـدٍ,* * *  أَبــلَى فأَحســنَ فـي العـدوِّ بَـلاءَ

وقبــورُ مَـوتَى مـن شـبابِ أُمَيَّـةٍ, *  * * وكهــولِهم لــم يبرَحُــوا أَحيـاءَ

لــو لاذَ بــالجوزاءِ منهـم معقِـل* * * دخــلوا عــلى أَبراجِهـا الجـوزاءَ

فتحــوا الشَّــمالَ: سُـهولَهُ وجبالَـهُ* * * وتوغَّلــوا، فاســتعمروا الخـضراءَ

وبَنَــوا حضـارتَهم، فطَـاوَلَ ركنُهـا* (دَارَ الســلامِ)، و(جِــلَّقَ) الشَّـمّاءَ

خُـيِّرتَ فـاختَرتَ المبيـتَ على الطَّوَى * لــم تَبــنِ جاهًــا، أَو تَلُـمَّ ثَـراءَ

إِنَّ البطولــةَ أَن تمـوتَ مـن الظَّمـا * ليس البطولـــةُ أَن تَعُــبَّ المــاءَ

إِفريقِيــا مَهــدُ الأُســودِ ولَحدُهـا * ضجَّــت عليــكَ أَراجـلاً ونسـاءَ

والمسـلمون عـلى اخـتلافِ ديـارِهم * لا يملِكـون مـعَ الـمُصَـابِ عَـزاءَ

والجاهليــةُ مــن وَراءِ قُبــورِهم* يبكــون زَيــدَ الخــيل والفَلحـاءَ

فــي ذِمَّــة اللـهِ الكـريمِ وحفظِـه * جَسَــدٌ (ببرقة) وُسِّــدَ الصحــراءَ

لـم تُبـقِ منـه رَحَـى الوقـائِع أَعظُمًا * تَبــلَى، ولــم تُبـقِ الرِّمـاحُ دِمـاءَ

كَرُفــاتِ نَســرٍ, أَو بَقِيَّــةِ ضَيغَـمٍ, * باتـــا وراءَ السَّـــافياتِ هَبــاءَ

بطـلُ البَـداوةِ لـم يكـن يَغـزو على * \"تَنكٍ,\"، ولــم يَـكُ يـركبُ الأَجـواءَ

لكــن أَخـو خَـيلٍ, حَـمَى صَهَواتِهـا* وأَدَارَ مـــن أَعرافهــا الهيجــاءَ

لَبَّــى قضـاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهجَـةٍ,* لــم تخــشَ إِلاَّ للســماءِ قَضـاءَ

وافــاهُ مَرفــوعَ الجــبينِ كأَنــه* سُــقراطُ جَــرَّ إِلـى القُضـاةِ رِداءَ

شَــيخٌ تَمــالَكَ سِــنَّهُ لـم ينفجـر * كـالطفل مـن خـوفِ العِقـابِ بُكـاءَ

وأَخــو أُمـورٍ, عـاشَ فـي سَـرَّائها * فتغـــيَّرَت، فتـــوقَّع الضَّــراءَ

الأُسـدُ تـزأَرُ فـي الحـديدِ ولـن ترى* فـي السِّـجنِ ضِرغامًـا بكى استِخذاءَ

وأَتــى الأَسـيرُ يَجُـرٌّ ثِقـلَ حَـديدِهِ * أَسَـــدٌ يُجَــرِّرُ حَيَّــةً رَقطــاءَ

عَضَّــت بسـاقَيهِ القُيـودُ فلـم يَنُـؤ * ومَشَــت بهَيكلــه السّــنون فنـاءَ

تِسـعُونَ لـو رَكِـبَت مَنـاكِبَ شـاهقٍ,* لترجَّـــلَت هَضَباتُـــه إِعيـــاءَ

خَـفِيَت عـن القـاضي، وفات نَصِيبُها * مــن رِفــق جُــندٍ, قـادةً نُبَـلاءَ

والسِّـنٌّ تَعصِـفُ كُـلَّ قَلـبِ مُهَـذَّبٍ, * عَــرَفَ الجُــدودَ، وأَدرَكَ الآبــاءَ

دفعــوا إِلـى الجـلاَّدِ أَغلَـبَ مـاجدًا * يأسُــو الجِـراحَ، ويُطلِـق الأُسَـراءَ

ويُشــاطرُ الأَقــرانَ ذُخـرَ سِـلاحِهِ* ويَصُــفٌّ حَــولَ خِوانِـه الأَعـداءَ

وتخــيَّروا الحــبلَ المَهيــنَ مَنيّـةً * للَّيــثِ يلفِــظ حَولَــهُ الحَوبــاءَ

حَـرموا الممـاتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا* مَـن كـان يُعطِـي الطَّعنَـةَ النَّجـلاءَ

إِنـي رأَيـتُ يَـدَ الحضـارةِ أُولِعَـت * بـــالحقِّ هَدمــا تــارةً وبِنــاءَ

شـرَعَت حُـقوقَ النـاسِ فـي أَوطانِهم * إِلاَّ أُبـــاةَ الضَّيـــمِ والضٌّعَفــاءَ

يــا أَيٌّهَـا الشـعبُ القـريبُ، أَسـامعٌ * فـأَصوغَ فـي عُمَـرَ الشَّـهِيدِ رِثاءَ?

أَم أَلجَـمَت فـاكَ الخُـطوبُ وحَـرَّمت * أُذنَيــكَ حـينَ تُخـاطِبُ الإِصغـاءَ?

ذهــب الـزعيمُ وأَنـتَ بـاقٍ, خـالدٌ * فــانقُد رِجـالَك، واخـتَرِ الزٌّعَمـاءَ

وأَرِح شـيوخَكَ مـن تكـاليفِ الـوَغَى * واحــمِل عــلى فِتيـانِكَ الأَعبـاءَ

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply